ما الذي يحرك دافعك إلى الإنجاز؟

شبكة النبأ

2024-09-04 04:28

بقلم: جول سنيْب 

لماذا يماطل بعضٌ منا في حين يعمل آخرون بحماسة ويُنجزون بسرعةٍ ما يتعين عليهم إنجازه؟ يعود الأمر إلى أدمغتنا، ومن خلال فهم العلم الكامن وراء شحذ الدافع وتحفيزه، قد نجد أننا قادرون على تحقيق وإنجاز المزيد. 

إليكم سؤالاً سريعاً: على مقياس من 1 إلى 10، ما مدى شعوركم بوجود حافز لديكم لتنجزوا كل ما عليكم فعله عند الانتهاء من قراءة هذا المقال؟ وماذا يعني ذلك حتى؟ لدى معظمنا، نحن البشر، دافع داخلي إلى السعي وراء بعض الأشياء: تأمين الطعام والمأوى والشراكة والتقدير. ولكن عندما يتعلق الأمر بأهداف أكثر تجريداً أو طويلة المدى، يبدو أن البعض يتحركون وينشطون بلا كلل، في حين يكافح آخرون ويحتاجون إلى جهد أكبر لمجرد تخطي نقطة البَدء.

 يؤدي الناقل العصبي الدوبامين دوراً رئيساً في مسار المكافأة في الدماغ. 

إذن ما الذي يحدث في دماغنا عندما نشعر بحافز يدفعنا إلى إنجاز أمر ما؟ هل يمكننا تسخير هذا الشعور أو التحكم فيه وجعله يتكرر بوتيرة أكبر؟ وهل التحفيز هو ما نحتاج إليه بالفعل، أو يمكننا أن ننجز الأمور من دونه؟

تقول د. أفيغيل ليف: ”من منظور علم النفس العصبي، المناطق الرئيسة في الدماغ التي تشارك في التحفيز هي اللوزة الدماغية Amygdala وقشرة الفص الجبهي Prefrontal cortex اللتان تحتاجان إلى أن تعملا معاً على نحو صحيح من أجل حدوث عمل يؤدي إلى نتيجة“. ليف مختصة في علم النفس الإكلينيكي ومؤلفة كتاب العلاج بالقبول والالتزام للأزواج.

تقول ليف إن اللوزة الدماغية هي مركزنا العاطفي، في حين أن قشرة الفص الجبهي هي المنطقة التي تساعدنا على اتخاذ القرارات وتنفيذها: ”تتحكم اللوزة الدماغية في الاستجابة للخوف في دماغنا، ويمكن أن تدفعنا نحو أن نتصرف أو نفعل شيئاً. لكن مستوى القلق يتخذ شكل منحنى جرسي، فإذا كان لدينا كثير منه، فسنشعر بالشلل ولن نستطيع إنجاز المهام“.

 القلق، هو استجابة للخوف بتحفيز من اللوزة الدماغية؛ عندما يكون بالقدر المناسب، فإنه يدفع إلى اتخاذ إجراء حاسم، ولكنّ كثيراً منه يمكن أن يشل قدرتنا على التصرف. 

لذلك، هناك مستوى مثالي من القلق يكون مفيداً لتحفيز الأداء والإنتاجية. هنا يأتي دور قشرة الفص الجبهي. تقول ليف: ”إنها تساعد على التخطيط للمستقبل، وتقسيم الأمور إلى خطوات أصغر، وتستخدم وظائفنا التنفيذية وقدراتنا العليا للتوصل إلى طريقة فعالة لتحقيق أهدافنا“.

أفكار محفِّزة

الجزء الآخر من المعادلة الذي سمع أكثرنا به على الأرجح، وإن بالاسم فقط، هو الدوبامين. هذا الناقل العصبي له دور حاسم في التحكم في التحفيز. إطلاق الدوبامين استجابةً لحدث ما يشير إلى التعرُّف على ما إذا كان ما مررنا به خيراً لنا أو أنه سيئ. تقول عالمة الأعصاب د. إيمي ريتشيلت: ”إنه يساعدنا على اختيار الأفعال التي ينبغي لنا تنفيذها لنحصل على ما هو مفيد لنا ونتجنب ما هو ضار أو مسيء… تُطلق الخلايا العصبية الدوبامين في الدماغ إما على أساس ثابت مستقر أو على شكل دفعات ’طورية‘ تُسبب زيادةً سريعة أو نقصاناً سريعاً في تركيزات الدوبامين في بنى معينة في الدماغ، بما في ذلك النواة المتكئة Nucleus accumbens وهي منطقة رئيسة في الدماغ لها دور في المكافأة Reward وتنظيم الوظائف المتعلقة Effort-related functions“. 

توضح ريتشيلت أن تجربة مجزية مثل تناول قطعة شوكولاتة لذيذة قد تؤدي إلى زيادة الإشارات لإفراز الدوبامين، ولكن رؤية إعلان عن قطعة الشوكولاتة اللذيذة، وتوقع الشعور الذي سنحصل عليه أو المكافأة عندما نتناولها، يمكن أن يكون له التأثير نفسه أيضاً. فانتباهنا يركز على المكافأة المحتملة ويولِّد لدينا الرغبة في تكرار تجربة المكافأة الأولى.

بمعنى آخر، لا يقتصر الدوبامين على الإعجاب بشيء ما فحسب، بل يتعلق أيضاً بالرغبة فيه والسعي إلى الحصول عليه، وعلى هذا النحو، فهو عامل رئيس في دفعنا نحو أن نتصرف على نحو ما. لقد ثبت من خلال التجارب، مثلاً، أن الحيوانات ذات مستويات الدوبامين المُنضَّبة في الدماغ لن تؤدي سلوكيات تتطلب جهداً كبيراً للحصول على المكافأة. وفي الوقت نفسه، أظهر أشخاص أُعطي لهم الأمفيتامين الذي يزيد إفراز الدوبامين في الدماغ، رغبةً متزايدة في أداء مهمة تحتاج إلى جهد كبير.

وهذا يعني أيضاً أنه يمكن التلاعب بإشارات الدوبامين. مثلاً صُممت معظم منصات التواصل الاجتماعي الشائعة الاستخدام لتشجيع إفراز الدوبامين من خلال إشارات المكافأة المتغيرة المشابهة للنوع الذي يمكن أن نراه في آلات ألعاب الحظ، وهذا يشجع على قضاء مزيد من الوقت في تمرير وتصفح منشورات المشاركين ووضع علامة الإعجاب عليها أكثر مما قد نفعل بخلاف ذلك.

أنواع المحفزات

ماذا يعني هذا ليبقى لدينا الدافع والحافز لأداء ما يتعين علينا أداؤه؟ أولاً، وربما الأكثر بداهةً، يعني ذلك تجنب الأشياء التي تحفزك على فعل أمور لا ترغب حقاً في فعلها، مثل مقاومة النداء الصادح لوسائل التواصل الاجتماعي. ويعني أيضاً إيجاد طرق لتحفيز استجابة الدوبامين عندما تفعل أموراً يجب عليك القيام بها، ولكن الأمر أكثر تعقيداً قليلاً مما قد يبدو.

”بدافع من التحفيز الخارجي، ينخرط الأفراد في نشاط أو سلوك من أجل الحصول على مكافأة ملموسة، مثل المال أو الثناء والتقدير“

يقول عالم النفس د. أنتوني طومسون من جامعة أردن في كوفنتري: ”هناك نوعان من الدوافع أو الحوافز، الداخلية والخارجية. الحافز الداخلي، ينبع من داخل الفرد نفسه ويجعله ينخرط في نشاط أو سلوك لأنه يثير اهتمامه بطبيعته ويجد متعة في ذلك، وليس هناك بالضرورة أي توقع لمكافأة ملموسة في النهاية. وعلى النقيض من ذلك، بوجود حافز خارجي، ينخرط الأفراد في نشاط أو سلوك بغرض الحصول على مكافأة ملموسة، مثل المال أو العرفان والتقدير، أو لتجنب العقوبة“.

لذلك قد يكون التحفيز الخارجي مفيداً للبَدء في اتباع سلوك جديد أو تحفيز نفسك لفعل شيء لا يثير لديك الاهتمام بطبيعته، مثل الحصول على مكافأة الاستمتاع بحلقة من برنامجك التلفزيوني المفضل بعد ممارسة رياضة الجري، مثلاً. ولكن هناك مشكلة. يقول طومسون: ”نظرت الأبحاث في البَدء إلى الدوافع الداخلية والخارجية على أنها عمليات منفصلة ولكن متكاملة. غيرَ أن الدراسات أظهرت أن تحفيز شخص ما خارجياً من خلال تقديم مكافأة له يمكن أن يُقوض في الواقع الحافز لديه، ويجعله، عند إزالة المكافأة، أقل اهتماماً بالمهام التي كان في البَدء متحمساً داخلياً لإكمالها“.

هذا يعني على الأرجح أنك إذا كنت تتطلع إلى البقاء متحفزاً على المدى الطويل، فإن الدافع الداخلي هو ما تحتاج إليه. وإذا لم تكن مهتماً بطبيعتك أو متحمساً بشأن ما تحاول فعله، فمن المستحسن أن تجد طريقة لإضفاء بعض المعنى عليه حتى تتمكن من إنجازه.

تقول ليف: ”يتعزز التحفيز الداخلي عندما نشعر بأهمية سلوكنا أو الغاية منه... عندما نشعر بأن هدفنا له معنى عميق لدينا، تزداد أرجحية إنجازنا له“. تشجع ليف على توضيح القيم الراسخة لدينا وتحديد الأفعال والسلوكيات المحددة التي تتماشى مع تلك القيم.

مثلاً إذا لم تتمكن من إقناع نفسك بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، فقد يكون من المفيد أن تتضح لديك القيم الراسخة التي تتوافق مع هذا السلوك؛ مثلاً أن تصير الجد المرح الذي يمكنه أن يجري حول الملعب مع أحفاده. وبالمثل إذا كنت لا تستطيع حقاً تصفح بريدك الإلكتروني مرة أخرى أو حضور مزيد من الاجتماعات، فكِّر في القيم التي تخدمها هذه المهام، مثل أن تتمكن من إعالة عائلتك وتوفير الراحة لها. قبل كل شيء، اتبع الأنظمة الصحيحة التي تحتاج إليها في عملك وستتمكن من إنجاز الأمور.

* المصدر: مجلة مدار-العدد سبتمبر - أكتوبر 2024

https://madar.aspdkw.com/

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي