عقدة النقص واثارها على الفرد والمجتمع

محمد الكعبي

2024-08-22 04:16

يعاني البعض من امراض نفسية بسبب عوامل كثيره داخلية وخارجية ساهمت في بلورة شخصيته وتحكمت بقراراته وتصرفاته وافرزت عقد وأزمات تتحكم برؤيته للمجتمع وبالخصوص حديثي النعمة حيث تتجسد في تعاطيهم مع من حولهم مما يعكس انعطافا نفسيا خطيرا ومتدنيا قد يصل إلى مرحلة التسافل والانحطاط، فيستعلي ويتكبر فيدعي الربوبية، فيعيش في دائرة الحقد والانتقام من الآخرين، وهذا مرض خطير جدا، يحتاج إلى علاج فوري.

وما نراه اليوم من تصرفات البعض وخصوصا اصحاب المناصب السياسية لخير دليل على ذلك، فالكثير منهم تجده حاقدا على ماضيه ولا يحب ان يتذكر كل متعلقاته السابقة ولا اصدقاءه واقرباءه، حيث نجد العديد منهم تبرء من اهله وعن كل ما له صله بتلك الحقبة الزمنية المظلمة التي يحاول جاهدا نسيانها او تناسيها من فقر وحرمان واضطهاد وتهميش واضطراب عائلي.

ونجد اغلبهم لا يمتلك رؤية بناء الدولة ولا يحمل صفة العطاء بل شحيح حقير بخيل اناني متوحش، يهلك الحرث والنسل، والنماذج كثيرة على مر التأريخ، وما نعيشه اليوم من ازمات على جميع المجالات نابع من اسباب كثيرة ومنها نتيجة افرازات تلك العقد عند البعض ممن تسلط على رقاب الناس بشتى الطرق، فنجد المجتمع يعيش ارهاصات ومشاكل وخراب وتضييع للحقوق مع اتساع رقعة التخلف والفقر والمرض والبطالة، العقد النفسية هي تلك الاضطرابات التي تنشأ نتيجة لتجارب فاشلة، أو أحداث أو صدمات مؤلمة يتعرض لها الانسان في مسيرته وخصوصا في فترة الطفولة والمراهقة، والتي تبقى محفوظه في ذاكرته وتنعكس على تصرفاته وقد تؤدي إلى نتائج سلبية، من قبيل الحكم على الاخرين وعلى النفس سلبا، واسبابها كثيرة قد تكون بسبب سوء التربية أو التعرض لاعتداء جنسي أو فقدان الحنان والاهتمام أو التعرض لحادث أو الفقر والجوع والحرمان والتنمر والنزاعات العائلية أو المجتمعية، بل حتى الثقافة والاخلاق والافكار والدين. 

كلها لها دخالة في بلورة شخصية الانسان ان كانت سلبية او ايجابية، فيعيش العدوانية والقلق والخوف من الرجوع إلى الماضي أو تذكر تلك الفترات المنصرمة والتي تبقى محفوظة في الذاكرة، فيسعى لتعويض نقصه بشتى الطرق، لأنه يعيش بشعور عدم الكفاءة والاهتمام والقدرة والقيمة، ويبقى هاجس الخوف يسيطر عليه خوف العودة الى ما كان عليه، فيعيش وهم التفوق والافضلية على من سواه، وانه مهم، ويحاول ان يسوق نفسه للجمهور بشتى الطرق.

 قد يمر الشخص بأزمات نفسية، لكن التعاطي معها يختلف باختلاف أنواعها ومساحتها وقدرة الإنسان على تجاوزها، واول العلاج أن يستشعر الإنسان أنه فقير إلى الله تعالى وضعيف ولا يملك اي شيء، بل هو عبد منكسر يحتاج إلى من يأخذ بيده ولا يوجد سوى الله، مع الايمان بما قسم الله والرضا بما عنده والسعي للوصول الى الكمال بالطرق السليمة، وينبغي مراجعة ومكاشفة النفس ومصارحتها من خلال تقويم المفاهيم التي تؤدي إلى تصحيح السلوك مما ينعكس على الفرد والمجتمع بشكل ايجابي، وينبغي التخلص من الازمات والنكبات والمحاولة على التغيير والتحول لما هو افضل، وترويض النفس لكل ما هو صالح، نعم قد يكون الامر فيه صعوبة في بداياته، لكن ليس مستحيلا على الانسان ان يخرج من دائرة التسافل والوضاعة ويحلق في سماء التفوق والافضلية والسمو، عندها يستشعر قيمته .

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي