لماذا يتكلمون كثيراً؟
عزيز ملا هذال
2021-08-08 04:35
يحاولون ان يتسيدون المجالس مهما كان نوعها خاصة كانت او عامة، يشاركون في كل الاحاديث التي هي في اختصاصهم والتي من غير الاختصاص ايضاً، اصواتهم رنانة لكن كلامهم غير دقيق وعشوائي ولا يعنيهم ان يكون كلامهم مفيد بقدر ما يعنيهم انهم يتحدثون، من وجهة نظرهم انهم اكثر من حولهم علماً ومعرفةً، اغلبهم لا يتقبلون النقد سيما الاكبر سناً يرون ان الاصغر منهم ليسوا مؤهلين لانتقادهم او حتى مناقشتهم محاولين اسكاتهم بعبارات (عمرك يومين وتناقش، متعجب درست يومين) وغيرها من العبارات الاستفزازية التي يهربون فيها من النقاش حين تقدم لهم الادلة الواقعية والمنطقية، مثل هؤلاء الاشخاص هل لديهم مشكلة نفسية؟، وكيف يفسر ذلك نفسياً؟
الكلمات التي ينطقها اللسان هي بوابة العقل التي يتم عبرها التعرف على مكنون الانسان وهي التي تعبر بالضرورة عن الشخصية والافكار والتوجه، حيث يمكن أن يفهم الاشخاص شخصية من يقابلهم بمجرد الاستماع إلى الكلمات التي يتحدث بها الانسان، لذا قيل (تكلم حتى اعرف من انت).
تحليل الشخصية من طريقة الكلام
الكلمات التي يتفوه بها الانسان تعكس الخصائص السلوكية للشخص المتحدث، ويمكن التنبؤ بالخصائص السلوكية للأشخاص عن طريق تحليل الكلمات التي يختارونها عندما يتحدثون، وعلى الرغم من أنه لا يوجد أدلة تؤكد أن الكلمة وحدها تستطيع أن تحديد سمات شخصية الشخص، ولكنها تستطيع تقديم رؤية حول طريقة التفكير والسمات السلوكية للشخص، بالإضافة الى طريقة الحديث هي الاخرى تعطي انطبعاً عن المتحدث وعما في جعبته من فكر وعقل وتحصيل اكاديمي او خبرات حياتية متراكمة، ومن كثر كلامه كثر خطأه.
ففي بداية مصادفتنا للأشخاص يتكلمون كثيرا نستطيع ان نستمع اليهم للوهلة الاولى ولم نشعر بالانزعاج والتذمر جراء ذلك، لكن مع مرور الوقت يصبح مثل هؤلاء الاشخاص يمثلون عبئاً نفسياً كبيراً على جلاسهم ومستمعيهم لتكرار الكثير مما قيل سابقاً وكأنه في سباق يكون مطالب بقول اكثر عدد من الكلمات في اقل وقت ممكن، فيخيم الملل على من في المكان ويحاولون خلق اعذار للمغادرة فمنهم من يدعي ورود اتصال هاتفي واخر يذهب للحمام وغير ذلك من الوسائل التي تستخدم لتجنب الملل.
ثمة دواعي الافراد الى الثرثرة بحسب على النفس وهي: اولا الحاجة الى الاستماع إليهم حيث يمكننا ان نجزم ان الذين يتحدثون كثيراً بدون توقف يعبرون عن حاجتهم الشديدة إلى الاستماع إليهم على الرغم من أنهم قد لا يقولون أي شيء مفيد، لكن التحدث الى الاخرين سيصرف هؤلاء الاشخاص من الحوار الداخلي من أنفسهم والذي يتسبب لهم بالكثير من الازعاج لكونهم لا يحبذون الاستماع الى صوتهم الداخلي وما يريدونه فقط أن يستمع إليهم الاخرين حتى يرون أنفسهم من خلال اشخاص اخرين.
الدافع الاخر هو حبهم للتحدث عن معاناتهم في الحياة والتعبير عن أللمهم ومشاكلهم النفسية، كما الكثير منهم يتحدثون عن انجازاتهم الوهمية التي تصنعها مخيلاتهم وقد يقومون بسرد سلسلة من القصص لإثبات مدى عظمتهم، ويتحدثون عن الآلاف من المهام والأعمال اليومية في حياتهم، ويحلل الكلام الكثير على ان صاحبه ذو شخصية نرجسية تمنع الانسان من إدراك أنه ليس مركز الكون او محط انظار الناس، لذلك هو يعتقد أنه من الطبيعي أن تدور كل محادثات حوله، وان لم يرحب الناس بكثرة كلامه فهو يفترض أن المشكلة تكمن في هؤلاء الاشخاص وليس فيه.
والشعور بالأمان هو الاخر سبباً يقف وراء الثرثرة التي يعج بها عالمنا المعاصر، اذا يمكن القول ان الحاجة التي تدفع الانسان الى الافراط في الكلام دافعها كسب الاهتمام والشعور بالأمان الشعوري الذي في معظم حالاته يكون مؤقت وليس دائمي، وجل سعادته تتجلى في جعل الآخرين يستمعون إليهم طوال الوقت ويتفاعلون معه مما يشعره بالرضا عن نفسه وبالتالي يتعزز لديه حبه لنفسه.
اما التعامل مع كثيري الكلام فهو عبر الآتي: عدم منحه وحديثه اهتمام عال وتجاهل حديثه اذا كان فارغ لا معنى فيه ولا روح ولا دلالة لكي لأي شعر ان محاط بالاهتمام او انه متحدث جيد وممتع، الانصراف الى اكمال عمل ما تركه يتحدث لإشعاره بأنه حديثه ممل وطويل وغير ذي منفعة ولا جدوى، اما في حالة كون وجود افراد لديهم مشاكل ويطلبون التوجيه او النصيحة فمن من الواجب الاستماع إليهم وتقديم ذلك والافضل ان يكون الامر على انفراد ومن دون اذى الناس وازعاجهم، ومن الاهمية التلميح او التصريح له بأن الحديث الطويل غير محتمل ولابد من تلخصيه.
في نهاية الحديث ننوه الى ضرورة ان يكون ان الانسان مستمعاً اكثر مما هو متحدثاً، او متحدثاً هادفاً ومختصراً لكلامه بهدف ايصال مايريد ايصاله بسلاسة ووضوح وجمال.