سمة الغضب: اصيلة ام طارئة؟

عزيز ملا هذال

2021-05-08 04:48

جميعنا كبشر نغضب ونندفع ونتحمس لموقف معين وليس لاحد منا ان يدعي ان لا يغضب وان صح ادعاءه فهو يعاني من مشكلة نفسية، فالغضب جوهري في وجود الانسان وهو شكل من أشكال ردود الفعل والاستجابة التي تطورت لتمكن الناس من التعامل مع التهديدات التي تواجه والتي بعضها عام خارجي وبعضها الاخر خاص او داخلي.

الغضب هو احد من المشاعر السبع العالمية التي يشترك فيها البشر بغض النظر عن الجنس والعمر والثقافات، ووفقا الباحث الرائد في مجال المشاعر (لبول إيكمان) فإن الغضب قد ينتج عن تداخل أمر ما مع سعينا لتحقيق هدف يهمنا أو عند تعاملنا مع خطر يهددنا، سواء جسديا أو نفسيا.

يمكننا ان نستدل على غضب الانسان من خلال تعبيرات وجهه (لغة الجسد) فيصبح الوجه محتقن وتنشد عضلات الجبين، او قد تظهر بعض الاستجابات الفسيولوجية مثل التعرق وارتعاش الاطراف والتوتر العضلي يوفر احساسا بالقوة والثقة بالنفس والدافع إلى الضرب وهذه أبرز العلامات الفطرية التي يمكن من خلالها الحكم على غضب الانسان.

والغضب ليس مذموماً في جميع صوره فقد يؤدي وظيفة التعبئة للموارد النفسية ويدفع بأتجاه تصحيح السلوكيات الخاطئة فغضبنا على نتيجة اختبار منخفضة تقودنا الى اتباع اسلوب مختلف لأجل محي اثار الاخفاق، كما من حسناته ان يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية عبر الانتصار للمظلوم وارجاع حقوقه المنتهكة، وهذا هو جوهر الانسان السوي.

فورة الغضب القوية او فلنسميها (الحيوانية) تضعف من قدرة الانسان على معالجة الموقف او ممارسة السيطرة المعرفية على السلوك، فالغاضب يفقد موضعيته وتوازنه ويفتقد الى حسن التدبير وغياب التفكير وهو ما قد يسبب اذى كبير لنفسية الانسان الغاضب وبالتالي ينعكس ذلك الغضب على المحيط، وهنا اود توضيح العلاقة بين الغضب والعدوان بكل اشكاله اللفظي أو الجسدي، المباشر أو غير المباشر، فعلى الرغم من كونها متبادلة التأثير على بعضها البعض الا انها ليست قائمة في جميع الحالات بمعنى ان الغضب قد لا يؤدي بالضرورة الى العدوان مهما نشط وز ادت حدته.

للغضب انواع ثلاث بحسب تصنيفات علم النفس، الاول هو الغضب السريع او المفاجئ والذي يقول عنه (جوزيف بتلر) انه ينشأ بدافع الحفاظ على النفس من الخطر الخارجي وهذا النوع يشترك فيه الانسان مع الحيوان، والنوع الثاني هو الغضب المتأني او المقصود وهو الذي يكون نتيجة لتصور الضرر الذي يحصل بسبب المعاملة غير العادلة من قبل الآخرين وهذين النوعين من انواع الغضب هما انواع عرضية، اما النوع الثالث فهو نوع مخطط له بصورة ترتيبية ترتبط بالمميزات الشخصية أكثر من الغرائز أو الإدراك بمعنى انه قد يحصل لتصور معين دون يكون في الواقع ما يدعوا له بسبب تكون خيالات غير واقعية.

تتفاوت نسب الغضب من فرد لآخر تبعاً لعدة اسباب منها جينية وراثية، فقد اثبت الدراسات ان بعض الأطفال يولدون سريعي الغضب ويسهل إثارتهم و تظهر عليهم هذه العلامات في أوقات مبكرة جدًا من أعمارهم ، اما السبب الاخر فهو طريقة التربية التي يتلقها الانسان فقد تمنع بعض العوائل اطفالهم من التعبير عن الغضب او ربما لا يكترثون لغضبهم ما قد يجعلهم اكثر استثارة واكثر شدة في غضبهم، فالكثير منا لا يتعلم كيفية التعامل الصحي السليم مع هذه المشاعر أو طريقة تفريغها بشكل مناسب، كما ان الجو العائلي عموماً له اثر في تحديد نسب الغضب حيث أظهرت دراسة أن اولئك الذين يسهل إثارة غضبهم يأتون غالبًا من عائلات تعاني من المشكلات والفوضى، ويفتقر أفرادها إلى مهارات التواصل العاطفي.

من ابرز تقنيات التعامل مع الغضب او الحد منه هي: اولا التعبير الصريح عنه ولعل هذه الطريقة هي من اكثر الطرق فاعلية في ضبط النفس وكظم الغيظ اذا يتم إخراج هذه المشاعر والتعبير عنها بحزم ولكن دون عدوانية فأن تكون حازماً لا يعني أن تكون مندفعاً او متهوراً بل أن تحترم نفسك والآخرين، ومن التقنيات التي تقوض الغضب هي تقنية القمع اذا يمكن للغضب ان يقمع الغضب ويعيد توجيه بدلاً من الانغماس فيه، وبدلاً التركيز فيه نفكر في امر ايجابي والهدف من هذه العملية هو احتواء مشاعر الغضب ثمّ تحويلها إلى سلوك بنّاء أكثر إيجابية، لكن هنا يجب التعامل بذكاء مع الغضب لأنه في حال عدم التمكن من تنفسيه وحبسه يؤدي الى انقلابه على الفرد الأمر الذي قد يكون له توابع جسدية ونفسية وخيمة كالاكتئاب وارتفاع ضغط الدم، وهذه هي سلبية هذه الطريقة للتعامل مع الغضب.

اما التقنية الاخير فهي التهدئة وهي السيطرة الممكنة على السلوك الخارجي الناتج عن الغضب والتحكم بالمشاعر الداخلية ايضاً التي تحمي الانسان من اثار الغضب والحنق والسخط واستعادة المشاعر الطبيعية الساكنة وهنا يقول (سبيلبيرغ): "في حال لم تنجح أي من هذه التقنيات او الطرق الثلاث في التعبير عن الغضب، حينها سيكون الشخص على وشك التألم والمعاناة"، ومن هنا تأتي اهمية تفادي خطر الغضب والتعامل معه بحكمة والمحاولة قدر الممكن ان لا نكون اسرى غضبنا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي