فن التجاهل: استراتيجية العبور بقارب العقلانية
عزيز ملا هذال
2021-03-30 09:39
الجهل يحدث بصفة لا شعورية ومن دون قصد لقصور في معرفة او عدم امتلاك سبل الاطلاع مثلاً، اما التجاهل فهو فعل شورياً واعياً بتخطيط ونية وله هدف ودوافع، وله نصيب من المدح كما له نصيب من الذم، لكنه في الكثير من الحالات فن بالغ الاهمية ان احسن التعامل معه.
في علم نفس يعرف التجاهل على انه استراتيجية سلوكية يتبعها الفرد في الرد على سلوك معين، والقصد من هذه السلوكية هو اطفاء الاثر السلبي الذي تتركة بعض السلوكيات على نفسية الانسان، وفي العادة تستخدم هذه الاستراتيجية في حال ان صاحب السلوك المضاد سينتشي حين يرى ان فعله مؤثر وغالباً ما يكون داعي التجاهل داخلياً متعقلاً الى حد بعيد بقصد اخماد نار قبل اشتعالها او اطفائها قبل ان تتسع رقعتها.
رغم اهمية التجاهل في حياتنا الا ان القليل منا من يتقنه او يحسن استخدامه، والكثير منا يجهل سطوته او يجهل فائدته في كونه أسلوب لغض الطرف عن الكثير من الأمور التي تشكل عائقا أمام الإنسان كي يصل إلى الانشراح والارتياح.
بضبط النفس والهدوء والصبر يستطيع الفرد ان يتعدى الكثير من المشاكسات والمشكلات ويكون هذا منهجاً للحياة، ولكن حقيقة تنبري الى السطح لابد وهي ان فن التجاهل يبقى سلاحاً ذو حدين حيث من المهم ان يكون استخدامه بالشكل الذي يفيد ولا يؤذي، على سبيل المثال من الايجابي ان نتجاهل الكلام السلبي الذي راد به تثبيط هممنا، لكن من السلبي ان نتجاهل الكلام المقدم على هيئة نصائح لان هذا يضر ولا ينفع.
وقد يستخدم التجاهل كأداة للعقاب وتعد احد الطرق الفعالة في الحد من السلوكيات النشاز او السلوكيات المستفزة التي تصادفنا في العديد من المواقف الحياتية المكونة بمجموعها سيناريو حياة البشر، وفي حالات يؤدي التجاهل دور الجاذب او اداة التوازن فالكثير من الناس المرضى تزلف الناس اليهم وعدم تجاهلهم اوصلهم الى مراحل متقدمة من التكبر اما العكس فيدفع المتكبر الى اعادة النظر في تصرفاته والتفكير في تراجع الاهتمام به او عدم احترامه فيحاول ان يعيد هيبته المفقودة وبالتالي يعيد من توازنه والعودة الى الصواب.
ليس بغريب ان يأتيك ضرر من شخص قريب يصعب عليك رده بالمباشر بداعي القرابة او فارق العمر او حسابات اخرى اجتماعية، فيكون الحل الناجع هو التجاهل والبعد والاكتفاء بالسلام العابر المحفوف بالاحترام لأشعار ذلك المقصر في حقك بتافهته وصغر حجمه او اشعاره بذنبه على اقل تقدير، ويكون هنا التجاهل أساسا تقف عليه العلاقة المستقبلية في حال عودتها، او محفزاً على تحسين العلاقات والابتعاد عما يعكرها او حفظ الود بين الاطراف، فبالتجاهل قد تحل الكثر من المشاكل إن التي منشئها خطئ انساني.
جميعنا حدث له في يوماً ما ان بعد من منصب او ذم في مجلس معين او انتقد على ملبس او تصرف عادي جداً يحدث يومياً عشرات المرات لأناس اخرين لكنه لم يلقى اي رفض او انتقاد، حينها تتجلى حقيقة ان توجيه الانتقاد للناجحين مصدره الغيرة والحسد، لعدم تمكن المنتقدين من الوصول الى تلك الدرجة العلمية او المجتمعية او ما شاكلهما، ففي هذه الحالة يكون التجاهل اسمى وارقى صور الرد واكثرها تحطيماً لمصادر الهجومات غير الاخلاقية.
علم النفس يرى ان من ابرز مسوغات استخدام التجاهل هي: اخفاء ضعف الثقة الناتج من التهديم المقصود لا نجاز الناجحين، او انه يستخدم لإنهاء علاقة ما برقي وتحضر دون الدخول في مواجهات، او هو الية لتجنب الغضب او الخجل من بعض المواقف التي يراد منها الاستهزاء والسخرية.
ومن صور التجاهل هي اظهار حالة اللامبالاة لحديث من يراد تجاهله، والاقتصار الكبير في الرد سواء اثناء الحديث المباشر او في وسائل التواصل، تحاشي قدر الامكان توجيه النظر اليه وتصادف التقاء العينين، عدم الاكتراث لكلامه او تصرفاته التي ريد من خلالها الاستفزاز او جذب الانتباه اليه، وهنا سيجد المعني نفسه مضطراً لإيقاف الاستعراض او الاستفزاز لأنها لم تأتي بالنتائج المرجوة.
حتى يتمكن الفرد من ممارسة هذا الفن عليه ان يمتلك كم من الثقة بالنفس ومن ثم عليه أن يحدد نقاط الضعف لديه ويركز على معالجتها بشكل كبير كي لا يتخذها الآخرون وسيلة لتحقيق غاياتهم، كما يجب ان ينصب اهتمام الانسان على تطوير عمله والانشغال بأمور ذات فائدة افضل من اضاعة الوقت في التصدي والتناحر.
في الختام نقول ان: التجاهل هو طريق الانسان الى الراحة النفسية والسلام الداخلي والصفاء الذهني، فحين نتقن فن التجاهل سنمتلك دعامة بوجه الانتقادات غير الواقعية والتي تهدر طاقتنا ووتهدد تصالحنا مع انفسنا.