كيف اتعامل مع صديقي المصاب بجنون الارتياب؟
عزيز ملا هذال
2021-01-18 09:14
هواجس غير قابلة للتفسير من امور طبيعية تقود الفرد للغرق في الافكار بصورة مؤذية للنفس والضمير والدافع قهري خارج الارادة، انه مرض جنون الارتياب او الشك واسميناها شكاً كتعبير لطيف عن الوسواس القهري، يصاب به الكثير من الاشخاص بهذه العلة فتؤثر في شخصيتهم وتجعلها لا تأمن لشخص وتشكك في افعاله وكذلك يشكك في نفسه في التعامل مع الناس والتي غالبًا ما يتم تسمية (متلازمة عطيل) وهي داء مرتكز على الوهم والتشويه والتطرف في التفكير والتسرع في اطلاق الاحكام مع بقاءه مصراً على تصوراته للخيانة حتى في حال كون الادلة مخالفة.
والافكار الوسواسية التي تنتج من مرض الشك هي عبارة عن تخيلات غير مرغوب فيها تحدث بصورة متكررة تسبب القلق والازعاج لصاحبها، يحاول المريض ان ينقذ نفسه منها لكن محاولاته تبوء بالفشل لأسباب لا ارداية، كما تتكون لديه أفكار غير مرغوبة تتعلق بمواضيع دينية أو جنسية أو عدوانية، وقد يعاني المريض من حزن وإزعاج تجاه بعض المواقف التي يعيشها مثلا رفض الاكل مع جماعة معينة لعدم استنظافهم، كما يغلب سوء الظن على معظم اوقاتهم وتعاملاتهم في القول والفعل من دون ان يوجد ما يدعم هذا التصور في الواقع، والمصاب بهذا المرض يتصف بأنه مبالغ في الترقب والحذر من اغلب الناس مع انعدام الوثوق بهم لتوقع الغدر منهم، ويكون حساساً جداً فلو أخطأت معه بدون عمد لا يقبل العذر او التبرير، ويتأثر بانتقاد الاخرين بصورة يبالغ فيها ويحملها اكثر مما تحتمل من السوء وبالتالي يبادر في الرد على هذه الانتقادات بنفس حجم الاذى في نفسه، ويحاول دائماً إسقاط أخطائه وهفواته على غيره.
ويتصف المصاب بجنون الارتياب بكثرة الخصومة والجدال والعناد مع الاعتداد بالرأي مما يصعب عملية التفاهم معه او اقناعه، كما يبالغ في التنافس والسعي إلى الزعامة والسيادة والسيطرة والقيادة والتمكن من تدبير الأمور مع الأنفة والاستنكاف أن يكون مرؤوساً لأنداده وأقرانه، ولم يعترف بأي نقص او خلل في سلوكه، اضافة الى سعيه الجاد لأثبات ذاته، ويميل الى التطفل على خصوصيات الاخرين لكنه يميل الى السرية فيما يتعلق بمعلوماته ونواياه ومشاريعه، هو حريص على معرفة المعلومات التي يمكنه من خلالها الدفاع عن نفسه عند الخصومات مع مبالغته في الشدة والصرامة وافتقاده لمشاعر المودة والرحمة والحنان وتغليب العقل على العاطفة، ويصنف على انه قليل المزاح وان تمازح فهو يسعى الى اهانت من يمازحه وليس بقصد ودي لطيف، ويركز على عيوب الاخرين وسلبياتهم لاستخدامها في المواجهة ضدهم مع تغافل حسناتهم، كل هذه العلامات تدل بالضرورة على اصابة الشخص بمرض جنون الارتياب اللاارادي.
الى الان لا يوجد تفسير متفق عليه لهذا المرض بل يوجد مجموعة اراء اولها يقول بوجود مناطق غير طبيعية في الدماغ الانساني تثير الشكوك كنتيجة لوجود مشكلة بالعمليات الذهنية أو اختلال وظائف المخ ممكن ان يتسبب في تكوين وتطور المرض، وراي اخر طبي يقول بوجود جينات في تركيبة الانسان يرتبط بها المرض إذ أشارت دراسة ( Marazziti: (2003أن الأشخاص الذين يعانون من الشك المفرط لديهم تغييرات كبيرة في أنظمة هرمون السيروتونين ومع توافر محفزات له سينمو ويتطور وهذا الراي يعتبر مقبول الى حد ما لكنه ليس قاطعاً، اما الراي الثالث فيرجح اصابة الفرد بجنون الارتياب نتيجة لوجود اشخاص في الدائرة الاولى مثل الاب والام والاخ والاخت والجد والجدة قد اصيبوا بهذا المرض مما يجعل امكانية انتقاله وفق ما يسمى (النمذجة) وارد ومقبول، وممكن ان يكون المريض قد تعرض لصدمة نفسية او اعتداء جنسي او جسدي في مرحلة الطفولة حولة منه الى شخص شكاك لا يأتمن أي جانب ومهما كانت درجة القرابة، ويمكننا ان نعتبر ان هذه الاسباب هي الاكثر اثراً في تكون المرض في شخصية الانسان.
بعد ان حصرنا العلامات الدالة على المرض والاسباب المؤدية له صار لزاماً علينا ان نخطي جملة من الخطوات التي قد تكون مجدية في التعامل مع الشخص كثير الشك والظن والريبة بمن حوله، ففي هذا السياق ينبغي علينا التعامل معه بصراحة ووضوح في القول والفعل والابتعاد عن التلميح او الهمس لئلا تثار في نفسه الريبة، والابتعاد عن جداله وانتقاده سيما امام المجتمع والافضل ان نبين له ما نراه اكثر صواباً بلطف مع استخدام اسلوب المزح ومن دون ارغامه على تغيير قناعته مما يثير الشك لديه بأن ناصحه يصادر رايه، كذلك يفضل ان نعتذر منه ونبرر افعالنا تجاهه اذا بدر موقف معين فسيرى هو بأنه مقصود ومخطط له، والتعامل معه بحذر والانتباه الى كل كلمة تقال معه لأنه يفسر الكلام وفق مزاجه بدوافع مرضية، وينبغي ان نغدق عليه من الاحترام والتقدير إن كان أهلاً ولا نحتقره إن لم يكن أهلاً للاحترام بمعنى احتواءه وفهم علته، ولا ينبغي لنا ان ندعه يسقط اخطائه علينا من خلال مواجهته بالعنف فينفجر غضباً وبذلك حولته الى وحش كاسر الا في حالة ان يكون لك عليه سلطان وتستطيع التحكم بانفعالاته وبالتالي اخماد تبديد غضبه، واخيراً حين نرى في زملاءنا في العمل او احد افراد عائلتنا او أي فرد تجمعه بك مصلحة لديه هذه الوسواس ويصعب محاورته او اقناعه في لحظة انفعاله فالأفضل تركه لوقت اخر يكون قد هدئ وغادر عصبيته، ووفق هذه المعالجات يمكن الى حد بعيد ان نروض هذا الانسان المستفز ونحوله من انسان مفرط في التحسس لتصورات غير واقعية الى انسان واثق من نفسه ومتعقل.