ثقافة نفسية: الطلاق العاطفي
أ. د. قاسم حسين صالح
2019-12-15 06:50
ما بين الحب واللاحب في الحياة الزوجية كالذي بين الجنة والنار، في الحب يستمتع الزوجان بالحياة، واقسى ما في اللاحب ان يعيشا حالة من الطلاق العاطفي، ونعني به: الانفصال الوجداني والقطيعة النفسية بين الزوجين، لا توافق بينهما، لا قواسم مشتركة في العلاقات والتصرف وتربية الأبناء، متناقضان في الطباع والذوق والميول والثقافة، متشنجان، متنافران لا يطيقان احدهما الأخر.
ثقيلان كما لو كان احدهما جبلا على الآخر، الهدوء بينهما هدنة، والعنف النفسي واللفظي والجسدي هو الغالب بينهما اذا التقيا، ومع ذلك يعيشان سويا بين جدران اربعة دون ان يصلا الى الطلاق الفعلي، ربما الخوف على الاطفال، أو الاحساس بالاحراج من الناس، أو شماتة الاعداء، أو الحاجة الاقتصادية، فيستمران مضطرين، بعلاقة شكلية يعيشان جحيم الطلاق العاطفي الذي يقصّر العمر بعيش مرّ.
والطلاق النفسي نوعان: اما ان يكون كلا الزوجين مدركين لما بينهما من قطيعة، واما ان يكون أحدهما – المرآة في الغالب - بعيدا نفسيا عن الآخر، وغير راض عن حياته العاطفية، ولكنه يظل متكتما على مشاعره، خافيا ضيقه، مجبرا نفسه على تجرّع المرّ تفاديا لطلاق فعلي، وسواء كان الطلاق العاطفي يأخذ شكل الحرب الباردة أو الساخنة بين الزوجين، فأن ما فيه من جفاء وصمت و "هجر في المضاجع" أو الشجار والخصام لأتفه الاسباب، يؤدي في حالات الى الهروب من المنزل ، أو الاهمال وعدم تحمل المسؤولية، أو التعود على الاهانة المتبادلة، أو تنامي الشعور بالكراهية الى حدّ الرغبة في الانتقام، أو تعاطي المشروبات، أو الخيانة التي هي اقبحها.
ما الاحظه ان الطلاق النفسي يكاد يكون ظاهرة في العلاقات الزوجية، وان المسكوت عنه اكثر من المعلن، كما لو ان التقاليد والقيم تقول لنا: مع ان الطلاقين النفسي والشرعي كلاهما مكروهان، فأن الطلاق النفسي اهون الشرين، فيما نرى ان الطلاق النفسي يكون في حالات اكثر شرّا من الطلاق الفعلي، لأن الابناء فيه يعيشون كما لو كانوا في ارض مزروعة بالالغام، الخوف، توقع الشر، كره الحياة، التشاؤم، العدائية، الانطوائية، تدمير الذات، وصولا الى الشيزوفرينيا ومحاولات الانتحار.
طبيعي اننا لا ندعو الى تشجيع الطلاق الفعلي، ولكننا نهدف الى تبيان أمرين: ان الطلاق النفسي جحيم على الزوجين، ومدمّر لشخصيات الابناء، واكثر شرّا" من الطلاق الفعلي كما اوضحنا.
والثاني: ان الطلاق النفسي بين الزوجين يمكن فسخه، بأن تبدأ خطوته الأولى بافتراض حسن النية في الآخر وفتح العين على ايجابياته، وتجميد مشاعر الكراهية، والرغبة الصادقة في التسامح، ثم الحوار والمكاشفة بشفافية الذي يبدأ بتثمين الآخر، وادراك الطرفين انهما كانا يغمضان اعينهما عما في الآخر من ايجابيات، ويضخمان ما فيه من سلبيات، وان عليهما من الآن ان يقلبا هذه المعادلة، فأن لم ينجحا في جلسة الحوار الأول، عليهما تكرار المحاولة ..فأن فشلا، عليهما مراجعة استشاري نفسي بارع في جعل خطوط حياة الزوجين تتلاقى، فأن عجز، عندها يكون الطلاق الفعلي أرحم، لكنه لن يكون، لأن العراقيات ما أن تنجب أول طفل فأنها تلف في القماط عواطفها، وشاطرتهن التي تفكه مساء ليلة الخميس!.