سيكولوجيا الحسد

أ. د. قاسم حسين صالح

2019-09-28 07:07

اذكر أنني عندما كنت طفلا" وضعت امي في رقبتي قلادة تتدلى بوسطها "خرزه" زرقاء بسبعة ثقوب. وحين صرت شابا" استبدلت تلك القلادة بخاتم في اصبعي بفص ازرق ايضا.. علمت بعد حين ان (ام سبع عيون) و (المحبس الازرق) يطردان خطر العيون، الزرقاء بشكل خاص، ويقياني من الحسود، لأنني كنت (اخر العنقود!)، وقد تلقيت رسالة من قارئة، وكانت قصتها شبيهة بمسلسل "عايزه اتجوز" الذي عرض في رمضان الماضي، جاء فيها: (ان كنت لا تؤمن بالحسد فعسى ان تغير رأيك بعد ان تعرف قصتي. لست جميلة جدا"، ولكنني اجمل من فتيات كثيرات بعمري تزوجن وارتحنّ، ولست اقل منهن حسبا" ونسبا. وقد تقدم لي اكثر من خطيب ولكنني كنت هدفا" لحسد الكثيرات، فاحترت واحتار اهلي في ان نجد سبيلا" لفهم مشكلتي، واقنعتني امي بضرورة الالتجاء الى عرّافه).

وذهبت الفتاة للعرّافة فاخبرتها بأن هنالك "عملا" قام به حاسد اوحاسده وستقوم بابطاله..ولم ينفع ما قامت به، فأشاروا عليها بالذهاب الى "عرّاف " أقوى وأقدر".. وظلت المسكينة " تفتر !"، وليس هذا موضوعنا، فنحن جميعا نعرف ان الحسد يعني تمنّي ان تتحول للحاسد نعمة أو فضيلة المحسود أو زوالهما. ولكن ما لا يعلمه كثيرون هو الآلية النفسية التي يعمل بها الحسد لدى الحاسد والمحسود، نوجزها لكم بالآتي:

يجد المحسود في الحسد تفسيرا لنكبة فجائية حلّت به أو ضررا اصابه في ممتلكاته، أو زوال ما كان يحظى به من جاه أو امتياز. والتفسير بالحسد يرضي المحسود ويرتاح له بينه وبين نفسه لأنه يشعره بامتيازه عن الآخرين ( في مال أو جاه أو ولد أو مركز وظيفي ) ويقوم في الوقت نفسه باسقاط المهانة الذاتية والنوايا العدوانية على الحاسد، فيما يقوم الانسان المحروم (الحاسد) باسقاط رغبته الذاتية الدفينة في سلب الآخر ما يتمتع به من حظ، وتمنيه لامتلاك دور المحظوظ، نابعة من عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر الحرمان.

ومع أن الحسد له صفة طبقية، فالحاسدون هم طبقة المحرومين والمحسودون هم طبقة الأغنياء، الا أنه يمارس ايضا بين أفراد الطبقة الواحدة. فالمدير العام يحسد الوزير، والسائق الذي اشترى سيارة كوستر آخر موديل، يكتب عليها من الخارج "الحسود لا يسود" ويرسم بداخلها عينا مفقوءة بسهم..يقصد بها عيون الركاب من المحرومين.

ولأن العين هي اداة الحسد، التي يرى فيها المحسود ان نظرة (ليزريه!) منها تجلب له مصيبة وقد تحرق حظه!، فأنه يتقيها بان يعلّق حذاءا على باب داره، أويضع محبسا" بشذرة زرقاء في اصبعه.

والمفارقة، ان كثيرا" ممن نطّوا-بعد التغيير- الى أبعد من حدود الأحلام، قد لبسوا هذه المحابس، وربما وضعوا اكثر من "نعال" على ابواب بيوتهم!.. يتقون بها شرّ عيون الحاسدين من المحرومين الذين صارت مصائرهم بأيديهم!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي