سيكولوجيا الغالب والمعلوب

أ. د. قاسم حسين صالح

2019-08-26 06:50

ما يميزنا نحن السيكولوجيين عن المحللين السياسيين اننا نبحث عن اسباب الظاهرة فيما هم ينشغلون باهدافها، فهم يرجعون اسباب العنف في العراق الى اختلاف مصالح القوى السياسية، وهذا صحيح ولكنهم يغفلون او يتجاهلون السبب السيكولوجي الاجتماعي الذي يجعلهم يختلفون في الرأي ويدفعهم الى سلوك العنف والكراهية الذي يبقى يتحكم بهم حتى لو جرى تأمين مصالحهم.

ان من يقرأ تاريخ الاحداث في العراق، قبل التغيير وبعده، يجد ان السبب لما حصل للناس من فواجع هو ان الخصوم يتحكم بهم دافع الغالب والمغلوب الناجم عن تعصب طائفي يقسم المجتمع الى (نحن)التي يرى فيها انها الأفضل والأحق بالسلطة، و(هم) التي يعدها الأدنى والتابع الخاضع لها.

ومع ان خصوم الألفية الثالثة ورثوا عن اسلافهم قبل الاسلام عقدة (الثأر الجاهلي) راح ضحيتها عشرات الألاف، فان مرضهم العقلي المعاصر! هو انهم مصابون بالدوغماتية، التي تعد احد أهم واخطر اسباب الأزمات السياسية والاجتماعية والمحرّك الخفي لسيكولوجيا الغالب والمغلوب.

وللتوضيح، فان الدوغماتية تعني جمودا فكريا، عقائديا، جزميا.. يتصف المصاب بها بعدم قدرته على تغيير افعاله حتى لو تطلب الموقف ذلك، لأنه يعتبر معتقداته هي الصح وما يقوله هو حقائق مطلقة حتى لو افتقدت السند والبرهان، وما يقوله الآخر يعدّه باطلا او تزييفا للواقع حتى لو كان صدقا وحقيقة.. وهكذا يعيش الخصوم (الدوغماتيون) وهم تعظيم النفس وتبخيس الآخر..الذي يشغّل، من حيث لا يشعرون، (داينمو) الغالب والمغلوب بثأر جاهلي سخيف.

ليس هذا كلاما نظريا من عندنا، فلقد توصل علماء النفس والاجتماع الى ان الجمود الفكري، العقائدي كان السبب الرئيس للخلافات السياسية التي غالبا ما تنتهي بحروب، وأنه (مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين.

وتوصلت دراسات علمية الى أن الدوغماتي غير قادر على التخلي عن اراءه حتى لو بدا له خطؤها، بعكس صاحب الفكر المنفتح الذي يتشوق لمعرفة الجديد سواء كان موافقا لما يرى ام مخالفا له. وان اللغة التي يستخدمها الدوجماتي تميل الى المغالاة والقطعية (فلان دائما يكذب، انا لا اقول هذا ابدا، كلامك لا يمكن قبوله قطعا..). وان صاحب الفكر المنغلق لا يشعرك بأنه شخص عقلاني منطقي، كما ان حساسيته لمشاعر الاخرين تكون ضعيفة، ولهذا تجده يعبر عن افكاره دون الاخذ في الاعتبار مشاعر المستمعين واللافت،ان شخصية صاحب الجمود الفكري تعطيك انطباعا بأن لديه جوابا لكل سؤال، والسبب في ذلك ان ممارسته للمشاركة في التحدث قائمة على عدد محدود من مبادىء ومفاهيم جاهزة وقطعية..يحفظها عن ظهر قلب.

تأملوا ذلك في احاديث السياسيين العراقيين عبر فضائياتهم .. ستجدون ان ما شخصّناه ينطبق عليهم بالتمام والكمال.. وانهم بلا استثناء مصابون بعقدة الغالب والمغلوب.. والكارثة.. أنهم في نهب ثروة العراق كلهم غالبون.. وثلاثون مليون عراقي كلهم مغلوبون وعنهم ساكتون!.

..........................................................................................................
* الآراء الوراد في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

لماذا يطلب المؤمن الهداية الى الصراط المستقيم؟بعد فوز ترامب.. على العراق الاستعداد لما هو قادمالمشاريع الثقافية الطوعيةدور الشباب في إعادة بناء العراقتداعيات انتخابات إقليم كردستان على المشهد السياسي