كنز المال
أ. د. قاسم حسين صالح
2019-08-22 04:35
الناس في جمع المال على ثلاثة انواع: الأول لا يرغب في جمع المال ولا ادخاره، والثاني من يجمع المال من أطيب سُبله ويصرفه في أحسن وجوهه، يصلون به قرابتهم وأرحامهم، ويؤثرون به أخوانهم، ويواسون فيه فقراءهم. والثالث من يجمع المال مما حلَّ وحرّم وينفقه في حلّه وفي غير حلّه.. إن أنفقوه أَنفقوه إسرافاً، وإن أَمسكوه أَمْسَكوه بخلاً واحتكاراً، أولئك ملكت الدنيا أزمة قلوبهم، حتى أوردتهم النار بذنوبهم.
ذلك ما يراه عدد من رجال الدين، مستندين بها على آيات قرآنية، مثل: ((وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ))، واحاديث للنبي محمد كقوله (السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار).
اما الاسباب السيكولوجية لجمع المال فانها تكون عند الناس لتأمين ضرورات الحياة وتحقيق طموحات مشروعة، والتحوط لاحداث مستقبلية في واقع قلق. غير انها تكون مختلفة عند الاشخاص الذين تكون علاقتهم بالمال اشبه بجهنم.. يسألونها هل امتلئت..تقول هل من مزيد!. والتحليل السيكولوجي لهؤلاء أنهم مرضى نفسيا، او لا يمتلكون شخصيات سوية تتمتع بمواصفات الصحة النفسية. فهم يكونون مفرطين في الانانية، لا يحبون الناس ولا الوطن. وبينهم من يشعر بالنقص فيعمد الى سدّه بالمال.اذكر ان شيخ عشيرة كان في زمانه مليونيرا جاء يخطب زميلة لي استاذة جامعية، ولما سألته عن السبب اجاب بانه (ما عايزني غير اتزوج دكتوره!).
وشخصية الكانز للمال توليفة من ثلاث شخصيات (النرجسية والتسلطية والاحتوائية).. فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها الى (التميز) والاستعلاء على الآخرين، وتأخذ من التلسطية حاجتها الى السيطرة باستعباد الآخرين عن طريق المال، وتأخذ من الشخصية الاحتوائية حاجتها الى احتواء الآخرين فكريا وعاطفيا.. وذلك بشراء افكار الآخرين، وجعل (المثقفين) يتملقون لهم،لاسيما اولئك الذين كانوا فقراء وصاروا في سلطة مكنتهم من جمع ثروة.. يحركهم دافع هوسي للتعويض عن قساوة فقر بثراء فاحش وامتلاك عقارات زائدة عن الحاجة، ولنا في ذلك صدام حسين انموذجا في الزمن الدكتاتوري واكثر من انموذج في الزمن الديمقراطي.. الذي اصبح فيه كنز المال هوسا محموما ليس على صعيد السياسيين فقط بل والميسورين ايضا..والتباهي بالملكية والبذخ الزائد في مناسبات زواج ابنائهم وبناتهم.. وولائم يختلقون لها المناسبات.
من جميل ما قرأت في (نهج البلاغة) كتاب من الامام علي الى عثمان بن حنيف الانصاري.. عامله على البصرة وقد بلغه انه دعي الى وليمة قوم من اهلها فمضى اليها، جاء فيه:(أما بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية اهل البصرة دعاك الى مأدبة فاسرعت اليها تستطاب لك الألوان، وتنقل اليك الأجفان "جمع جفنه وتعني القصعة"، وما ظننت أنك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو "اي مواطنهم فقير".الا وان لكل مأموم اماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه،الا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه "الطمر.. الثوب الخلق"، ومن طعمه بقرصية، الا وانكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد،وعفة وسداد.فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا،ولا ادخرت من غنائمها وفرا،ولا اعددت لبالي ثوبي طمرا).
سلام عليك ابا الحسنين الذي ما كنزت ذهبا ولا مالا، وما كنت تستبدل ثوبك الا بعد ان يبلى، وانت الخليفة وبيدك بيت المال، سلام عليك وانت القائل ان ورع الولاة وعفتهم يعينان الخليفة على اصلاح شؤون الرعية، فيما الذي تولى شؤون الرعية من احفادك صار همهم كنز المال..مع ان رعيتهم في أسوأ حال!.