لماذا نتسرع في إطلاق الأحكام المسبقة حيال الاخر؟

ندى علي

2019-01-28 06:18

هناك حل واحد فقط لمدمن الخمر الحقيقي: التقشف وهو نفس الحل بالنسبة لأي شخص مدمن للهجوم على الذات، يجب عليك الامتناع تماما عن كافة أشكال الأحكام المرضية الأحكام المرضية قائمة على الاعتقاد بأن الأشياء إما جيدة وإما سيئة جوهرياً. إنك تقيم ذاتك والآخرين إما كأشخاص طيبين وإما كأشخاص سيئين، وإما محقين في تصرفاتهم وإما مخطئين. والأحكام الصحية، على النقيض من ذلك، هي الوعي بأن الشيء يشعرك بمشاعر طيبة أو سيئة، أو يؤثر عليك بطريقة تشعر أنها جيدة أو سيئة. ولتبسيط الأمر، يقول الحكم المرضي إن الشيء سيئ، ويقول الحكم الصحي إنه يشعرك بشعور سيئ (بمعنى مؤلم).

في كتاب تقدير الذات للمؤلفين د. ماثيو ماكاي وباتريك فانينج تجد برنامج مجرب ومضمون من الأساليب الادراكية لتقييم وتحسين والحفاظ على تقديرك لذاتك وهنا نخذ تطبيق بعض الأنواع المحددة من الأحكام التي يتحتم الامتناع عنها:

1- الحكم على سلوك أي شخص آخر بأنه جيد أو سيئ. وبالرغم من أن الأمر يبدو صعبا، إلا أنه يجب عليك أن تقلع عن الآراء الأخلاقية في تصرفات الآخرين. تم بدلا من ذلك الموقف القائل إنهم قاموا باتخاذ أفضل خيار متاح في ظل وعيهم واحتياجاتهم في ذلك الوقت. كن واضحا بشأن أنه برغم أن سلوكهم قد لا يكون جيدا بالنسبة لك، إلا أنه ليس سيئا.

۲. تقييم الأشياء التي تقرؤها، أو تشاهدها على التليفزيون، أو تراها في الشارع على أنها جيدة أو رديئة، صحيحة أو خاطئة. يشتمل ذلك على الاعتداءات، والتفجيرات الإرهابية، وأنواع الفساد السياسي، وهكذا.

٣. مقارنة الأشخاص على أية مقاييس يتم بها الحكم على شخص ما بأنه أفضل، أو أكثر كفاق (كز وعلى آخر بأنه أسوأ. يشتمل ذلك التفكير فيمن هو أكثر ذكاء، أو أكثر كرما، أو أكثر كفاءة، وهكذا.

4- استخدام الألقاب السلبية من أي نوع (أحمق، وأناني، ومجنون، وقبيح وبين، ومحتال، وتافه، وما شابه ذلك).

5- توقع أن الناس لابد وأن يكونوا مختلفين عما هم عليه من الضروري أن تقبل أن الناس يقومون بالضبط بما يجب عليهم القيام به ( في ظل احتياجاتهم ووعيهم الحالي ). قد يكون من المزعج أو المؤلم بالنسبة لك أن يتصرفوا بالطريقة التي يتصرفون بها، ولكن يجب عليك أن تقبل أن سلوكهم هو بالضبط ما كان ينبغي أن يكون في هذه اللحظة.

6- لوم أي شخص على ألمك. الألم موجود، ولكن إلقاء اللوم على أي شخص آخر هو أن تقول إنه ينبغي أن يكون هذا الشخص مختلفاً عما هو عليه.

7- الحكم على ذاتك بأنك طيب أو سيئ بأي طريقة. يشتمل ذلك على أفكارك أو مشاعرك، أو مثيراتك، أو آمالك، أو رغباتك، أو خيالاتك، أو سلوكك.

إن احكامك مهلكة. إنها تشبه إعطاء جرعة مزدوجة من السكر المريض سكر. إنت لا تستطيع أن تتحمل الأحكام الموجهة إلى ذاتك أو إلى أي شخص. في كل مرة تصدر فيها حكما على قيمة شخص آخر، تقوم بإعداد الناقد لتوجيه نفس الحكم إليك. وكل " واجب " تطبقه على أصدقائك، أو أحبائك، أو شخص ما قرأت عنه في الصحف سيرجع دائما الينال منك. المفارقة أنه نادرا ما تؤثر القواعد التي تضعها للآخرين عليهم، في حين أنها تؤثر عليك دائما، وتنقص من قدرك. إن للأحكام تأثيرا مقيدا من الناحية الروحية. إنها تبني أسوارا وقيودا بداخلك.

إن الأحكام تأثيرا مقيدا من الناحية الروحية. إنها تبني أسوارا وقيودا بداخلك. بس انت تشعر بهذا ولكن ليس ذاك، وأن تقول هذا وليس ذاك، وأن تريد هذا وترفض االن. تصبح حياتك الداخلية طريقاً مليئاً بالعقبات تتفادى فيه باستمرار ما هو خاطئ، وسين، وغير ذي قيمة من الأفكار والمشاعر والدوافع. تفقد التلقائية والانفتاح. ترفض ذاتك لأنه من المستحيل أن تتبع كل القواعد دائماً. الأحكام تنتزع البهجة، والرحابة من الحياة تخشى أن يتم الحكم عليك، وتصبح عرضة للاكتئاب. كيف يمكن لشخص مدمن للهجوم على الذات أن يكف عن إصدار الأحكام؟ يتطلب ذلك قدرا هائلا من قوة الإرادة والالتزام. يتطلب يقظة مستمرة لوقف الصوت الذي يريد أن يقول : " إنه غبي... إنها كسولة... إنه فاسد... أنا أناني.. الجيران انسان جون... " يفرغ ذلك الصوت الضعيف سمه في كثير من الأحيان. وعليك أن تجد طريقة كي تسكته. إن مفهوم التقشف أساسي في هذا المقام. وتماما كما يجب على مدمن الخمر أن يمتنع عن تعاطي حتى ولو جرعة واحدة، يجب عليك أن تكف حتى عن حكم واحد.

لا شيء يستحق الحكم. ولا يوجد شيء جيد وشيء سيئ. تأتي الأحداث، وقد تكون مبهجة، أو مؤلمة، أو محايدة. قد تندم على بعضها، وقد تتمنى تكرار بعضها الآخر لا يوجد ما هو صحيح وما هو خاطئ في أي منها والامتناع عن إصدار الأحكام لا يعني أنك ملزم بقضاء الوقت مع أناس لا تستمتع بصحبتهم، أو أن تترك نفسك عرضة للإساءة، أو الاستغلال. إنك مازلت حرا في فعل ما تعتقد أنه الأفضل لتعزيز وحماية ذاتك. من الرائع أن يكون لديك خيارات، وأن تستمتع بهذا وترفض ذاك. ولكن تلك الخيارات قائمة على احتياجاتك وميولك الخاصة، وليس على أي معنى للوجوب أو القرض.

من المرضي جدا في بعض الأحيان أن ترى الأشياء بهذه الطريقة. هناك شعور من الاستقامة، وحتى الترفع والسمو، يبدو العالم أكثر منطقية حين يمكنك تقسيم الناس إلى طيبين وأشرار يهدأ غضبك عندما يمكنك رؤية الآخر على أنه مخطئ مستحق للوم. ومن اسهل أن ترفض ذاتك عندما تشعر بأنك قد اخترت متعمدا أن تفعل ما هو خاطئ أو احمق هناك كثير من الأشياء المؤلة في الحياة، ومن المريح أن نطلق عليها " شر " ونرفضها عندما تحول شيئا ما إلى شيء سيئ، فإنك تبعد ذاتك وتحميها. إن ذلك طبيعي تماما. ولكن الحكم بهذه الطريقة يعتمد على وهم أن الناس أحرار تماما في أن يفعلوا أي شيء يبتغونه. وعندما يرتكبون أخطاء تجلب الألم إليهم أو إلى الآخرين، يمكن أن يكون ذلك فقط لأنهم كانوا أكثر كسلا وأنانية من أن يفعلوا ما هو صحيح.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي