احترام الذات

حيدر الجراح

2015-04-18 12:56

لوقت طويل كان التواضع مثالا في الغرب. وهكذا استطاع ايمانويل كانط ان يكتب (ان حب الذات، ومن دون ان يكون سيئا باستمرار هو مصدر كل شر. ثم اصبح الفرد القيمة الاساسية في مجتمعاتنا، ومعه صار (اناه) قيمة اولى). واذا كان باسكال قد كتب (الانا مكروه) فان العبارة قد استكملت بعد عدة عقود بعيارة بول فاليري (ان الامر يتعلق بأنا الاخرين). لقد صار احترام الذات توقا مشروعا من جانب الجميع، وقد صار ضرورة لابد منها للبقاء في مجتمع يقوم على التنافس.

لقد أصبح مصطلح تقدير الذات منذ أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، أكثر جوانب الذات انتشارا بين الباحثين، وقد ربطه العديد منهم بالمتغيرات النفسية الأخرى، فتقدير الذات والشعور بها من أهم الخبرات السيكولوجية للإنسان.

ماهو معنى احترام (تقدير) الذات؟

احترام الذات يعنى به مقدار الصورة التي ينظر فيها الإنسان إلى نفسه، هل هي عالية أم منخفضة.

واحترام الذات معطى اساسي في الشخصية وتقوم على عدة مكونات اساسية للذات، بعضها معرفي (تقييم الذات والاجابة عن السؤال: ماهي قيمتي؟).

بين "باندورا" أن التقويمات الذاتية للفرد لها تأثير بارز في السلوك وأن الفعالية الذاتية يحقق للفرد النتائج والأهداف المرغوبة ويساعده في بلوغ السلوك التكيفي..

إذن تقدير الذات هو موقف داخلي يقوم على القول أن للفرد قيمة، وأنه متفرد وذو أهمية. فهو معرفتنا لذواتنا وحبنا لها، كما هي بإيجابياتها وسلبياتها

أما "كارل روجرز" فقد اعتبر تقدير الذات حاجة إيجابية ضرورية وأنها هي الحاجة الأساسية للتقبل، والاحترام، والتعاطف والدفء والحب. وأن مشاعر الكفاءة والقابلية للاعتبار تأتي من الناس الآخرين. وأن تقدير الذات ينمو من خلال الاتجاهات الإيجابية الآتية من الآخرين.

كما أن "ريبر"، يرى أن تقدير الذات هو الدرجة التي يقيم بها الفرد ذاته.

أما "دوغلاس" فيقول أن مصطلح "تقدير" يرادف مصطلحات: اعتبار، احترام، تقييم وتأمين. ويعرف تقدير الذات بأنه مجموعة المعتقدات التي يحملها الفرد عن نفسه والتي تعتبر حقيقية في التعبير عنه، سواء كانت معبرة عن حقيقته فعلا أم غير ذلك.

أما "روزنبرغ" فقد عرف تقدير الذات بأنه اتجاهات الفرد الشاملة سلبية كانت أم إيجابية، نحو ذاته. وأخيرا يرى" كوبر سميث" أن تقدير الذات هو حكم الفرد على ذاته من حيث الاستحقاق، والذي يتضح من خلال الاتجاهات التي يتمسك بها ويحافظ عليها نحو هذه الذات.

ويرى بعض الباحثين أن تقدير الذات ليس واحدا متفردا، بل هو مجموع تقديرات الذات في مختلف ميادين الحياة، حيث يمكن أن نجد شخص ذو تقدير ذات جيد في الميدان المهني وتقديرا للذات أضعف في ميادين الحياة العاطفية. إلا أن هذه التقديرات لها علاقة فيما بينها، فالنجاح أو الفشل في ميدان معين، قد يؤثر على ميادين أخرى، وقد يعطي هذا النجاح دفعة قوية لتقدير الذات العام.

كما أن تقدير الذات قد يكون ثابتا أو متغيرا وقويا أو ضعيفا، وذلك حسب الظروف النفسية والاجتماعية التي يعيشها ويصادفها الفرد..

وتقدير الذات لا يولد مع الإنسان، بل هو مكتسب من تجاربه في الحياة وطريقة رد فعله تجاه التحديات والمشكلات في حياته. وسن الطفولة هام جدا لأنه يشكل نظرة الطفل لنفسه، فوجب التعامل مع الأطفال بكل الحب والتشجيع، وتكليفهم بمهمات يستطيعون إنجازها فتكسبهم تقديرا وثقة في أنفسهم، وكذلك المراهقين.

بماذا يستخدم احترام الذات؟

احدى ابسط الوظائف واسهلها ملاحظة في احترام الذات: تعني القدرة على الالتزام بفعالية في العمل.

ان فكرة (الثقة بالذات) التي بالامكان مماهاتها مع مكون جزئي من احترام الذات، تعني الشعور الذاتي لدى فرد معين في قدرته على النجاح في مايزمع القيام به. ان مختلف الدراسات تشير الى ان الذوات الذين يتمتعون بحد ادنى من احترام الذات يلتزمون بكثير من الحذر والتردد في العمل: فهم يتراجعون بسرعة في حالة التعرض للصعوبات. وينزعون غالبا الى الإرجاء، وهي نزعة تولد ميلا الى الترك لموعد لاحق ورغبة في عدم اتخاذ اي قرار. كما كتب جيل رينار في يومياته (ما ان اتخذ قراري اتردد لمدة طويلة). اما الذين يتمتعون بدرجة اعلى من احترام الذات فيتخذون قرار العمل بسرعة اكبر، ويقفون بصلابة اكبر تجاه العوائق.

ضعف تقدير الذات ينمو بسبب كثرة الهروب من مواجهة مشكلاتنا وجروحنا الداخلية، وتغطيتها وعدم الرغبة في إثارة الحديث عنها. والحل يكمن في مواجهتها ومعالجتها بسرعة، ولكن هذا يتطلب شجاعة في أن يعترف الإنسان بأخطائه وبعيوب نفسه، لذلك كانت المهمة الأولى في معالجة نقص تقدير الذات هي رفع مستوى الشجاعة عند الشخص ليواجه عيوبه ويعمل على حلها. ورفع مستوى الشجاعة يكون بالحديث الإيجابي للنفس بأنها غالية وعزيزة ولها قدر عالي عند صاحبها، كأن يقول:" أنا أقدر نفسي، أنا أحب نفسي وهي رائعة وتستحق كل الخير وأفضل الموجود دائما". وبالتالي فإن حبها وحب الخير لها يدعوان بالتأكيد إلى تخليصها من أي شوائب أو عيوب قد تنقص من قدرها أو تضعفها.

ان شرح هذه الفوارق انما يقوم على ادراك الاخفاقات: والذين يتمتعون بحد ادنى من احترام الذات يعمدون الى مواجهة الاخفاق باستخدام صفات داخلية (هذه غلطتي)، و(هذا يثبت اني صفر)، او باستخدام صفات ثابتة (ثمة عوائق اخرى). اما الذين يتمتعون بدرجة اعلى من احترام الذات فهم يعمدون غالبا الى صفات خارجية، (لم يكن لي حظ) او خاصة (اظل من المناسبين لذلك)، او غير ثابتة (بعد المطر يأتي الطقس الجميل والنجاحات القادمة).

الفئة الاولى تنزع الى التقليل من المبادرة تجنبا للإخفاق، وبذلك تستفيد بدرجة اقل من حسنات النجاح. اما الفئة الثانية التي تتمتع بدرجة اعلى من احترام الذات، فهي اقل تفكرا في مخاطر الفشل، وهي تكثر من العمل، مايعزز الثقة بالذات ويدفع الى تجديد المبادرات. لقد تمت دراسة هذه الظواهر على الاشخاص الخجولين الذي يظهرون درجة ادنى من احترام الذات: مايتحاشونه (البقاء في العزلة، عدم اخذ المبادرات)، وهذا مايبرر ويعزز الصورة الهزيلة التي يكونونها عن انفسهم (لست قادرا على افادة الاخرين). ان ادنى اخفاق سيعتبر كارثة شخصية واجتماعية كبرى يصار الى تذكرها واستخدامها كابحا لأية مبادرة جديدة.

الى جانب التمظهرات السلوكية لاحترام الذات نجد (ظواهر معرفية تتعلق بالتقييم الذاتي) كما اشار الى ذلك ج. رينار بمرارة في يومياته (من تجربة الى اخرى اصل الى القناعة باني لا اساوي شيئا).

يعمد كل فرد للقيام بتقييم ذاتي بشكل لاينقطع ولا واع غالبا، وترتبط هذه الظواهر بشكل دقيق باحترام الذات. وقد امكن البرهنة ان الذين لايتمتعون بدرجة عليا من احترام الذات يظهرون في وصفهم لأنفسهم الحذر والتردد مستخدمين الاختلافات الى حد مضطرب. والصعوبات هذه تصبح اقل قطعا اذا ماكانت تصف اقارب لهم نظرة خاصة لانفسهم. انهم يفضلون صفات حيادية تجاه ماهو ايجابي او سلبي. وبالمقابل فان الاشخاص الذين يتمتعون بدرجة اعلى من احترام الذات فهم يتكلمون عن انفسهم بعبارات اقل حدة واشد توكيدا، وهم يظهرون تبعية اقل تجاه محدثيهم، فباستطاعتهم التأكيد (انا اكره هذا الشيء) حتى وسط جماعة من المولعين بهذا الشيء.

ان احترام الذات يمكن تضمينه في مفهوم الذات. الا ان هذا التضمين شديد الغموض، فمع ان الذين يتمتعون بدرجة قصوى من احترام الذات يعتبرون انفسهم عامة اشد ذكاء او جاذبية ممن هم في درجات ادنى من احترام الذات، فان الدراسات تظهر عدم وجود اية مطابقة بين احترام الذات ومعدلات الذكاء.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي