نحو وعي إداري جديد
محمد محفوظ
2024-06-24 04:48
تنبع أهمية العناية بالعملية الإدارية، والعمل على تطويرها وتحديثها من الحاجات المستمرة إلى العنصر البشري المدرب والقادر على إنجاز أهداف العملية الاقتصادية والمجتمعية الوطنية. ومن المؤكد أن الروتين الإداري، أو ما يسمى البيروقراطية الإدارية، يعتبر عائقاً حقيقياً أمام تحقيق تلك الغابات والأهداف الوطنية. لذلك فإن تطوير العملية الإدارية وتنميتها، بمثابة العمل العلاجي للمعوقات الإدارية، التي تكبح النمو وتحقيق الانجازات.
والإدارة، مفهوماً وأدوات وطرائق وأنساقاً، هي الجسر الرابط بين تطلعات المجتمع وطموحاته، وحقائق الحياة والوجود الحضاري. بحيث أنه لا يمكن لأي مجتمع إنساني أن يحقق تطلعاته بدون النسق الإداري، والعملية الإدارية برمتها. فهي التي تترجم تلك التطلعات إلى خطط مرحلية واستراتيجيات متعددة، وتوزع الأدوار بما ينسجم وحجم كل قطاع أو شريحة في المجتمع.
وبهذا نقرر، أن الكثير من الأهداف النبيلة، والتطلعات البعيدة، والمشاريع الكبرى، تصبح وبالاً على المجتمع الإنساني، إذا كانت العملية الإدارية لا تنسجم وظروف العصر أو خصائص المجتمع. فلا يكفي أن يكون الهدف سليماً، أو التطلع نبيلاً، أو المشروع استراتيجياً، وإنما من الضروري أن يكون معه نسقاً إدارياً متطوراً.
فالإدارة وعي وتخطيط وبرامج وأطر، مسألة جوهرية في عملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ونظرة سريعة إلى المجتمعات المتقدمة في هذا الحقل، نجد أن أحد أبعاد وأركان التطور والتقدم الرئيسة، والتي أدخلت هذه المجتمعات في عصر جديد من التقنية الحديثة والتطور المذهل، هو البعد الإداري.
إذ أن الأنساق الإدارية المتطورة، والمنسجمة وروح العصر هي التي هيأت أسباب الاستفادة من كل الإمكانات والقدرات المتاحة، في سبيل تحقيق الهدف العام ومشروع النهوض الشامل.
وثمة دواع عديدة، تدفعنا إلى ضرورة مراجعة وعينا وأدائنا الإداري كخطوة أولى، من أجل إحداث نقلة نوعية في العملية الإدارية أهمها:
1) تركيز الجهود:
إن العملية الإدارية بمثابة الوعاء الذي يحتضن كل الكفاءات والقدرات، ويوجه جهودها صوب أهداف وغايات محددة. وبدون النسق الإداري المتطور والفعال، تبقى الجهود مبعثرة والأنشطة متباعدة أو متضاربة مع بعضها البعض. لذلك فإن النسق الإداري المتطور والحديث، مسألة مهمة وضرورية، في أي جهد إنساني عام أو خاص، لأنه يركز الجهود، ويوجه الأعمال والنشاطات في اتجاه محدد.
وتركيز الجهود، هو جزء أساسي من عملية التنظيم الأمثل لهذه الطاقات والجهود التي يوفرها النسق الإداري.
فتبقى الإدارة الحديثة، إطاراً حيوياً وضرورياً، لمسألة تنظيم الجهود، وتوجيه الطاقات وتركيز الفعل الإنساني. فلا يكفي أن يكون هدف المرء سليماً ونبيلاً، حتى يتنسى للمرء النجاح، وإنما لابد أن يكون هناك وسائل وأساليب متطورة لتحقيق ذلك الهدف. والإدارة كعلم وفن ما هي إلا وسيلة حضارية لتحقيق تلك الأهداف التي يحملها الإنسان.
2) صناعة الكفاءة البشرية:
إننا لا يمكننا أن نحقق نجاحاً يذكر في أي مشروع اقتصادي أو تنموي، بدون أن ننجز تنمية إدارية وتطويراً هيكلياً لنشاطاتنا وأعمالنا. وهذا التطوير الإداري يعتمد على تطوير الإنسان نفسه. لذلك فإن مربط الفرس في عملية التطوير الإداري هو بناء الإنسان، وتنمية كفاءاته ومواهبه. وأن نجاحنا في هذه العملية، هو الذي يؤهلنا لعمليات التطوير في حقول الحياة المختلفة، لأن الرأسمال الحقيقي لأي مشروع هو بناء الإنسان، لأنه صانع التنمية والحضارة والإدارة.
وعليه فإن أي تطوير إداري، يتجاهل الإنسان ودوره في العملية الإدارية، سيواجه الفشل وعدم الفاعلية، لأن الهياكل والقرارات لا تجدي نفعاً، إذا لم يتغير الإنسان كل في موقعه، العامل في معمله، والمزارع في حقله، والأستاذ في مدرسته، والموظف في وظيفته، والمدير في إدارته.
من هنا فإننا نؤكد على ضرورة العناية بالكفاءات الإدارية الوطنية، والعمل على الاستفادة منها، وتوظيف خبراتها وإمكاناتها، في سبيل تحقيق قفزة إدارية في حقل الأداء العام أو الخاص.
3) الإدارة والتنمية:
فالإدارة المتطورة والناجحة، هي التي تقود المؤسسات والشركات إلى تحقيق أهدافها، بأقل قدر ممكن من التكاليف والأعباء المالية. فشركة ( ننتندو) العاملة في مجال شبكات المعلومات، تستخدم (892) عاملاً لا غير، بينما تقفز مبيعاتها إلى (5.5) بلايين دولار (أي 6 ملايين دولار لكل عامل). وهي الشركة الثالثة في تحقيق الأرباح في اليابان. ولا شك أن تجاوز عقبات البيروقراطية، والتخلص من أعباء الروتين، وكتابنا وكتابكم، يحتاج إلى جهد مضاعف، ومثابرة مستديمة، يقوم بها المدير الواعي والمدرك لمصلحة وطنه ومواطنيه، حتى يتمكن من بلورة سياق إداري جديد، يهدف بالدرجة الأولى إلى إراحة المواطن، وتقديم العون الضروري له، لا إلى زرع اليأس والقنوط والضجر في نفس المواطن، عبر إثقال كاهله بالطلبات والتوقيعات وإدخاله في دوامة مراجعة المكاتب الكثيرة، والركض وراء ذلك الموظف، وهذا السكرتير من أجل إنهاء معاملة بسيطة.
إن تجاوز هذا العبء، بحاجة إلى تحمل الصعاب، وإدراك الفوائد الجمة، التي سيحصل عليها الجميع، من جراء إنهاء التكرار والروتين. ولنتذكر قول الشاعر:
ومن يتجنب في الحياة زحامها
فليس له في ساحة المجد موضع
فالإدارة هي همزة الوصل الأساسية بين المواطن ودولته، وهي بالتالي ذات أثر حاسم في نفس المواطن، لذلك ينبغي الاهتمام بالإدارة بأبعادها المختلفة، والعمل المتواصل من أجل تطويرها وتحديثها، حتى يتم انجاز قفزات نوعية وكمية في مستوى الأداء وكثافة المنجز.