أحلام الطفولة وآثارها على قراراتك المهنية

انسياد

2019-12-02 04:15

بقلم: إليزابيث فلورنت تريسي

استدعي الطفل في داخلك قبل اتخاذك لأي قرار يتعلق بفرصة عمل جديدة...

يطلق البعض عليه مصطلح النهوض بمسيرتهم المهنية، ويعتبره آخرون سعي وراء تحقيق هدف. يعتقد العديد من الأشخاص من مختلف الشرائح العمرية أنه يتوجب عليهم تغيير عملهم كل بضع سنوات للحصول على راتب أفضل، أو ترقية في العمل، أو مهارات جديدة، بحسب دراسة أجرتها شركة التوظيف العالمية روبرت هالف في 2018. وهي أبعد ما تكون ظاهرة يهيمن عليها جيل الألفية. يترك العديد من الأشخاص الأكبر سناً مهنتهم للانتقال إلى وظائف جديدة. ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك، لوسي كيللاوي، كاتبة عامود في فاينانشال تايمز التي تخلت عن ثلاثة عقود من العمل الصحفي لتصبح معلمة بعمر57 سنة.

بالإمكان تغيير مهنتك عدة مرات، إلا أن ذلك لن يساعدك على ترك انطباع جيد عند أصحاب العمل. ويبقى المفتاح هنا بجعل كل تغيير هادف من خلال تحليل دوافعك وفهم ما يجعلك حقاً مميزاً. لكن قد يكون تحليل شخصيتك أصعب مما تظن، ويؤيد ذلك ابراهام ماسلو، الذي صاغ التسلسل الهرمي للاحتياجات، حيث يقول: "ليس من الطبيعي أن نعرف ما نريد، فذلك إنجاز نفسي نادر وصعب".

وجد اثنين من خريجي برنامج انسياد للماجستير التنفيذي في التغيير (EMC) أن الإجابة قد تكمن في طفولتنا أكثر من أن تكون مجرد عملية اتخاذ قرارات عقلانية كما يراها الأكاديميون. قد يكون للاحتياجات والرغبات غير الواعية التي اكتسبناها في صغرنا، تأثير كبير على حياتنا المهنية كبالغين. وكتبوا The 7 Labours of HR Professionals، المجلد الثاني من بحوث نشرتها إنسياد بتمويل من زمالة الخريجين الهولنديين في القيادة والتنوع والحوكمة.

هل أنت تتولى حقاً القيادة؟

ما هي المهنة التي كنت تحلم بها عندما كنت طفلا؟ كيف كانت علاقتك بوالديك وما هي توقعاتهم منك؟ يساعدك الخوض في تخيلات الطفولة (لا يجب الخلط هنا مع الأوهام) وموضوع العلاقة المتضاربة الجوهري –وهو مفهوم يعمل على مستوى اللاوعي- على اكتشاف دوافعك المهنية بشكل أفضل من التفكير بآفاق الوظيفة والتعويضات بحسب خريجي إنسياد.

بحسب بول هارفي، مستشار في القيادة بإنسياد للتدريب التنفيذي، تعزى الفانتازيا لعملية غير واعية من التصورات أكثر من كونها تخيلات واعية. غالبًا ما يتخيل الأطفال بعض المهن " أريد أن أصبح رائد فضاء / رئيسًا / طبيبًا عندما أكبر"، مما يجسد شيئًا يتوقون إليه أو مفقود في حياتهم. المهنة الخيالية عبارة عن مفهوم ذو صلة يحتوي على رغبات أعمق أو أمنيات على مستوى اللاوعي، يضيف بول مستشهداً بكارل يونغ: " نحن نتخيل ما نفتقر إليه."

موضوع العلاقات المتضاربة الجوهري عبارة عن أنماط عامة للعلاقة بدأت بالتبلور في مرحلة مبكرة. وهي متجذرة في أعمق رغباتنا واحتياجاتنا وأهدافنا، وتعزز نفسها طوال حياتنا. من بين 15 من كبار المديرين التنفيذيين ممن تتراوح أعمارهم بين 35 و 51 عامًا قابلهم لويس جولو، وهو مستشار في القيادي وتنفيذي بالموارد البشرية، صرح 12 شخصاً منهم أن موضوع العلاقات المتضاربة كان السبب الرئيسي لاتخاذهم قرارات تتعلق بمسيرتهم المهنية.

قال أحدهم أن والديه نجيا من الحرب، لكنهما كانا يكدان لتأمين حياة أفضل لأطفالهم. بالنسبة له، تجلت العلاقات المتضاربة بالضغط الذي شعر به كي يثبت أنه يستحق تطلعات والديه وتحقيق أحلامهم. وأقر مدير تنفيذي آخر أنه علق بشروط المكافأة والفصل للفرص الجديدة المحتملة. بكى وهو يروي كيف كان والده يكافح من أجل البقاء بعد تسريحه من عمله الذي قضى فيه 25 عامًا. كانت العلاقات المتضاربة تتمثل بمحاولة تفادي مصير والده الذي وجد نفسه عالقاً فيه.

ارجع إلى ماضيك من أجل مستقبلك

في دراسة أخرى، طلب هارفي من 16 مهنيًا في متوسط العمر ومن قطاعات ومستويات وظيفية مختلفة، تسمية المهنة التي كانوا يفكرون بها في طفولتهم، والتأثير الذي قد تركته على خياراتهم المهنية الفعلية وشعورهم بالرضا الوظيفي. أخبرنا سوريش (وهو مجرد لقب) كيف أراد عندما كان طفلاً أن يصبح راقصًا تقليديًا. كان يحب الأداء أمام الجمهور والاستمتاع بالتعبير عن نفسه ليس من خلال الكلمات بل بالرقص والحركات التعبيرية. منصبه الحالي الذي يشغله كرئيس إقليمي لمخاطر الائتمان في Fortune 500 هو أكثر عمل يؤديه ويشعره بالرضا حتى الآن. من غير المفاجئ أنه بعد تفكير قال سوريش أن عمله يشبه كما لو كان راقصاً تقليدياً، فهو يمنحه الرضا من التقدير والاستحسان.

في حين لم يلاحق سوريش شغف الطفولة كمهنة لأسباب مادية، كان آندي يعيش كرجل أعمال عالمي. على غرار العديد من المشاركين الآخرين، استشهد آندي بوالديه كمصدر للإلهام أو الشعور بالإحباط – للحصول على مهنتهم الخيالية في مرحلة الطفولة. كان ينظر إلى والده وهو محامي ومدير أحد كبرى الشركات وكان يتطلع إلى موافقته. بالنسبة لآندي، أن تصبح رجل أعمال عالمي، يساعدك على خلق العديد من الفرص، وحل المشكلات، ويمكنك من العمل في بيئات متنوعة ومتعددة الثقافات وأن تمتلك زمام السيطرة. على عكس آندي: "أرى أن أكثر مهنتين تجلبا لي الرضا لها أكثر الصفات المهنية الوهمية".

يعني ذلك أنه عندما يتعلق الأمر بالخيارات الوظيفية، فإن التعمق في الرغبات والاحتياجات المتجذرة منذ الصغر، لا يقل أهمية عن تحديد مهاراتك وسماتك الشخصية واحتياجاتك الحالية المدركة. بحسب الخريجين، يكمن الجانب الإيجابي في تقاطع رغباتك ومهاراتك وقدراتك. عوضاً عن اللجوء إلى قيامك بتحليل الإيجابيات والسلبيات، اجعل التحليل الذاتي العميق هو خطوتك الأولى نحو اتخاذ قرار مهني هام.

* إليزابيث فلورنت تريسي، محاضر أول ومديرة أطروحة في برامج إنسياد للتنفيذيين
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا