زها حديد.. رحيل رائدة العمارة المستقبلية
مروة الاسدي
2016-04-01 10:55
عن 65 عاما توفيت المهندسة المعمارية الشهيرة زها حديد، التي كانت أول امرأة تنال جائزة تعد بمثابة "نوبل" الهندسة المعمارية، كانت حديد مصدرا للإلهام وإرثها يعيش في مبان رائعة.. حول العالم، وقد أوردت وكالات الأنباء يوم الخميس الماضي أن المهندسة المعمارية العراقية زها حديد توفيت إثر تعرضها لأزمة قلبية مفاجئة، وكانت حديد أول امرأة نالت الميدالية الذهبية الملكية للهندسة المعمارية في المملكة المتحدة، وصنفت في 2008 في المرتبة 69 للنساء الأكثر نفوذا في العالم.
من هي؟ العراقية التي ألهمت أجيال التصميم، زها حديد ولدت في بغداد، وعلمت منذ صغرها أن قدرها يحمل لها فرصاً عظيمة، يمكنك رؤية أعمال زها حديد من حول العالم من مانهاتن لميامي ومن المغرب وصولاً إلى موسكو، عرفت بأسلوب تصميمها الحاد والمعاصر والمتموج ومن أبرز المعالم التي صممتها كان مركز لندن للرياضات المائية والذي خصص للألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2012 ومتحف "ماكسي" في روما، وهذا المركز الثقافي في أذربيجان، ومركز سينسيناتي للفن المعاصر وهو التصميم الذي أطلق مسيرتها المهنية، وهو أول متحف في أمريكا صُمّم على يدي مصممة معمارية.
زها حديد: "لطالما أردت أن أصبح مهندسة، منذ كنت في السابعة أو الثامنة أو التاسعة لا أذكر بالضبط الآن.. أعتقد بأنني رأيت معرضاً في بغداد أثار اهتمامي"، كبرت حديد في العراق درست الرياضيات في بيروت وغادرت البلاد في السبعينيات إلى لندن لتحقق حلمها، تخرجت من الجمعية المعمارية في لندن وأسست شركتها الخاصة عام 1979 وانطلقت لتأخذ حدود الهندسة إلى أقصاها في كافة أنحاء العالم. بحسب السي ان ان.
ولم تكتفٍ حديد بالتصاميم المعمارية فحسب بل صممت أيضاً الأثاث وحتى الأحذية، وصفها منتقدوها بأنها "الليدي غاغا بعالم الهندسة"، وحازت على العديد من الجوائز لأعمالها، من أبرز إنجازاتها كانت جائزة "بريتزكر" التي تعتبر أرفع الجوائز بعالم الهندسة، لتصبح أول امرأة تحظى بهذا الشرف.
حديد كانت ترى نفسها خارجة عن محيطها بكونها امرأة غير بريطانية، لكنها كانت تقول إن هذه النقطة أتت بصالحها في بعض الأحيان، لتكسر المألوف في قطاع يحكمه الرجال، زها حديد: "لم أكن أحب أن أوصف بالمرأة المهندسة، أنا مهندسة، ولست امرأة مهندسة"، حازت زها على وسام التقدير من الإمبراطورية البريطانية ولقبتها مجلة "تايم" بأبرز الأشخاص المؤثرين، رحلت بعمر الخامسة والستين، لكن إرثها لا يزال حاضراً في ناطحات السحاب حول العالم.
رحيل أسطورة العمارة
رائدة العمارة المستقبلية كما يراها عشاقها، وملكة المنحنيات كما أشارت لها صحيفة الجارديان البريطانية بالأمس، وديكتاتورة العمارة كما يشير لها نقادها، والباحثة عن إثبات ذاتها فقط في مبانيها وإضفاء لمسة من الغرابة والفرادة دون الاكتراث بمحيطها الثقافي أو البيئي، أو ربما هي العبقرية والديكتاتورة المعمارية في نفس الوقت، والتي رسخت اسمها في عالم العمارة المقصور على الرجال بشكل كبير حتى الآن، لتصبح دون شك رائدة من رواد العمارة عالمياً، وأول سيدة ومسلمة تحصل على جائزة بريتزكر المرموقة عام 2004، ثم ميدالية ريبا الذهبية عام 2015، قبل أن ترحل عن عالمنا بالأمس إثر أزمة قلبية مفاجئة أصيبت بها وهي في مستشفى بميامي تتلقى العلاج جراء التهاب بالقصبة الهوائية.
هي زها حديد، المولودة في بغداد عام 1950، والحاصلة على بكالريوس الرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت قبل أن تتجه لمدرسة العمارة التابعة لجمعية العمارة المعروفة في بريطانيا، وهي المدرسة الأقدم في مجالها هناك، لتبدأ تاريخها بتصميم محطة الإطفاء الواقعة على الحدود الألمانية السويسرية، وتُنهيه بمشروعين فُتحِا مؤخرًا هما مركز حيدر علييف الثقافي بالعاصمة الأذرية باكو والمثير للجدل بتصميمه الغريب، ومعرض سِربنتاين ساكلر في هايد بارك بقلب العاصمة البريطانية لندن، والأخير لعله كان مهمًا بالنسبة لها بالنظر لموقعه نتيجة عدم إعجاب البعض في بريطانيا بمشاريعها، وقلة المشاريع التي صممتها هناك رُغم كونها بلدها الثاني.
"أعمالي خارجة عن نطاق المقبول، ربما لأنني امرأة، وعربية كذلك، فهناك دومًا تحيزات حيال هذه المسائل،" بهذه الكلمات تحدثت زها بكل صراحة في حوار سابق عن مجالها الذي يهيمن عليه الرجال والبيض، خاصة في لندن، وهي لم تحاول أبدًا إخفاء ثقافتها أو أنوثتها بوجه تلك التحيزات على غرار البعض، فعلى العكس من معماريات كثيرات في مجالها يُعرفن بمظهر "عادي" مثل الشعر القصير وارتداء السراويل والسترات الرسمية لعدم لفت الأنظار، عُرفت زها بإطلاق العنان لأنوثتها تمامًا، ولم تكن في مظهرها وملبسها وزينتها أقل لفتًا للأنظار من مبانيها، كما أطلقت العنان على ما يبدو لآرائها عن عجرفة الرجال في مجالها وعدم مرونتهم، "إنني أجد صعوبة كبيرة في شرح الأشياء للرجال.. هو أمر شبه مستحيل! الجيل الأقدم بالتحديد في مكتبي يتصرف وكأنه يعرف كل شيء!".
مصدر إلهام هي للكثيرين بأعمالها وبشخصيتها، فعلى عكس الكثير من كبار المعماريين العقلانيين والمعروفين بدبلوماسيتهم بل وبرودهم، عُرفَت زها بفقدانها لأعصابها بسهولة وحسها الفكاهي وصراحتها، وهي صراحة تضمنت استخدامها أحيانًا للألفاظ الخارجة بأريحية، علاوة على ثقتها التامة بنفسها، والتي أتاحت لها وهي لا تزال حديثة التخرج، أن تشترط على شركة OMA الهولندية الانضمام فقط في صورة شراكة، "نعم، بكل صراحة، لقد كنت خريجة للتو، وقد سألوني ما إذا كنت سأكون شريكًا مطيعًا إذن، لكنني قُلت لا! لن أكون شريكًا مطيعًا حتى، وكانت تلك نهاية الشراكة!".
عُرفت زها كذلك بشغفها المُطلق بالعمارة الذي شغلها عن الزواج والإنجاب طيلة حياتها، وربما بعضًا من السلطة المفرطة، والتي دفعتها مرة لإرسال أحد مساعديها من فيينا إلى مسكنها في لندن بإحدى أحذيتها حيث أرادت ارتدائها لحضور حفل، وإجبار طاقم طائرة تعطلت قبل إقلاعها إلى فرانكفورت على إخراجها من الطائرة مع حقائبها لاستقلال طائرة أخرى، غير عابئة بتوسلاته بأن الطائرة ستتأخر لدقائق قليلة لا أكثر، وأنها ستُجبر الطائرة كلها على العودة لموقف الطائرات بالمطار لإخراج حقيبتها!.
بوفاتها تترك زها إمبراطوريتها المعمارية، والتي تعج بحوالي أربعمائة موظف، وتُشرف على 950 مشروعًا في 44 بلدًا، بدءًا من الصين وروسيا وحتى تقديم الاستشارة من أجل مطار جديد سيتم بناؤه وفق خطط عُمدة لندن الحالي على ضفاف إحدى فروع نهر الثيمز، في تتويج لمسيرة حافلة تركت خلالها زها بصمتها في الكثير من مدن العالم المعروفة بمكتبة أو معرض أو متحف أو غير ذلك، وبقائمة طويلة من الجوائز تضم معظم الجوائز المهمة الممنوحة في مجال العمارة، وأخيرًا، وكأنها قد استشعرت رحيلها عن العالم، تدشين أرشيف خاص بأعمالها داخل متحف "ديزاين" الذي اشترته عام 2015 مقابل عشرة ملايين جنيه استرليني، والذي سيصبح أيضًا ساحة لمناقشة الإبداع في عالم الفن والعمارة والتصميم.
عراقية أذهلت عقول الهندسة حول العالم
في هذا السياق قالت شركة المعمارية العراقية زها حديد إن المهندسة التي حظيت تصميماتها الجذابة المعبرة عن المستقبل بشهرة واسعة توفيت إثر إصابتها بأزمة قلبية عن 65 عاما، وقالت شركة زها حديد المعمارية في بيان إن زها حديد التي صممت متحف ماكسي في روما ومركز الألعاب المائية الذي استضاف الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012 ومركز حيدر علييف في أذربيجان توفيت فجأة في ميامي، وأضاف البيان "أصيبت بالتهاب شعبي قبل أيام وعانت من أزمة قلبية مفاجئة خلال علاجها بالمستشفى". بحسب رويترز.
كانت زها حديد قالت لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الشهر الماضي "المهندسون المعماريون يتسمون بالجنون. نسهر طوال الليل ونعتاد على السهر خمس ليال دون نوم. تتعرض للإنهاك الشديد لذلك ينتابك بعض الانفعال"، وظلت كثير من أعمالها المعقدة هندسيا التي صممتها في الثمانينات والتسعينات مبهمة المعنى لكنها رفضت الكشف عن أفكارها، واختير تصميم شركتها للملعب الأولمبي الذي ستبنيه اليابان للألعاب الأولمبية الصيفية في 2020 لكن ألغي بسبب تكلفته الباهظة.
وقالت زها حديد في تعليقها على مصنع صممته لشركة بي.إم.دبليو في ألمانيا "مهم جدا في الفكرة الأساسية الابتعاد عن التبسيط، إذا صممت مبان عامة... من المهم جدا إضفاء تلك اللمسات السحرية التي نجدها في المباني أو المناظر الطبيعية أو عندما ننظر لشيء مدهش"، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "نتقدم بالتعازي الحارة لوفاة المعمارية زها حديد التي خدمت العالم من خلال إبداعها وبفقدانها فإن العالم كله خسر أحد الطاقات الكبيرة التي خدمت المجتمع".
انجازات زها حديد بسطور
إليكم أبرز أحداث في حياة المهندسة التي وصفت بكونها أفضل مهندسة في العالم اليوم:
- ولدت زها حديد في العاصمة العراقية، بغداد، عام 1950.
- درست علم الرياضيات في الجامعة الأمريكية ببيروت قبل أن تبدأ مشوارها في عالم الهندسة عام 1972 لدى هيئة المهندسين بالعاصمة البريطانية، لندن.
- بحلول عام 1979 أسست حديد لعملها في لندن باسم "Zaha Hadid Architects" ليبدأ صيتها بالانتشار حول العالم بمشروعات خرجت عن المألوف مثل مشروع "Peak" في هونغ كونغ عام 1983، ومشروع دار "Cardiff Bay" للأوبرا في ويلز ببريطانيا عام 1994.
- من المشاريع التي أوصلت حديد بجدارة إلى الساحة العالمية كان مبنى محطة "Vitra" للإطفاء بألمانيا عام 1993، بالإضافة إلى مبنى متحف الفن الإيطالي في القرن الحادي والعشرين في روما عام 2009، ومركز لندن للرياضات البحرية والذي خصص للألعاب الأولمبية التي أقيمت عام 2012، ومركز حيدر علييف الثقافي في باكو عام 2013.
- تلقت العديد من الميداليات والألقاب الشرفية، من بينها ميدالية "Commandeur de l’ordre des Arts et des Lettres" من فرنسا، والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012، حصلت على لقب قائدة من طبقة الامبراطورية البريطانية.
- أصبحت زها عضواً شرفياً في الأكاديمية الأمريكية للفنون وزميلة في مركز الهندسة الأمريكي.
- في عام 2014 كانت زها حديد أول امرأة تتلقى جائزة "Pritzker" للهندسة.
كما لعبت زها دوراً أكاديمياً متميزاً في مجالها، إذ احتلت منصباً تدريسياً في مدرسة التصميم التابعة لجامعة هارفارد، وفي كلية الهندسة في جامعة إلينوي، بالإضافة إلى تدريسها بجامعة كولومبيا وييل وجامعة الفنون التطبيقية في فيينا.
- حازت حديد عام 2016 على الميدالية الذهبية الملكية ضمن جائزة "RIBA" للفنون الهندسية، لتصبح أول امرأة تحظى بها.