الشمس لا تغيب أبداً خلف الرداء الرمادي

د. سؤدد يوسف الحميري

2025-12-23 04:08

قد يبدو المنظر من أول وهلة كئيباً؛ سماءٌ مُلبدة بالغيوم الرمادية الكثيفة الممتدةٌ كستارةٍ ثقيلة تحجب عنا ضوء الشمس ودفء الحياة. في هذه اللحظة، قد يظنُّ البعض أن نور الشمس قد استسلم، وأن الظلام قد ربح المعركة. 

لكن الحقيقة الثابتة التي يدركها المستبصرون المتأملون تتجاوز نظرة حدود البصر؛ فخلف هذا الرداء الرمادي السميك، تقف الشمس شامخة في مكانها، بنورها وتوهجها وتألقها المعتاد وقوتها التي لا تتضاءل. فالشمس لا تغيب لمجرد انك لا تريد ان تراها، أو ان تضع يدك على نورها لتحجبه، أو تغمض عينيك لتغيب وجودها في حياتك، او تحتال على المصور ليحذفها من مشهد الإشراق، فهي تنتظر خلف الحجب لحظة الانبثاق، لتخبرنا أن الموانع والحواجز والعوائق - مهما تعاظمت- ما هي إلا سحباً رمادية عابرة، وأن نورها في جوهره أصيلٌ، ثابت، ولا يقبل الهزيمة. 

لأن الهزيمة ليست خيارا في قاموسها وترفض الاعتراف به. وهي ترفض الاستسلام والخسارة، وتسعى دائما إلى الانتصار والبقاء حتى لو كانت الظروف صعبة لكنها ليست مستحيلة. وفي حياة كل منا لحظة او لنقل لحظاتٌ "رمادية" تشبه تلك السماء الملبدة بالغيوم الرمادية؛ قد يكون خذلان، أو خيبة أمل، أو فقداً، أو خداعاً، أو عثرةً مفاجئة تظلم بها الرؤية أمام أعيننا. 

فما هذه الأزمات إلا لحظات فاصلة تتسم بالاضطراب وتفرض ضغوطا على الإفراد لاتخاذ قرارا سريعا لتجاوزها، هذه الأزمات ليست إلا غيوماً نفسية تحاول إقناعنا بأن لحظات السعادة والبهجة قد انتهت، وأن النجاح بات مستحيلاً. 

وصعوبة تحقيق الأهداف بسبب التحديات، وهي تعكس لحظة ضعف وليست نهاية الطريق. لكن الحكمة تقتضي أن نعي أن "جوهر ذاتنا الحقيقية" وقدراتنا الكامنة هي الشمس التي لا تطالها السحب. إن السحب الرمادية لا تغيب نور الشمس، بل تحجبه مؤقتاً لتختبر مدى إيماننا بوجود النور خلف هذه السحابة ذات الرداء الرمادي. 

فمن يوقن أن الشمس خلف الرداء الرمادي لا تغيب ابدا، هو وحده من يملك الصبر والتحضير لزوال الشدائد والمصائب وتحقيق الفرج والعدل، وهو من لا يسمح لظلام الظروف أن يطفئ شعلة الأمل في داخله. وبعد روية وصبر، تبدأ المعجزة البصرية في الظهور والارتفاع نحو الأعالي؛ حيث يضيق الرداء الرمادي عن احتواء النور المضيء. 

وهو ضوء يبدأ في حفر مسارات أشعته عبر الثغرات، فتبدو الغيوم ذات الرداء الرمادي تضعف وتتفتت من داخلها، لتتحول جوانبها الكئيبة إلى أشعة شمس ذهبية. بلمسة سماوية، يتمزق السكون، وتنسلُّ الأشعة كأنها رماحٌ محارب من نور تطعن قلب الظلام. 

في هذه اللحظة، يتغير لون الوجود؛ فتشرق الشمس لا لتشع بنورها وتنير الحياة فحسب، بل لتعلن انتصار النور على العتمة، ولتثبت أن كل سحابة وان كانت رمادية -مهما بلغت كثافتها- تحمل في داخلها إذن الخروج إلى الضوء. 

وفي الختام اقول: علينا أن لا نخاف من الغيوم التي تغطي سماءنا - أي كان لونها أو كثافتها- سواء كانت في أفق السماء أو في أعماق حياتنا. وان نتذكّر دائماً أن وجود الغيوم هو دليل على وجود الشمس؛ فلولا نورها لما رأينا للغيوم ظلاً. 

وإن الحياة لا تقاس باللحظات التي غابت فيها الرؤية، بل باليقين الذي يسكن ارواحنا بأن النور سيعود ليعانق وجوهنا من جديد. فاجعل قلبك مصدر ذلك النور، والنافذة التي يخرج منها النور، مدركا يقينا أن الرداء الرمادي مهما طال وجوده، فإنه إلى زوال، وأن الشمس في سموها وعظمتها، باقيةٌ مؤثرة، ساطعةٌ لامعة، ومنتصرةٌ دوماً.

ذات صلة

الإمام الشيرازي.. القوة الناعمة ومشروع تغيير الأمةفي ذكرى مولده: الإمام الباقر رائد العملة النقدية الإسلامية‏سلاح الفصائل.. من جديدنحو تسوية جديدة في العراق؟تفكيك المركزية الغربية.. قراءة في مشروع الاستغراب