هل ستدفع (بي بي سي) الى ترامب مليار دولار بسبب التضليل؟

شبكة النبأ

2025-11-13 02:27

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ من “الواجب” عليه مقاضاة “بي بي سي” بتهمة “تضليل الجمهور”، وذلك غداة تهديده بالمطالبة بتعويضات قدرها مليار دولار من هيئة البث البريطانية.

وقال الرئيس الأميركي في تصريحات لقناة فوكس نيوز “أعتقد أنّ من واجبي فعل هذا لأنه لا يُمكن السماح للناس بارتكاب مثل هذه الأفعال”.

وأشار إلى أن هيئة الإذاعة البريطانية “غيّرت خطابي الذي ألقيته في السادس من كانون الثاني/يناير 2021، والذي كان خطابا جميلا ويدفع للتهدئة بدرجة كبيرة، وجعلته يبدو متطرفا. لقد غيّروه بالفعل. ما فعلوه أمر لا يُصدق”.

وأضاف أن هيئة الإذاعة البريطانية “شوّهت” الخطاب بطريقة “خبيثة للغاية”.

أثارت هيئة الإذاعة البريطانية، وهي مؤسسة عامة لطالما أثارت إعجابا كبيرا لدى الجمهور البريطاني لكنها واجهت أزمات عدة في السنوات الأخيرة، جدلا واسعا بسبب توليف وُصف بالمضلل لتصريحات أدلى بها دونالد ترامب، وذلك ضمن وثائقي عُرض في برنامجها الإخباري الشهير “بانوراما” في تشرين الأول/أكتوبر 2024، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

تتعلق الاتهامات بمقاطع تم تجميعها من أجزاء من خطاب الرئيس الأميركي في 6 كانون الثاني/يناير 2021، أوحت بأنه قال لمؤيديه إنه سيسير معهم إلى مبنى الكابيتول و”يقاتل بشراسة” رغم خسارته الانتخابات أمام الديموقراطي جو بايدن.

لكن في المقطع الأصلي غير المعدل يدعو الرئيس الحضور للسير معه “وسنهتف دعما لشجعاننا من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب”. وقد وردت عبارة “القتال بشراسة” في موضع آخر من الخطاب.

وأظهر استطلاع أجراه معهد “يوغوف” شمل أكثر من خمسة آلاف بالغ أن 57% من البريطانيين يعتبرون أن بي بي سي يجب أن تعتذر للرئيس الأميركي.

وحدهم 25% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يعارضون مثل هذا الاعتذار.

وفي رسالة إلى الهيئة البريطانية، أعطى محامو دونالد ترامب مهلة تنتهي عند الساعة العاشرة من ليل الجمعة بتوقيت غرينيتش لتقديم بي بي سي اعتذارا وسحب الوثائقي الذي يتضمن التوليف المضلل، تحت طائلة المطالبة بغرامة قدرها مليار دولار.

أدى هذا الجدل إلى استقالة المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية تيم ديفي ورئيسة قناة الأخبار التابعة للمجموعة (بي بي سي نيوز) ديبورا تورنيس.

وأقرّ ديفي أمام موظفيه بـ”خرق القواعد التحريرية” للمجموعة البريطانية، داعيا في الوقت عينه إلى “القتال” للدفاع عن العمل الصحافي في بي بي سي.

وقد دأب الرئيس الأميركي على مهاجمة الصحافيين، وكثّف تهديداته وإجراءاته القانونية ضد وسائل الإعلام الأميركية التي وافق بعضها على دفع ملايين الدولارات له لسحب دعاواه القضائية.

وسبق أن اتُّهم ترامب بالتقدّم بدعاوى قضائية للجم وسائل الإعلام الأميركية.

لكن الجدل الأخير أحيا النقاش حول هيئة الإذاعة البريطانية التي تحظى بتقدير كبير لدى كثر وتواجه منذ فترة طويلة اتهامات بالتحيّز.

وأكد متحدث باسم الفريق القانوني لترامب توجيه رسالة إلى بي بي سي، لكنّه لم يقدم تفاصيل إضافية.

وقال المتحدث في بيان لفرانس برس “لقد شهّرت بي بي سي بالرئيس ترامب من خلال توليفها المتعمّد والمخادع للوثائقي، في محاولة للتدخل في الانتخابات الرئاسية”.

وأضاف “سيواصل الرئيس ترامب محاسبة أولئك الذين ينشرون الأكاذيب والخداع والأخبار المضلّلة”.

وقالت بي بي سي في وقت سابق الإثنين إنها “ستنظر” في رسالة من ترامب، كما تقدّمت باعتذار علني.

وقال ناطق باسم الهيئة إن بي بي سي “ستدرس الرسالة وترد عليها مباشرة في الوقت المناسب”.

ضرورة تصحيح الأخطاء

استقال المدير العام للهيئة تيم ديفي ورئيسة قسم الأخبار (“بي بي سي نيوز” BBC News) ديبورا تورنيس على خلفية الجدل حول التوليف المضلل لخطاب ترامب.

وغداة الاستقالتين، كتب رئيس مجلس إدارة “بي بي سي” سمير شاه في رسالة إلى رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان نُشرت على الإنترنت “ندرك أن طريقة توليف الخطاب أعطت انطباعا بتوجيه دعوة مباشرة إلى العنف. تتقدم هيئة الإذاعة البريطانية بالاعتذار عن سوء التقدير هذا”.

وأشاد ترامب بالاستقالتين متهما صحافيي هيئة الإذاعة بـ”الفساد” و”عدم الأمانة”.

لكن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أعرب عن دعمه لـ”بي بي سي قوية ومستقلة”.

وقال متحدث باسم ستارمر لصحافيين “في عصر يسوده التضليل، تزداد الحاجة إلى خدمة إخبارية بريطانية متينة ومحايدة أكثر من أي وقت مضى”، مشددا على أهمية تصحيح الأخطاء “بسرعة” للحفاظ على الثقة.

وُقد وُجهت إلى “بي بي سي” التي تمولها الدولة اتهامات بالتحيز في التغطية من جانب جهات تتبع أيديولوجيات مختلفة في السنوات الأخيرة، بما يشمل تغطيتها للحرب في غزة.

تأتي التطوّرات الأخيرة في وقت تستعد حكومة المملكة المتحدة لبدء مراجعة الميثاق الملكي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الذي يحدد حوكمة المؤسسة ورسالتها العامة.

ينتهي الميثاق الحالي في عام 2027، وسيحتاج إلى تجديد. وقد أعرب ديفي عن أمله في أن يُسهم خلفه في رئاسة “بي بي سي” في “صياغة إيجابية” للمرحلة المقبلة التي ستحتاج إلى تأمين تمويل كبير لضمان مستقبل الهيئة على المدى الطويل.

الهيئة التي ألغت مئات الوظائف بسبب صعوبات مالية، تموَّل من خلال رسوم ترخيص يدفعها أي شخص يشاهد البث الحي للتلفزيون في بريطانيا.

 وقد رحب البعض باستقالة ديفي وتورنيس، فيما أعرب البعض الآخر عن خشية من تأثير منتقدين يمينيين، لا سيّما في الولايات المتحدة.

لكن زعيم حزب الديموقراطيين الليبراليين إد ديفي حثّ ستارمر على مطالبة ترامب بـ”التوقف عن التدخل” في “بي بي سي”. 

وقالت كارن فاولر-وات، الصحافية السابقة في بي بي سي ورئيسة قسم الصحافة في جامعة سيتي سانت جورج في لندن، في تصريح لفرانس برس إن المؤسسة “في وضع مأزوم”.

وأشارت إلى أنه “من الصعب جدا عدم اعتبار ذلك هجوما من اليمين، نظرا إلى المنظومة الإعلامية التي نعيش فيها جميعا حاليا”.

جدل بين منتقد ومتعاطف

في لندن، تفاوتت ردود فعل البريطانيين بين منتقد ومتعاطف.

وقال جيمي، وهو عامل بناء اشترط عدم كشف كامل هويته في تصريح لفرانس برس، إن سمعة بي بي سي “تضرّرت” وإنها “أظهرت أنها غير محايدة”.

لكن الكاتبة جينيفر كافانا البالغة 78 عاما قالت إن الهيئة “لطالما تعرّضت لهجمات من اليمين ومن اليسار”.

أجّج السجال الدائر حاليا تقرير نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” الأسبوع الماضي بشأن مذكرة داخلية كتبها مايكل بريسكوت، المستشار الخارجي السابق للجنة معايير التحرير في هيئة الإذاعة البريطانية، أعربت عن مخاوف كثيرة حيال حياد الهيئة البريطانية.

وكانت شبكة “بي بي سي” قد أصدرت في وقت سابق هذا العام اعتذارات عدة عن “عيوب خطيرة” في إنتاج فيلم وثائقي آخر بعنوان “غزة: كيف تنجو في منطقة حرب”، تم بثه في شباط/فبراير.

وفي تشرين الأول/أكتوبر تلقت الشبكة عقوبة من هيئة مراقبة وسائل الإعلام البريطانية بسبب البرنامج “المضلل بشكل كبير”، والذي تبين لاحقا أن الراوي الطفل فيه هو ابن نائب وزير الزراعة السابق في حكومة حماس.

معركة للدفاع عن صحافتها

من جهته دعا المدير العام المستقيل لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” تيم ديفي المجموعة الإعلامية إلى “خوض معركة” للدفاع عن صحافتها، بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمقاضاتها بتهمة التشهير بسبب توليف مضلّل لخطاب ألقاه.

وقال ديفي في أول موقف له أمام موظفي “بي بي سي” منذ إعلانه استقالته بسبب هذا الجدل “يجب أن نخوض معركة للدفاع عن صحافتنا. نحن مؤسسة مميزة وقيّمة، وأرى أن حرية الصحافة تتعرض لضغوط شديدة”.

ليست “بي بي سي” المتضررة الوحيدة من هذه المسألة، بل يُشكّل الجدل أيضا إحراجا لحكومة حزب العمال برئاسة كير ستارمر التي تفتخر بنسجها علاقات طيبة مع إدارة ترامب.

ودافع رئيس الوزراء البريطاني الاثنين عن “بي بي سي”، مشددا على “الحاجة إلى خدمة إخبارية بريطانية متينة ومحايدة (…) في عصر يسوده التضليل”، لكنه دعا إلى الحفاظ على “الجودة” وتصحيح الأخطاء “بسرعة” للحفاظ على الثقة.

إلا أن الناطق باسمه رفض الثلاثاء التعليق على احتمال مقاضاة الهيئة. وإذ ذكّر بأن “معالجة المسائل التحريرية تعود إلى +بي بي سي+”، قال “لدينا علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة بشأن أولوياتنا المشتركة”.

وأشادت وزيرة الثقافة ليزا ناندي بشدة بهيئة الإذاعة البريطانية أمام أعضاء البرلمان بعد ظهر الثلاثاء، لكنها تجنبت الإشارة إلى التهديدات التي وجهها الرئيس الأميركي.

ورغم إقرارها بوجود “مشاكل خطيرة” في طريقة عمل الهيئة، دعت إلى تجنب “الهجمات المستمرة” ضد مؤسسة “في قلب حياتنا الديموقراطية والثقافية منذ أكثر من قرن”.

كذلك، أحيت هذه القضية النقاش في شأن تمويل “بي بي سي” المتأتي بمعظمه من الدعم الحكومي، ويتعين عليها إعادة التفاوض بشأن عقد مهمتها الممتد لعشر سنوات مع الحكومة بحلول نهاية عام 2027.

كما أظهرت القضية وجود خلافات متزايدة داخل مجلس إدارة الهيئة الذي تُعيّن الحكومة قسما من أعضائه.

ويرى بعض أعضاء المجلس المحسوبين على اليمين المحافظ أن البرامج الإخبارية تنطوي على تحيّز في مواضيع كالحرب في غزة، وحقوق العابرين جنسيا، ودونالد ترامب.

ولاحظ الإعلاميّ البارز في إذاعة “بي بي سي 4” نيك روبنسون عبر منصة إكس أن “غالبية أعضاء مجلس إدارة الهيئة يعتقدون (…) أن ثمة مشكلة تحيز مؤسسي تنعكس في التغطية الإعلامية” لعدد من المواضيع. إلاّ أن كثرا من المسؤولين في “بي بي سي” رفضوا هذه الاتهامات.

واستنتج الرئيس السابق للهيئة ريتشارد تايت أنها تتعرض “لهجوم لا هوادة فيه” من المحافظين وحزب الإصلاح (ريفورم يو كاي) اليميني المتطرف، مما “ساهم في تقويض ثقة الجمهور”.

وأكد النائب المولج الثقافة في حزب المحافظين نايجل هدليستون على إذاعة “تايمز راديو” أن تغطية “بي بي سي” الإخبارية تعاني من “مشاكل حقيقية، أبرزها أنها لا تلتزم واجبها بالبقاء على الحياد”. 

ودعا هدليستون رئيس الوزراء كير ستارمر للتحدث إلى الرئيس الأميركي في شأن هذه المسألة، سعيا إلى تجنب رفع دعوى.

لكنّ خبراء توقعوا ألاّ تكون مقاضاة “بي بي سي” مسألة سهلة رغم كثرة تهديدات ترامب لوسائل الإعلام الأميركية وملاحقاته القضائية لها. 

وقال المحامي المتخصص في حقوق وسائل الإعلام ماثيو جيل لوكالة فرانس برس إن برنامج “بانوراما” الوثائقي يحظى عل الأرجح “بجمهور محدود جدا” في الولايات المتحدة، مما يصعّب إثبات لحاق ضرر بترامب.

غير أن القانون الأميركي يتيح مطالبات بتعويضات أكبر بكثير.

وعندما سُئل رئيس مجلس إدارة “بي بي سي” سمير شاه هل تهديد ترامب فعلي، أجاب “لا أعرف ذلك بعد، لكنه رجلٌ يحب النزاعات، لذا يجب أن نكون مستعدين لكل العواقب”.

كيف بدأت الفضيحة؟

في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة تلغراف البريطانية، ذات التوجه التحريري اليميني، والتي لطالما كانت معادية لهيئة الإذاعة البريطانية، مذكرة مسربة إلى مجلس إدارة الهيئة من مايكل بريسكوت، المستشار الخارجي السابق للجنة معايير التحرير في الهيئة.

وفي مذكرته، التي أعدت هذا الصيف، عرض بريسكوت قائمة طويلة من أوجه القصور المزعومة في الإنتاج الإخباري، بدءًا من التحيز المزعوم ضد إسرائيل في خدمتها باللغة العربية، ووصولًا إلى التوجه التقدمي المفرط في تغطيتها للأشخاص المتحولين جنسيًا وحقوقهم، كما انتقد التعديل "المضلِل تماما" لخطاب ترامب في الفيلم، الذي عُرض كجزء من سلسلة "بانوراما" الوثائقية الطويلة لهيئة الإذاعة البريطانية. 

وكتب: "إذا سُمح لصحفيي هيئة الإذاعة البريطانية بتعديل مقاطع الفيديو لجعل الناس (يقولون) أشياءً لم يقولوها في الواقع، فما قيمة إرشادات الهيئة؟ ولماذا يجب أن تُمنح هيئة الإذاعة البريطانية الثقة؟ وأين سينتهي كل هذا؟".

وانتقد صحفيون سابقون في هيئة الإذاعة البريطانية هيئة الإذاعة لفشلها في معالجة المخاوف المتعلقة بالفيلم الوثائقي، والتي قال شاه إن بريسكوت وآخرين أثاروها في اجتماع لجنة معايير التحرير في يناير/ كانون الثاني.

وكتب مارك أوربان، المحرر الدبلوماسي لبرنامج "نيوزنايت" على قناة BBC الثانية حتى العام الماضي، على موقعه "سابستاك": "لقد علموا بالمشكلة قبل 10 أشهر من نشر الصحف لتقرير بريسكوت، إنه خطأ فادح، لماذا لم يُدركوه مبكرًا؟"

وحتى عندما نُشر تقرير صحيفة تلغراف، كانت هيئة الإذاعة البريطانية بطيئة في التحرك. أفادت كاتي رازال، محررة الإعلام في هيئة الإذاعة، أن بيانًا بشأن الفيلم الوثائقي كان "جاهزًا للنشر منذ أيام". وبدلاً من ذلك، قرر مجلس إدارة BBC الاعتذار في رسالة شاه إلى اللجنة البرلمانية. 

ويبدو أن هذا التردد كان له أثرٌ سلبي، فبعد ساعات قليلة من نشر رسالة شاه، نقلت هيئة الإذاعة تهديد ترامب بمقاضاتها.

وقالت تيرنيس، المشرفة على قسم الأخبار، إن الجدل الدائر حول الفيلم "وصل إلى مرحلة يُلحق فيها الضرر بهيئة الإذاعة البريطانية"، وقالت، في بيان استقالتها: "المسؤولية تقع على عاتقي".

ورغم اعترافها بالأخطاء، ردّت تيرنيس على مزاعم التحيز المتعمد، وقالت: "أريد أن أوضح تمامًا أن الادعاءات الأخيرة بأن هيئة الإذاعة البريطانية متحيزة مؤسسيًا خاطئة".

ما هي هيئة الإذاعة البريطانية؟.. من يملكها؟

تُموّل هيئة الإذاعة البريطانية من القطاع العام، ولكنها ليست مملوكة للدولة.

ويضمن "الميثاق الملكي"، الذي أسس هيئة الإذاعة البريطانية كمؤسسة عامة عام 1927، حريتها التحريرية واستقلالها عن الحكومة.

وتُموَّل من "رسوم ترخيص" - وهي رسوم سنوية قدرها 174.50 جنيهًا إسترلينيًا (299 دولارًا أمريكيًا) تُفرض على أي أسرة تشاهد البث التلفزيوني المباشر، أو تُسجِّل البرامج، أو تستخدم خدمة البث المباشر BBC iPlayer. ويُعَدُّ عدم دفع هذه الرسوم جريمة جنائية.

ومنذ تأسيسها، كانت مهمتها "العمل من أجل المصلحة العامة وتقديم مخرجات محايدة وعالية الجودة ومتميزة لإعلام وتثقيف وترفيه" جمهورها.

والأهم من ذلك، تعمل BBC كنوع من الرابطة الوطنية، حيث تقف إلى جانب مؤسسات مثل النظام الملكي، التي يُفترض أن تسمو فوق السياسة وأن تُشكِّل مرجعًا مشتركًا للبلاد بأكملها.

هل BBC محايدة؟

اسميًا، نعم. 

من المفترض أن تُحرِّر رسوم ترخيصها من القيود التجارية التي تواجهها المنافذ الأخرى، والتي تدفع الكثيرين إلى تكييف مخرجاتهم بما يتناسب مع التوجهات السياسية لجمهورهم.

لكن الحفاظ على موقف الحياد أصبح صعب المنال.

 في السنوات الأخيرة، واجهت هيئة الإذاعة البريطانية مزاعم بالتحيز من اليسار واليمين على حد سواء، كما أن المشهد السياسي المستقطب والنظام الإعلامي المجزأ صعّبا تحقيق طموحها المتزايد التعقيد بأن تكون الصوت الوحيد غير الحزبي عبر أجهزة التلفزيون والإذاعة الوطنية.

ولطالما تعرضت هيئة الإذاعة البريطانية لانتقادات من منافسيها من وسائل الإعلام التجارية، الذين يحسدونها على وضعها المحمي والممول من القطاع العام؛ ومن السياسيين، ومعظمهم من اليمين، الذين يعارضون رسوم الترخيص الإلزامية ويعتقدون أن على هيئة الإذاعة البريطانية التنافس على جمهورها في السوق الحرة تمامًا مثل منافسيها.

وقال نايجل فاراج، زعيم حزب "إصلاح المملكة المتحدة" الناشئ المناهض للهجرة: "لقد كانت هيئة الإذاعة البريطانية متحيزة مؤسسيًا لعقود"، داعيًا إلى "هيئة إذاعة بريطانية مُصغّرة للغاية".

وأضاف فاراج أنه تحدث إلى ترامب بشأن تقرير "بانوراما" الأسبوع الماضي، و"قال لي للتو: هل هذه هي الطريقة التي تعامل بها أفضل حلفائك؟".

هل تستطيع هيئة الإذاعة البريطانية دفع مليار دولار كتعويضات؟

على الأرجح لا. 

وجمعت هيئة الإذاعة البريطانية إيرادات بلغت 5.9 مليار جنيه إسترليني (7.8 مليار دولار) في السنة المالية الماضية، معظمها من مدفوعات رسوم الترخيص (3.8 مليار جنيه إسترليني)، والباقي من الأنشطة التجارية.

واختتمت العام باحتياطيات نقدية بلغت 477 مليون جنيه إسترليني (627 مليون دولار) - أي أكثر بقليل من نصف المبلغ الذي هدد ترامب بمقاضاتها.

أي دفعة لترامب - حتى لو كانت أقل بكثير من طلبه الباهظ - من شأنها أن تزيد من الضغوط المالية التي تواجهها هيئة الإذاعة البريطانية. 

ومع انتهاء الميثاق الملكي في عام 2027، ربما كانت إدارتها متفائلة بأن حكومة حزب العمال المؤيدة لهيئة الإذاعة البريطانية برئاسة كير ستارمر ستجددها بسعادة لعقد آخر. 

وقد تجعل الأزمة الأخيرة الحكومة حذرة من مطالبة الجمهور البريطاني بالاستمرار في دفع ثمن خدمة أصبح الكثيرون مستائين منها في عصر بدائل البث الأرخص.

لماذا تُرفع القضية في فلوريدا؟

في المملكة المتحدة، والعديد من الولايات الأمريكية، يجب رفع دعوى تشهير في غضون 12 شهرًا من التشهير المزعوم، وفي فلوريدا، أمام الضحية 24 شهرًا لتقديم شكوى.

ومع ذلك، فإن رفع القضية في فلوريدا سيُعقّد حجج ترامب، وفقًا لمارك ستيفنز، محامي إعلام بريطاني في شركة هوارد كينيدي بلندن الذي قال لشبكة CNN: "السؤال الرئيسي هو: هل يضرّ ذلك بسمعتك؟ سيتعين عليه إثبات أن شخصًا ما في فلوريدا شاهد برنامج "بانوراما" هذا وساءت ظنونه به... هل قلّل ذلك من شأنه في نظر أصحاب الرأي الصائب؟"

وقد هدّد ترامب وسائل الإعلام من قبل مرارًا وتكرارًا. في العام الماضي، وافقت شبكة ABC على دفع 15 مليون دولار كتسوية مع ترامب في دعوى التشهير التي رفعها ضد الشبكة والمذيع جورج ستيفانوبولوس.

وفي يوليو/ تموز، وافقت شركة باراماونت - الشركة الأم لشبكة CBS - أيضًا على دفع 16 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية رفعها ترامب بشأن مقابلة في برنامج "60 دقيقة" مع نائب الرئيس آنذاك كامالا هاريس في خريف العام الماضي.

 وكما هو الحال مع BBC، كانت شكوى ترامب تتعلق بالتحرير في البرنامج؛ ادعى أن حديث هاريس قد عُدِّل عمدًا لمصلحتها وإيذائه.

وقال محللون إن باراماونت وافقت على الأرجح على تسوية تلك القضية لإتمام اندماج مربح مع سكاي دانس ميديا، وهو ما وافقت عليه إدارة ترامب رسميًا.

وقال المحامي ستيفنز إن ترامب قد يجد صعوبة أكبر في إقناع BBC بالموافقة على التسوية، لأنه "لا يتمتع بنفس النفوذ" الذي كان يتمتع به على باراماونت.

* المصدر: وكالات+فرانس برس+سي ان ان

ذات صلة

العدل مصنع السعادة والأمانحسن الظن وتنمية العلاقات الاجتماعيةالرهان الجيو استراتيجي حول جزر المحيط الهاديهل يمكن لاحتجاجات الجيل Z العالمية أن تحوّل الاضطرابات إلى تغيير حقيقي؟الذكاء الاصطناعي في خدمة المحتالين: عندما يصبح الخداع رقميًا