تأثير القراءة الرقمية على العقل بمقابل الكتب الورقية
د. جمانة جاسم الاسدي
2025-09-23 04:11
تُعد القراءة واحدة من أهم الوسائل التي يرتقي بها الإنسان معرفيًا وثقافيًا، وقد رافقت مسيرة الحضارة منذ اختراع الكتابة، لكن مع التطور التكنولوجي، ظهرت القراءة الرقمية التي أخذت تنافس الكتب الورقية التقليدية، وبينما يرى البعض أن القراءة الرقمية تسهم في تسهيل الوصول إلى المعرفة، يعتقد آخرون أنها تؤثر سلبًا على التركيز والذاكرة مقارنة بالقراءة الورقية.
القراءة الرقمية ارتبطت بالسرعة والمرونة، فمن خلال الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية أو الحواسيب، يستطيع القارئ الوصول إلى آلاف الكتب والمقالات في لحظات، كما أن خاصية البحث الفوري، وإمكانية تعديل حجم الخط والإضاءة، وإضافة الملاحظات الإلكترونية، جعلت التجربة أكثر سهولة، هذا النمط من القراءة يتناسب مع طبيعة العصر الرقمي الذي يقوم على الوصول السريع إلى المعلومات، ويُعتبر وسيلة فعّالة للتعلم عند الحاجة.
على الرغم من مزاياها، تشير دراسات نفسية ومعرفية إلى أن القراءة الرقمية قد تُضعف من القدرة على التركيز العميق، فالقارئ غالبًا يتعرض لمقاطعات مستمرة مثل الإشعارات أو الروابط التشعبية، مما يحد من قدرته على التعمق في النص، كما أن التنقل السريع بين الصفحات أو المصادر يؤدي إلى ما يسمى بـالتصفح السطحي، حيث يقرأ الفرد المعلومات بسرعة دون أن يحتفظ بها في ذاكرته طويلة الأمد.
أما الكتب الورقية، فما زالت تحتفظ بسحرها الخاص، فهي توفر للقارئ تجربة حسية وذهنية مختلفة، إذ تشير الدراسات إلى أن الإمساك بالكتاب وتقليب صفحاته يعزز من التركيز والانغماس في النص، كما أن القراءة الورقية تقلل من التشتت، وتُسهم في ترسيخ المعلومات في الذاكرة بشكل أعمق، إضافة إلى ذلك، تمنح الكتب الورقية القارئ إحساسًا بالإنجاز والارتباط العاطفي مع النصوص، وهو ما يصعب تحقيقه عبر الشاشات.
لا يعني ذلك أن أحد النمطين يلغي الآخر فلكل منهما مكانه ووظيفته، القراءة الرقمية تناسب البحث السريع، والوصول إلى مصادر متنوعة، والتعلم المرن، بينما تظل الكتب الورقية الخيار الأمثل للقراءة المتعمقة والدراسة الأكاديمية طويلة الأمد، الحل يكمن في الموازنة بين النمطين، بحيث يستفيد الفرد من مزايا التكنولوجيا دون أن يفقد القدرة على التركيز والاندماج التي تمنحها الكتب الورقية.
ختامًا- إن تأثير القراءة الرقمية على العقل يختلف عن تأثير الكتب الورقية، فالأولى تمنح السرعة والمرونة، بينما الثانية تمنح العمق والتركيز، ومن هنا، لا ينبغي النظر إلى العلاقة بينهما بوصفها علاقة صراع، بل علاقة تكامل، فالمستقبل يتطلب قارئًا ذكيًا قادرًا على التوفيق بين الشاشات والصفحات، بين السرعة والعمق، وبين التقنية والإنسانية، وبهذا التوازن فقط يمكن للقراءة أن تبقى جسرًا حقيقيًا للمعرفة في عالم متغير.