التشريعات الأخلاقية في الصحافة الإلكترونية العراقية وصحافة الميتافيرس الى أين؟

شبكة النبأ

2025-09-10 06:22

بقلم: د. ليث عبدالستار - جامعة ديالى – كلية التربية الاساسية 

في ظل التحولات الرقمية الهائلة التي شهدها العالم خلال العقدين الأخيرين، برزت الصحافة الإلكترونية كقوة إعلامية مؤثرة، تجاوزت حدود الورق والزمان والمكان، لتُشكّل واقعًا جديدًا في طبيعة إنتاج وتلقي المحتوى الإعلامي. العراق، كغيره من الدول، وجد نفسه أمام تحديات متشابكة تتعلق بكيفية تنظيم هذا الفضاء الجديد دون المساس بجوهر حرية الرأي والتعبير، التي كفلها الدستور العراقي لعام 2005، لكنها بقيت في كثير من الأحيان عرضة للتأويل السياسي والتطبيق الانتقائي.

الصحافة الإلكترونية في العراق تطورت على وقع الأزمات السياسية والأمنية، فتارةً كانت منبرًا للناشطين والمدونين وصوتًا للشارع الغاضب، وتارةً أخرى وُظِّفت كأداة لترويج الخطابات الرسمية أو لزرع الانقسام والمعلومات المضللة. ووسط هذا الواقع، باتت الحاجة ماسة إلى تشريعات أخلاقية وقانونية واضحة تنظّم عمل هذه الصحافة وتحدّد سقف الحرية والمسؤولية.  

ورغم أن الدستور العراقي لعام 2005 يضمن حرية التعبير وحرية الصحافة، فإن الواقع التشريعي ما يزال يفتقر إلى قوانين متخصصة تواكب تطور الإعلام الرقمي. بل إن أغلب النصوص القانونية التي تُطبّق على الإعلام الإلكتروني هي امتداد لقانون العقوبات القديم أو لقوانين لم تُعدّل لتتناسب مع طبيعة النشر الإلكتروني، مما جعل الصحفيين عرضة للمساءلة القانونية وفق معايير غير ملائمة للفضاء الرقمي.  

وفي خضم هذه النقاشات، يطلّ علينا مفهوم جديد بدأ يفرض نفسه تدريجيًا على المشهد الإعلامي، وهو صحافة الميتافيرس. هذا الفضاء الافتراضي الذي يتجاوز الواقع التقليدي، ويفتح آفاقًا جديدة أمام التفاعل الإعلامي، يطرح تساؤلات أخلاقية وتشريعية أكثر تعقيدًا. كيف يمكن تنظيم المحتوى داخل بيئة ثلاثية الأبعاد يعيش فيها المستخدم كهوية رقمية؟ من المسؤول عن الأخبار الكاذبة أو التحريض في فضاء لا يخضع للحدود الجغرافية ولا القوانين الوطنية؟ هل تمتلك المؤسسات الإعلامية العراقية، أو حتى الجهات التشريعية، القدرة على التعامل مع هذه البيئة الجديدة؟ 

حتى الآن، لا توجد تشريعات عراقية تتناول بشكل مباشر موضوع الصحافة في الميتافيرس. غير أن بعض المؤشرات بدأت تظهر على شكل تعاون بين العراق وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا"، خصوصًا في ما يتعلق بمراقبة المحتوى المتطرف أو التضليل الإعلامي. إلا أن هذه الجهود تبقى محدودة ومجردة من الإطار القانوني المحلي الملزم، ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام الفوضى الرقمية التي قد تُستغل لتقويض الثقة بالمعلومة، أو للتأثير على الرأي العام بطرق يصعب كشفها أو محاسبتها. ورغم أن الميتافيرس يشكّل بيئة ناشئة ومفتوحة للصحافة الرقمية المستقبلية، فإن العراق لم يعتمد بعد تشريعات خاصة بهذا الفضاء الافتراضي. من جهة أخرى، يشكل هذا التعاون بين هيئة الإعلام والاتصالات وشركة "ميتا" خطوات مهمة لتنظيم المحتوى ومكافحة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، وهو تطور يُشكل نموذجًا للتعاون الحكومي- والمنصات في ضبط المحتوى الرقمي.

في ضوء ما تم طرحه نود القول إن الحاجة إلى تشريع إعلامي جديد في العراق لم تعد مسألة تنظيم تقني فحسب، بل ضرورة لحماية الحريات وتحديد المسؤوليات في الوقت نفسه. التشريع الأخلاقي للصحافة الإلكترونية، بما فيه ذلك ما يتعلق بعالم الميتافيرس، يجب أن ينطلق من مبدأ الموازنة بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية، وأن يراعي خصوصية المجتمع العراقي وثقافته دون أن يتحول إلى أداة للرقابة أو القمع. وهذا لن يتحقق إلا عبر حوار وطني شامل يضم الصحفيين، الأكاديميين، القانونيين، وصُنّاع المحتوى، لوضع إطار تشريعي وأخلاقي عصري يُنظم الإعلام الرقمي ويوجّهه نحو خدمة الحقيقة والمصلحة العامة في آنٍ معًا.  

ختامًا، لا يمكن الحديث عن حرية الرأي والتعبير في الصحافة الإلكترونية، وصحافة الميتافيرس بشكل خاص، دون التطرق إلى الحاجة الملحّة لإطار تشريعي وأخلاقي متوازن في العراق. إن أهم الحلول تكمن في صياغة قانون إعلام رقمي عصري يواكب التطورات التقنية ويصون الحريات، مع إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الأداء الإعلامي الإلكتروني بمعايير مهنية. 

كما يجب إدماج مفاهيم الإعلام الرقمي والميتافيرس في المناهج الأكاديمية الخاصة بكليات الاعلام في العراق وتدريب الصحفيين عليها، إلى جانب تعزيز الشراكات مع المنصات العالمية لضمان احترام الخصوصية ومحاربة التضليل دون انتهاك حرية التعبير. ويبقى على الدولة والمجتمع المدني أن يعملا معًا لوضع منظومة أخلاقية تحمي المستخدم والمحتوى، وتجعل من البيئة الرقمية ساحة آمنة للنقاش والحوار المسؤول.

ذات صلة

في ذكرى مولده العطِر.. رسول الرحمة والحياة الزوجيةفي ذكرى مولده.. العودة الى إسلامهمسؤولية العلماء في الزمن الصعبالغيبة الكبرى.. فلسفتها في ضوء بعض قصص الغياب في القرآن الكريممخيم اليرموك ذاكرة لا تُغادر