حين يتحدث الطب عبر الميكروفون: هل يصنع الإعلام الصحي ثورة وعي؟

أوس ستار الغانمي

2025-08-07 03:34

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات الصحة والتكنولوجيا والاتصال، تزايدت أهمية الإعلام الصحي كأداة محورية لبناء الوعي المجتمعي وتشكيل السلوكيات الصحية الإيجابية. فالإعلام لم يعد مجرد ناقل للمعلومة، بل تحول إلى شريك فاعل في حماية الصحة العامة، خصوصًا بعد تجارب مثل جائحة كوفيد-19 التي أبرزت دور الإعلام في إدارة الأزمات وتوجيه الرأي العام.

في هذا التقرير نستعرض كيف يساهم الإعلام الصحي في تعزيز الوعي، ونناقش الفرق بينه وبين الإعلام العام، ونرصد أشكاله المختلفة في العصر الرقمي، كما نحلل التحديات التي تواجهه ونقترح سبل تطويره ليكون أكثر تأثيرًا وموثوقية.

ما هو الإعلام الصحي؟ وما أهميته؟

الإعلام الصحي هو فرع متخصص من الإعلام يُعنى بنشر المعلومات والتوعية المتعلقة بالصحة والوقاية من الأمراض، وتعزيز السلوكيات الصحية. تتنوع رسائله بين التثقيف حول نمط الحياة الصحي، التحذير من مخاطر الأمراض، توضيح الإجراءات الطبية، وتوجيه الجمهور نحو قرارات صحية مستنيرة.

تكمن أهمية الإعلام الصحي في كونه قناة استراتيجية بين الجهات الصحية والجمهور. إذ يساعد على تقليص الفجوة المعرفية، ويعزز ثقافة الوقاية، ويواجه الشائعات والمعلومات الطبية المغلوطة التي قد تهدد الصحة العامة.

الفرق بين الإعلام الصحي والإعلام العام

يختلف الإعلام الصحي عن الإعلام العام في طبيعة المحتوى، وأسلوب تقديمه، والأهداف المرجوة منه. فالإعلام العام يهدف إلى نقل الأخبار ومتابعة الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل واسع، بينما الإعلام الصحي يركز على صحة الفرد والمجتمع بمحتوى متخصص، يحتاج غالبًا إلى تدقيق علمي وفهم للبيئة الطبية.

كما أن الإعلام الصحي يتطلب التوازن بين تبسيط المعلومة وبين المحافظة على دقتها العلمية، وهو ما لا يشترط في الإعلام العام بالدرجة نفسها.

أشكال الإعلام الصحي في العصر الرقمي

شهد الإعلام الصحي تطورًا كبيرًا في شكله ووسائطه، خاصة مع التحول الرقمي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن تصنيف أشكاله إلى:

1. الإعلام التقليدي: مثل التلفزيون والإذاعة والصحف، حيث تُبث برامج صحية أو تنشر مقالات طبية بشكل دوري. هذه الوسائط لا تزال مؤثرة، خصوصًا بين الفئات العمرية الأكبر سنًا أو في المجتمعات الأقل اتصالًا بالإنترنت.

2. الإعلام الرقمي: يشمل المواقع الصحية الإلكترونية التي توفر معلومات وبيانات محدثة حول الأمراض والعلاجات، وغالبًا ما تكون مرتبطة بمؤسسات أو هيئات صحية رسمية.

3. منصات التواصل الاجتماعي: مثل تويتر، إنستغرام، تيك توك ويوتيوب، والتي باتت مسرحًا نشطًا لنشر الرسائل الصحية، خاصة بين فئة الشباب. أصبح الأطباء والمختصون ينشئون حسابات خاصة بهم لمشاركة النصائح وتصحيح المعلومات المغلوطة.

4. البودكاست: أصبح أداة شائعة لنشر المعلومات الطبية بشكل مبسط، حيث يتيح الاستماع إلى تجارب مرضى أو لقاءات مع أطباء وخبراء صحة.

5. المنصات الصحية التفاعلية: وهي تطبيقات ومواقع تتيح للمستخدم التفاعل مع محتوى صحي، مثل الاستشارات الفورية أو تتبع مؤشرات الصحة الشخصية، وتُعد مثالًا على الإعلام الصحي التفاعلي.

كيف يعزز الإعلام الصحي الوعي في المجتمعات؟

يساهم الإعلام الصحي في بناء وعي صحي لدى الأفراد والمجتمعات عبر عدة آليات، منها:

-نشر المعلومة الصحية الموثوقة: ما يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة والمعدية.

-تحسين اتخاذ القرار الصحي: من خلال توعية الناس بالخدمات الصحية المتاحة، وشرح فوائد ومخاطر الأدوية أو الإجراءات الطبية.

-تغيير السلوكيات الضارة: كالتدخين، قلة النشاط البدني، وسوء التغذية، وذلك عبر حملات إعلامية طويلة الأمد.

-الاستجابة للأزمات الصحية: حيث يلعب الإعلام دورًا محوريًا في إدارة المعلومات خلال الكوارث والأوبئة، ويوجه الناس نحو التصرفات الصحيحة.

تحديات الإعلام الصحي في العصر الرقمي

رغم الفرص التي أتاحها العصر الرقمي، إلا أن الإعلام الصحي يواجه تحديات كبيرة، أبرزها:

-انتشار المعلومات المغلوطة: إذ تُنشر يوميًا آلاف الرسائل الصحية غير الدقيقة، مما قد يسبب الذعر أو يروج لعلاجات غير فعالة.

-صعوبة التحقق من المصادر: خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتقر إلى آليات تدقيق المحتوى.

-الفجوة المعرفية بين الإعلاميين والمختصين الصحيين: ما قد يؤدي إلى تبسيط مخل للمعلومة أو سوء تفسيرها.

-التحديات الأخلاقية: مثل الخصوصية الطبية، والتمييز في تقديم المعلومات، واستغلال بعض المواضيع الصحية لأهداف تجارية.

كيف نصنع إعلامًا صحيًا مؤثرًا؟

لضمان إعلام صحي فعّال ومؤثر، ينبغي التركيز على عدة محاور استراتيجية:

1. تأهيل الإعلاميين صحيًا: يجب أن يمتلك الصحفيون المهتمون بالمجال الصحي خلفية معرفية مناسبة، أو التعاون مع متخصصين لضمان صحة المعلومة ودقتها.

2. تعزيز التعاون بين الإعلاميين والممارسين الصحيين: من خلال ورش عمل مشتركة، وإقامة منصات حوار بين الطرفين، لتوحيد المفاهيم وتقديم محتوى إعلامي علمي وسهل الفهم في آنٍ معًا.

3. توظيف الذكاء الاصطناعي: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم في تحليل البيانات الصحية الضخمة، وتخصيص الرسائل الصحية حسب الفئة المستهدفة، بالإضافة إلى التحقق التلقائي من صحة المحتوى، ما يعزز كفاءة الإعلام الصحي بشكل ملحوظ.

4. إشراك الجمهور في صناعة الرسالة: عبر التفاعلات، واستطلاعات الرأي، والمشاركة في القصص الصحية، مما يعزز مصداقية الرسالة ويزيد من وصولها وتأثيرها.

في عالم تتسارع فيه وتيرة الأحداث وتتراكم فيه المعلومات، يصبح الإعلام الصحي أداة ضرورية لبناء مجتمع أكثر وعيًا وصحة. ومع التحديات الجديدة التي فرضها العصر الرقمي، تبرز الحاجة إلى إعلام صحي مهني، مدعوم بالتقنية، ومبني على الشراكة بين الإعلاميين والقطاع الصحي. فبقدر ما تتطور وسائل الإعلام، يبقى جوهر التأثير هو الصدق، المعلومة الدقيقة، والنية الصادقة في خدمة الإنسان وصحته.

ذات صلة

الإمام الحسين: الانتصار الأخلاقي على الغدرالأربعين الحسيني والتغيير الذاتيمركز آدم ناقش.. أزمة الهوية في العراق بين الدولة والعشيرة، الصراع والتداخلالتحوّلات البنيوية في الشرعية السياسية الإسلامية..هدنة ودبلوماسية الإمام الحسن