الإعلام العراقي والجردة السنوية

مصطفى ملا هذال

2022-12-29 04:41

يعكف أصحاب المتاجر في الأيام الأخيرة من السنة الى تصفية حساباتهم ومعرفة نسبة الأرباح والخسائر التي تعرضوا لها خلال عام كامل، وهذا من الأشياء البديهية في عالم التجارة المتعدد الأقطاب والمتأثر بحركة السوق المحلية والإقليمية وكذلك العالمية.

الإعلام العراقي يمكن ان يخضع لقاعدة الجردة السنوية التجارية لمعرفة الأرباح التي جناها على المستوى المعنوي والخسائر التي تعرض لها نتيجة تراجع المضمون الإعلامي المقدم للجمهور.

يقول المختصون في الإعلام، انه حقل مرتبط وربما الأكثر ارتباطا مع الحقول والاختصاصات العلمية الأخرى، ولأنه كذلك فهو تعرض كغيره من القطاعات الى خسائر كبيرة، وتتمثل هذه الخسائر في تراجع نسبة المشاهدات والمتابعات اليومية لما يبثه ويقدمه من برامج متنوعة.

العراق قد يكون من أكثر البلدان نشاطا من حيث الاحداث اليومية الجارية، وكل شيء فيه يشعل الفتيل ويتصدى وسائل الإعلام ومواقع التواصل لإيام طويلة، غير متأثر بدرجة كبيرة في الاحداث الدولية او المحيطة به، ومع ذلك فان القنوات التلفزيونية العراقية لم تفلح في الحفاظ على جمهورها سواء في الداخل او الخارج.

ويكمن السر وراء هذه الخسارة الكبيرة للقنوات هو تأسيسها على اهداف صغيرة وطموحات آنية زائلة بسرعة زوال الهدف منها، فالوسيلة الإعلامية التي تؤسس أيام الانتخابات التشريعية لا يمكن لها ان تواصل عملها بنفس البريق فيما تبقى من أيام السنة.

وربما الخلل ليس بالمادة الإعلامية التي تقدمها، لكن الخلل في تقليل اهتمام الممول بالعاملين وتوقفه عن منحهم المبالغ الكافية لديمومة عمل هذه المؤسسة التي كانت في يوم ما لسان حاله ومنبره الذي يوضح من خلاله أفكاره ورؤيته للمرحلة القادمة وبرنامجه الانتخابي (غير الحقيقي).

ومن عوامل التأثير المباشر على وسائل الإعلام التقليدية هو انبثاق مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتدفق وتتفرع بصورة مستمرة، وبالتالي غرست خنجرها في حضن الوسائل القديمة، على الرغم من وجود علاقة تكاملية فيما بينها لكنها اثرت وبشكل كبيرة على اعداد الجمهور المتابع.

لقد اتاحت مواقع التواصل الاجتماعي بحكم انتشارها المفرط جميع الاخبار وغيرها من التشريعات والتعليمات الحكومية وكل ما يهم الفرد اتاحته بصورة مطلقة امام الجمهور، وهم الآن ليسوا بحاجة العودة الى المنزل لكي يعرفوا ماذا جرى بقمة بغداد الثانية المنعقدة في الأردن وما خرجت به من توصيات تهم شعوب المنطقة وشعب العراق.

ومن العوامل التي ساعدت على تراجع مكانة الإعلام والتي من الممكن وضعها ضمن معايير الربح والخسارة، هي التقشف الإعلامي الذي تتبعه العديد من الوسائل الإعلامية، فهي اليوم توقفت عن انتاج ابسط الاعمال الدرامية والبرامج الاجتماعية الهادفة، واكتفت بل صبت تركيزها على البرامج السياسية، في رغبة منها على الاحتفاظ بالجمهور المهتم بالشأن السياسي.

الإعلام ربما ينفرد عن غيره من العلوم الأخرى بصفة الترابط الوثيق بين مكوناته او اجزاءه ولا يمكن ان يقفز جزء على غيره، وهنا تكون عملية خسارة الجمهور عائدة الى ضمور المضمون الإعلامي، وغياب التخطيط الممنهج للاحتفاظ بالجمهور القديم، وزيادة نسب المتابعة، إضافة الى ذلك ان صاحب الوكالة الاعلانية عادة ما يبحث عن الوسيلة المؤثرة والتي تعتبر الطُعم الذي يستدرج من خلاله المتابعين لاقتناء السلعة او البضاعة المُعلن عنها.

ونبقى في الانخفاض الذي تشهده نسب متابعة القنوات الفضائية، حتى في أوقات الازمات التي تحصل في البلد وتعمد الجهات الحكومية الى إغلاق مواقع الشبكات الاجتماعية، الا ان ردة الفعل تكون بالبحث عن كاسر لهذا الحجب والاستمرار في المتابعة للأحداث الجارية، وبطبيعة الحال يحدث ذلك عندما تكون الثقة معدومة بما تقدمه القنوات من تغطيات إخبارية تكون غير واقعية تشوبها المعلومات الخاطئة.

صورة الإعلام العراقي لغاية الجردة السنوية الحالية قاتمة، وهذا يعني ان الفرصة لا تزال سانحة لمن يحاول ان ينطلق في فضاء إعلامي رحب مع بداية الشروع بالعام الجديد، في الوقت الذي يسود فيه الركود وقلة المنافسين الذين يقدمون إعلاما هادفا مؤثرا لا يخرج عن المفهوم الحقيقي للإعلام الذي يحمل لواء السلطة الرابعة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي