الإعلام الرسمي والموت المهني

مصطفى ملا هذال

2022-10-08 01:58

قل الاوفياء الذين لا يزال يتابعون ما يقدمه التلفزيون الرسمي، فهم جزء يسير من الجمهور العام، اذ يتمثل هذا الجزء بكبار السن المعتادين على مشاهدة ما يمليه عليهم صاحب الرسالة الحكومية التي غالبا ما تخلوا من جذب الانتباه، ومدعمة بالمعلومات المغلوطة او انصاف الحقائق، وهي التي جعلت التلفزيون الحكومي او الإعلام الرسمي يموت مهنيا، ويصبح منهتي الصلاحية او ضعيف التأثير.

الإعلام الحكومي في اغلب الأحيان وفي الوقت الحالي على وجه التحديد لم يؤدي وظيفته الأساسية، وهي ان يكون حلقة وصل بين الجهات الرسمية والجمهور المتعطش للمعلومة من مصدرها الأصلي صاحب الموثوقية، وبالتالي حدثت فجوة كبيرة واخذت تتسع مع مرور الزمن.

اتساع هذه الفجوة له مبررات وأسباب كثيرة من أهمها هو فقدان القائمين على الاتصال الحكومي بمختلف أصنافه الى مَلكة التواصل وبناء علاقات مع الآخرين، بالإضافة الى عدم فهمهم لأهمية ما يؤديه الإعلام من دور كبير وفعال لكسب ثقة الجمهور ورضاه عن المؤسسة الحكومية والعمل الحكومي بشتى المجالات بصورة عامة.

ومن المشاكل الأخرى التي لا يمكن معالجتها بالسرعة الممكنة، هي مسك المهام الإعلامية من قبل شخصيات ليست من الوسط الإعلامي، لا تعرف ما يجب فعله وكيف يمكن ان تدار الماكنة الإعلامية في أجواء أصبح التنافس على الظهور وتقديم الأبرز والاهم هو السمة العصرية.

معالم الضعف والخلل في الإعلام الحكومي واضحة كالشمس في منتصف النهار، ومن الممكن تشخيص ذلك عند متابعة المضمون المقدم، وتفاعل العامة معه ومدى تناقل الاخبار او القضايا التي يتناولها، فلا نجد أي تأثير، وإن وجد فهو محدود للغاية، ولا يرتقي للتأثير على المتلقين وغرس المفاهيم التي يحاول تجذريها في نفوسهم.

بعض المحطات الحكومية لا تحظى بمشاهدة العشرات من المتابعين على مدار اليوم، ولو أجرينا مقارنة بسيطة مع احدى الشخصيات المشهورة وما يحدثه مضمونه الذي يسوقه عبر اليوتيوب او تطبيقات الشبكات الاجتماعية من تفاعل كبير، قد يفوق مجموع متابعي أكثر من محطة او وسيلة إعلامية تابعة الى المؤسسات الحكومية او الهيئات المرتبطة بها.

بهذه المنهجية التي تتبعها المؤسسات الحكومية في التعامل مع وسائل إعلامها، لا يمكن ان تحقق نجاحات تذكر على الصعيد المحلي على الاقل، وبذلك تكون قد فتحت الباب لخسارة جماهيرية كبيرة، وبالأخص رصيدها من الجمهور الشبابي الذي اخذ يبحث عن التجديد في الطرح والتناول على غرار ما توفره له المحطات التلفزيونية والوسائل الإعلامية الأخرى التابعة لشخصيات او أحزاب.

لقد اكتفت مؤسسات الدولة بالتلفزيون الرسمي وإصدار الصحف الدورية، التي عادة ما تكون اخبارها مستهلكة ومعلومة من قبل الجميع قبل اذاعتها او نشرها، ومع ذلك تواصل صدورها، لكي يشعر المسؤول الحكومي ان لديه إعلام يوصل صوته الى شريحة عريضة من الجمهور.

عزيزي المسؤول الذي تجلس في القمة، ان استمرارك في التعامل بهذه الطريقة الكلاسيكية في الطرح والإخراج للمواد الإعلامية، سيحول الوسيلة الى محرقة مالية دون تحقيق أي مدى او مستوى من مستويات التأثير المتوقع، وبالنتيجة النهائية ستكون غير ذي جدوى على المدى البعيد والقريب، همها الأول والأخير هو ملأ الوقت بغض النظر عن المادة ومحتواها.

عجز الحكومة عن تطوير مؤسساتها الإعلامية يأتي من قلة التخصيصات المالية التي تخصص لتطوير الفرق الصحفية العاملة في المجال الإعلامي، وينتج من عدم التدريب والتطوير المستمر ركود وتراجع في المضمون المقدم، فكيف لصحفي ان يقدم مادة مشوقة ومؤسسته عاجزة عن تطوير مهاراته في التعامل من الأدوات الإعلامية الحديثة ومواكبة التطور الحاصل.

ونتيجة للوضع المالي السيء، تقتصر وسائل الإعلام الحكومي في عملها على تصريحات المسؤولين والبيانات التي تخرج من مكاتبهم، وتركز حديثها في الموضوعات السياسية، يعقبها بث برامج غير ممنهجة بصورة عشوائية تتحدث عن موضوعات عامة، حتى وان كانت بعيدة وغير متماشية مع الهوية الاجتماعية.

ما يستحق الإشارة هنا، ان المسؤول الحكومي الذي يرغب بالظهور الإعلامي، لا يجد في الوسيلة الحكومية المكان او المنبر المناسب لطرح أفكاره وإيصالها الى الجمهور، فتجد اغلب المسؤولين يبحثون عن القنوات الفضائية الخاصة الأكثر شهرة وتعرضا من قبل الجمهور، والتحدث فيها لإيصال وجهات النظر وتوضيح بعض الملابسات المتعلقة بالشؤون العامة او التجاذبات السياسية.

البرود الذي يعيشه الإعلام الحكومي جعل منه بمثابة العبء الكبير على كاهل الدولة التي وجدت ضالتها في الإعلام الخاص، وفي الوقت نفسه هنالك خشية مستمرة من قبل المسؤولين من الوسائل الإعلامية الخاصة والتي غالبا ما تثير موضوعات حساسة، وتكرر الازعاج والاحراج في مواطن ومواقف كثيرة تخص حياة الجماهير، لذا نرى هذه الشخصيات لا تتوقف عن كسب تلك الوسائل بشتى الأساليب والقضاء عليها، بعد ان نجحت في تحويل الإعلام الحكومي الى الإعلان عن وفاته مهنيا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي