اهداف الحرب النفسية: ما نعرفه وما نجهله
مروة الاسدي
2022-04-16 06:31
ان الاجراءات والنشاطات التي تقوم بها الجهات التي تباشر الحرب النفسية تكون ذات اتجاهين: داخلي لدعم المعنويات وخـارجي لـهـدمـهـا. الاول يهـدف إلى ايجـاد وتعزيز الروح المعنوية والارادة لدى الأمة، والثاني يهدف إلى تحطيم المعنويات وتدمير الارادة لدى العدو.
وكما يستنتج من تعريف الحرب النفسية فإن هدف الحرب النفسية التي تتوجه إلى عقل الانسان ونفسيته هو تحقيق السيطرة على الارادة لدعم الصديق او لتحطيم الخصم والتأثير على الآراء والمواقف في الاتجاه الذي يخدم سياسة الدولة واهدافها، وذلك بشن هجوم عنيف على القوى الروحية والمعنوية والنفسية والمعتقدات الثابتة لدى الخصم لزعزعتها وفي الوقت نفسه تقوية موقف الصديق وتعزيز الاعتقاد بقدرته.
ويمكن تفصيل اهداف الحرب النفسية الموجهة للعدو كما يأتي:
اولاً/ اهداف سياسية:
1 ـ تحطيم وحدة الجهة الداخلية للدولة المعادية وخلق التناقضات بين فئاتها.
٢ - بث الشك واليأس في امكانية الصمود والتصدي وتحقيق النصر لدى العدو.
۳ - تشكيك الجهة المستهدفة في قياداتها السياسية والعسكرية وزعزعة ايمان الهدف بمبادئه واهدافه.
4- ردع الدولة المعادية وارغامها على التخلي عن الاعمال العسكرية وتحطيم تحالفاتها السياسية عملاً بالمبدأ القائل "من لا تكسبه كصديق اعمل على ان يظل على الحياد".
5- دعم روح المقاومة لدى الفئات المناهضة، والعمل على ايجاد مثل تلك الفئات.
ثانياً/ اهداف عسكرية:
1 ـ تحطيم ارادة جيش العدو القتالية وتحطيم معنوياته.
۲ - تشكيكه في قياداته العسكرية وزرع الفرقة بين صفوفه.
3 ـ دفعة للقيام بأعمال ضد مصلحة جيشه ودولته وضد الاهداف العسكرية والسياسية المراد منه تحقيقها.
4- دفعة للفرار او الاستسلام ومن ثم تحقيق الهزيمة في صفوفه.
اهداف الحرب النفسية
يقسم المتخصصون في الحرب النفسية اهدافها الى ما يأتي:
اولاً- الأهداف الإستراتيجية:
هي أهداف بعيدة المدى تسعى الى تحقيق أغراض مدروسة في فترات زمنية مختلفة تمتد لبضـع سـنوات كالأهـداف التي تسعى إلى تحقيقهـا الدعاية الامبريالية والصهيونية على الصعيد العالمي والتي نلمسها في محاولاتها المتكررة التي تستهدف تفتيت وحـدة الجبهة العالمية المعادية للاستعمار، والإساءة لدول المنظومة الاشتراكية وسمعة النظام الاشتراكي المتبع في هذه البلدان، وما تحاول أن تحققه الدعاية نفسها من أهداف على صعيد الوطن العربي عن طريق ترويجها للعديد من الأفكار والنظريات والآراء التي تعزز بذور التفرقة الإقليمية والطائفية والمذهبية التي تتعارض مع مصلحة المواطن العربي وتعمل على زعزعة إيمانه بمبادئه وأهدافه الحقيقية.
ومن ابرز أهداف الحرب النفسية الإستراتيجية الاتي:
1- تثبيت خطط الدولة السياسية الخاصة بالحروب وشرح أهدافها وإغراضها.
2- تأكيد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدولة على العدو.
3- خفض الروح المعنوية بين العدو وافراده.
4- بث روح الكراهية داخل دولة العدو وبخاصة العناصر المضطهدة.
5- إظهار التأييد الأدبي للعناصر الصديقة في إقليم العدو.
6- تقديم المساعدة اللازمة لعمليات الدعاية التكتيكية.
ثانياً/ الأهداف التكتيكية:
هـي أهداف مؤقتـة يـتم وضعها بشكل تنسجم فيه مع أهـداف الخطط والعمليات المرحلية المراد تنفيذها من قبل جهة ما، كما أنها تعد في الغالب مرافقة للأعمال الحربية، وهذا ما يجعلها ذات طابع تأثيري مباشر، ومـن أمثلتها المحاولات التي تبذل في ميدان المعركة لنشر اليأس في صفوف القوات المعاديـة وبـث الذعر وإثارة العديد من الشائعات والأقوال التي تدلل على هزائمها واستحالة انتصارها، أو محاولة إضعاف جبهة العدو الداخلية عن طريق إظهار عجز النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي ينتهجه العدو.
وبما أن هذه الأهداف ذات طابع آني ومرافقة للحروب فكثيراً ما تكون وسيلة الحرب النفسية في مثل هذه المحاولات اللجوء إلى توجيه النداءات المباشرة والمتكررة للقوات المعاديـة بواسطة مكبرات الصـوت أو غيرها من الإذاعـات الـتي تدعوها للاستسلام وترك السلاح أو محاولة إلقاء قصاصات الورق والمنشورات من الطائرات خلف الخطوط المعادية لحض قواته على الاستسلام.
أهداف الحرب النفسية خلال الحروب:
يحدد البروفسور "رغيار زاكروس"، الذي كان يشغل رئاسة الحرب النفسية في بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، أهم أهداف هذه الحرب الاتي:
1- تحطيم قيم وأخلاقيات الشعب الذي توجه إليه هكذا حرب.
2 - إجراء عملية غسل دماغ له عبر دروس جديدة تُعطى ليؤمن بها.
3 - إرباك معتقداته الفكرية ونظريته السياسية.
4 - زيادة شقة الخلاف بين الشعوب وحكوماتها.
5 - غرس بذور الفتنة بين أبناء الشعب الواحد.
ومن أهداف الحرب النفسية أو الحرب الناعمة، أيضاً:
1- تثبيط معنويات العدو وكفاءته القتالية.
2- احتلال مدن العدو عن طريق توزيع الإنذارات.
3- تأكيد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدولة على العدو.
4- بث روح الكراهية داخل دولة العدو، وبخاصة العناصر المضطهدة.
5- تقديم المعلومات والتوجيهات اللازمة للعناصر الصديقة التي تعمل داخل منطقة العدو.
أهداف الحرب النفسية عديدة حسب الظروف والطرف المعادي:
بناء على ما تقدم نجد إن الحرب النفسية تسعى إلى تحقيق أهداف عديدة حسب الظروف والطرف المعادي ومن أهمها الآتي:
1- إضعاف إيمان الجماعة المعادية بكل ما يخصها من دين وعقيدة أو مبادئ وقيم، عن طريق تضخيم بعض الأخطاء السلوكية أو التصورات الفكرية المختلفة معه، وتهوين بعض القيم والتشهير بها إلى درجة الاستهزاء، ومثالاً على ذلك ما تقوم به الصحافة الغربية تجاه الدين الإسلامي منذ سنوات وخاصة بعد سقوط المعسكر الشيوعي والتأسيس للعولمة من خلال كتاب فوكوياما "نهاية التاريخ" الذي بشر فيه بنهاية عصر الايديولوجيات وانتصار الفكر الرأسمالي، وفي نفس الوقت لوح في كتابه بوجود حضارة وفكر منافس للرأسمالية وهو الدين الإسلامي لذلك حان الوقت للتفرغ كلياً لمواجهته وتحطيمه كما حطمت الشيوعية، فكانت أحداث 11 سبتمبر 2001 الأرضية التي وفرت مناخاً نفسياً وسياسيا لتشن كل الدول الغربية حملاتها التشويهية والتحريضية والتخويفية من كل ما له علاقة بالإسلام تصريحات سياسية، رسومات كاريكاتورية، التشهير بالواقع المأساوي الذي تعيشه بعض المجتمعات الإسلامية وخاصة من زاوية واقع المرأة من أجل تنفير وتخويف الناس من هذا الدين، كما يمكن عد ظهور الجماعات الإرهابية المسلحة في الكثير من الدول العربية أحد عناصر استراتيجياتها في الحرب النفسية، بعدها تحقق أهدافاً تعجز هي عن تحقيقها بوسائلها المباشرة، حيث تكونها وتدعمها سرياً بنفس الإستراتيجية التي اعتمدتها في أفغانستان لمحاربة الشيوعية.
2- إثارة بذور وعوامل الفرقة والشقاق في نفوس الجماعة المحايدة أو المعادية بتفريق أفراد الشعب عن القيادة وتفريق أبناء المجتمع الواحد عن بعضهم البعض عن طريق زرع قنابل عنقودية متنوعة في عقول أفراد وجماعات المجتمعات العربية بعناوين مثل العرق كما هو في الجزائر ودول المغرب العربي، "الدين" كما هو في مصر (الأقباط)، الطوائف في لبنان، وآخر ماركة من هذه القنابل هي قضية المذهب "بين الشيعة والسنة" في العراق ولبنان وبين إيران ودول الخليج، إذ تمكنت الدول الغربية بوسائلها الإعلامية والدعائية وعلى رأسها الولايات المتحدة من زرع هذه القنبلة الأخيرة بين المسلمين بعد غزوها للعراق مباشرة فكرست مبدأ التخويف من النفوذ الإيراني والشيعي على حساب السنة وتصنع من إيران بمشروعها النووي عدوا، فهذه الإستراتيجية قديمة قدم الاستعمار التي يعتمد مبدأ فرق تسد داخل الدويلات التي يستولى عليها.
3- تهويل وتضخيم الضائقة الاقتصادية والمالية والاجتماعية من أجل فرض الهيمنة والوصاية على الدولة المستهدفة عن طريق قروض وخطط إنقاذ وفق شروط استذلالية تزيد الدولة المستهدفة تبعية ورضوخا، ومثالاً على ذلك ما ظهر في تحاليل الصحافة الفرنسية بصفة خاصة والغربية بصفة عامة لواقع الأزمة التي مرت عليها الجزائر منذ أكتوبر 1988، إذ أرجعوا أسباب الأزمة إلى اللغة المعتمدة والقيم الدينية والفلسفة الاجتماعية السائدة وغيرها من الدعايات التي حاولت عن طريقها تشويه مقومات الشعب الجزائري، فطرحوا مشكلة الأقليات العرقية وغيرها.
4- تحقيق السيطرة على إرادة الشعوب وقياداتها وتوجيهها وفق ما تريد حسب ما يخدم مصالحها وسياساتها، عن طريق التشكيك في قدرات وخطط وبرامج البلدان المستهدفة، لتجعلها تتعقد من شخصيتها وبالتالي تستسلم لقرارات الدول الاستعمارية دون نقاش ولا ملاحظة، وهو ما نلتمسه في مختلف المفاوضات التي أجرتها مختلف الدول العربية مع مختلف المنظمات والدول الغربية.
5- تدعيم التطرف الديني والسياسي للتشويش على القناعات والاعتقادات الدينية الصحيحة والمعتدلة والتشكيك في مصداقيتها.
6- تعميم مشاعر الإحباط واليأس بين أفراد المجتمع وخاصة بين فئة الشباب بحكم خصوصية اهتماماته وطموحاته، وغيرها من أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية وإستراتيجية.
وهذا يعني أن الدول الاستعمارية لا يمكن لها في يوم من الأيام أن تعزز ثقتنا بأنفسنا ووحدتنا وتعزز روح الانتماء لأوطاننا والاعتزاز بها، بل في كل تصرفاتها وأعمالها الإعلامية والسياسية والاقتصادية تسعى بشكل دائم إلى زرع الشك وعدم الثقة، الفتنة والفرقة بيننا والإحباط وروح الانهزام والاستسلام لإرادتها وبذلك تؤسس لنمط أفراد وشعوب لها القابلية للاستعمار، تنبهر بكل ما يأت من الخارج وتستهين وتستهزئ بكل ما له علاقة بالذات والهوية والانتماء للوطن.