الدراما الكورية والتغريب الناعم

اخلاص داود

2021-06-27 06:33

توجه وسائل الاعلام رسالتها لجذب واستمالة الجمهور، وتوظيف مضامينها للتأثير بالعواطف ومخاطبة العقول لتحقيق الغاية المنشودة وهي الأقناع، لكسب منافع تجارية وتنفيذ مخططات سياسية واقتصادية دعائية.

ما بعد الانفتاح على العالم تعرض المجتمع العراقي لاختراق ثقافي متنوع عمل على سلخ القيم الجماعية التي يستمد منها مرجعيته الأخلاقية التي يتعامل بها كمعيار مع المحيط، واستبدالها بقيم وافكار مغايرة حققت استجابات كبيرة خصوصا في صفوف الشباب.

الشاشة الفضية بتنوع انتاجها جذبت بشكل مثير ومؤثر اهتمام الاسرة العراقية، فألى جانب البرامج والافلام الاجنبية لعبت الاعمال الدرامية دورا كبيرا في تشكيل سلوكيات جديدة حملت جوانب ايجابية واخرى سلبية، مستغل القائم بالاتصال قرب الدراما من حياة المجتمعات، وبرز الدور الفاعل والمؤثر للمسلسلات التركية ليس فقط على الاسرة العراقية بل والعربية ايضا، وعلى سبيل المثال وصل متابعي المسلسل التركي "نور"، الذي عرضته قناة MBC في 2008 ما يقارب 85 مليون عربي، مما اثار اهتمام المتخصصين والدارسين لتأثيره الاجتماعي والاقتصادي، كما حققت المسلسلات الهندية التي ظهرت بعد المسلسلات التركية بسنوات قليلة انتشارا واسعا ساعد في ذلك اطلاق قنوات فضائية مقتصرة على عرض المسلسلات الهندية المترجمة او المدبلجة فقط، وهناك من افردت مساحات كبيرة على شاشاتها حققت نسب مشاهدات عالية وتدفق ربحي سريع.

على الرغم من ان المسلسلات التركية والهندية مازالت تهيمن على الشاشة الفضية، ظهرت الدراما الكورية كمنافس قوي لا يستهان به منذ فترة ليست بطويلة لحصوله على تقييمات إيجابية من الجمهور، كما حظيت بشعبية كبيرة في الوطن العربي والعراق، ويمكن مشاهدة حلقاته على الكثير من الفضائيات بين المترجم والمدبلج واكتسحت فيديوهاتها عدد من المنصات الرقمية.

تحمل الدراما الكورية الجنوبية طابع مميز في تفاصيلها، ومستوى تطويري نفسي عالي يركز على القيم الاخلاقية، ويظهر جوانب الخير والشر الواضحة دون لبس او تداخل كما هو موجود في الافلام والمسلسلات الاجنبية او التركية، كما تصور الحياة للإنسان العادي هادئة بسيطة دون تعقيدات كبيرة، وبيئة نظيفة يعيش بها وتطور عمراني وتكنولوجيا متقدمة، هذا السرد القصصي الممتع استحوذ على انتباه المشاهد واوصله إلى حد الانجذاب الشديد واثارة للشغف بكل ما يخص تفاصيل حياة الكوريين، والشعور بما يسمى بالاغتراب كما يعرفه المختصين في الاعلام وهو الانسلاخ من قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وفق ما يتعرضون له من مسلسلات وافلام تغريبية تشعرهم بالغربة عن بلدهم ومحيطهم عبر الانبهار بما موجود في حياة الدول المتقدمة التي توجه الدعاية للدول المتخلفة او النامية وتخطط لاستمرار تبعيتهم واستهلاكهم لما ينتجون.

ومع ان المحتوى الظاهر هو جيد وقد أثبتت كوريا الجنوبية قدرتها على صنع محتوى ممتع ومتكامل الا ان كم اليأس الذي يحمله المواطن العراقي والشاب خصوصا من تغيير الحال ودرجة قناعتهم التي تصل للمئة بالمئة ان ما يشاهدونه هو واقع معاش لاناس لا يمكن ان يعيشونه يوم ما في بلدهم زاد من احباطهم ومعاناتهم وتغريبهم.

لم يتخذ الاعلام العراقي دوره الحقيقي في توعية وتحصين الجمهور من قوة القدرة الاعلامية في التأثير على وجدان المتلقي وانفعالاته واثارة حاجاته النفسية والاجتماعية والفكرية ومخاطر مخاطبة الحواس بما يحقق اهداف الاعلام الموجه من الخارج، كما ساهم الاعلام المحلي (السمعي والمرئي والمكتوب)، في الترويج للاعلام الاجنبي على انهم اهل التطور والتحضر والعدالة حتى ترسخت في القلوب والنفوس، وهذه الافكار ساعدت على تحطيم الروح المعنوية عند الجمهور بشكل عام والشباب بشكل خاص الذي راح يقلدهم في الملبس والسلوكيات مما ادى الى ازدواجية وعشوائية في التفكير بسبب تشابك مفاهيم الحضارة الاسلامية وتقاليد وعادات المجتمع الاسلامي وقناعتهم وانجذابهم للفكر الاجنبي.

كما ساهم صراع الكراسي بين السياسيين والأسباب الأخلاقية التي تتعلق بطبيعة الصراع والذي ادى الى تدهور سياسي وامني انتج عوائق تحول دون تطور وبناء البلد جعل المقارنة مشتعلة في نفوس العراقيين بين حياة المجتمعات الاجنبية من كافة النواحي الذي يراه عبر شاشات التلفزيون والمحمول وحياتهم وهم ابناء اغنى بلد في العالم، مما اثرت في نفسيات وعقول وذاكرة الشعب وعملت على تغيير اتجاهاتهم وسلوكياتهم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي