حضارة الاخضرار وسلوك الرمال

عن الشخصية الجنوبية وفن الشرقية

د. علي السعدي

2021-04-28 02:18

العرب أهل رمال وصحراء قاحلة، تهفو نفوسهم الى الماء والاخضرار، فاعتبروه دليل سعادة وراحة، فقد كانت المياه العذبة، حلماً بعيد المنال، والاستحمام يقام في المناسبات، وقد يندلع القتال على بركة تشرب منها القبيلة بناسها ودوابها.

ما كان للعرب أن يحكموا العراق، لولا اندفاعهم بدين وقداسة، رغم ان معظمها معروف لديهم من معتقداتهم القديمة، ولأن العرب يعتاشون على الغزو والحل والترحال، لذا من الطبيعي أن يمقتوا أهل الحقول والزراعة بما تمنحه من طمأنينة واستقرار، لذا ما ان دخل العرب ارض العراق، حتى اطلقوا على اهله (النبط) أي النبت، وهي صفة للمزارع، الذي يعتبر بنظرهم (دونهم مرتبة) لأنه غير محارب، وقد انتقلت هذه النظرة بـ(الدونية) الى النبط أنفسهم ، فصاروا يبحثون لاولادهم أزواجاً وزوجات من غير اهل الزراعة، الذي صاروا يطلقون عليه (فليليح) استصغاراً.

مع مرور الأزمنة، وفي محاولات حثيثة لطمس حضارة وثقافة العراق الأصلية، التي تتنافى وما جاء به أهل الرمال، لذا لم يتركوا مثلبة الا والصقوها بأهل العراق، فحولوا لغتهم العريقة مولدة الحضارة الى اعجمية، واطلقوا على من لا يتعلم العربية ويجيدها (اعجمي) وربطوا التحضر بالعربية وحدها - مادامت لغة الله – رغم ان معظمها مقتبسة او منقولة من لغاتهم الاصلية ذاتها (السومرية – الاكدية – الآرامية - البابلية – الاشورية).

منذ ذلك الحين، لم تتوقف محاولات الطعن بالعراق – الجنوب والفرات الأوسط خاصة - وتوالت الخطب والأحاديث – الملفقة أو الصحيحة – التي استمرت طوال العهود الأموية والعباسية، فتحول تمسكهم بالحرية ورفض الظلم الى شقاق ونفاق، بلسان واحد من اسوأ الإعراب وأكثرهم تجسيدا لقيم الرمال.

ثم جاءت دولة العراق الحديث، ورغم انهم قاموا بالثورة، وانتزعوا دولة ودستوراً وكيانية سياسية، الا ان الحكم ذهب لغيرهم، مع كمّ هائل من المثالب والأحقاد، فتحولت أجمل مفرداتهم السومرية الى معيرة ووصف معيب، مثل شروكي – وتعني في اصلها نشيد الحقول – ومعدان لؤلؤة الماء، ومازال الاعراب يستخدمونها، للنيل من أهل الجنوب.

على هذا المنال، لاغرابة ان يخرج ممثل جنوبي الاصل اعرابي الانتماء والارتزاق، ليظهر شخصية الجنوبي الساذج والابله وكل الصفات المعيبة، رغم ان العراق بكل تاريخه ومورثاته انما يرتبط به، حتى اسم العراق بذاته منبثق من الجنوب، فيما يظهر من خذلوا العراق، وأسأوا اليه، وتسببوا بكل مصائبه عبر التاريخ وشكلوا حاضنة للإرهاب القادم من كل جحور الارض، جعله في موقع ((الرجولة)) والاتزان.

ربما هي من مفارقات الأزمنة، التي رغم انكشافها، مازالت تمارس الرقص عارية، الغريب إن تلك الفئات، يغضبهم حتى الحديث عن حضارة سومر وبابل، ويعتبرونها اشادة بـ(الشروكَ) الذين يجب ان يبقوا تحت مجهر المثالب.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي