النكوص الفكري واعلام الفزعة!
مازن صاحب
2020-07-01 08:12
اعتادت بعض الاقلام الصحفية على وصف الفارق بين عراق ما قبل 2003 وما بعده فقط من خلال توصيف خاص لأحزاب المعارضة العراقية التي اتفقت في لندن مع زلماي خليل زادة على احتلال القوات الأمريكية لوطنهم!، هذا الاحتلال كان في زمانه يمثل قمة الجهاد الفكري والاعلامي لتلك الاحزاب التي تتضمن مع من لحق بها إلى مجلس الحكم البريمري نسبة إلى الحاكم المدني بول برايمر، لكن سرعان ما ظهر النكوص الفكري ما بين رواد المعارضة العراقية فالاختلاف واضح في المنهج العقائدي والاساليب في التعامل مع الهوية الوطنية العراقية وبين واقعنا اليوم.
فانتهى حال مروجوا هذه الاحزاب الى نموذج اعلام (الفزعة) حتى الآن، فكل ما يكون لصالح نادي هذا الحزب يظهر مشجعوه بايات التقديس حتى وان كان فعلا نشازا فيما يعد أي نشاط لنادي حزب منافس مدنسا، وهي طريقة كان لاعبي الملاعب الشعبية يقومون بها على مستوى العاب كرة القدم ولكنها اليوم تمثل حقيقة النكوص الفكري والاعلامي لتلك الاحزاب المتصدية للسلطة من زاخو حتى الفاو والمسؤولة عن مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة وسلاحها المنفلت والاجندات الاقليمية والدولية للأحزاب المهيمنة على السلطة.
يتمثل هذا النكوص الفكري في:
أولاً: إطلاق صفات التقديس على الأشخاص والاحزاب بل وحتى على جماعات مسلحة من منطلق تقديم الفقه الحزبي على العقد الاجتماعي الدستوري النافذ للدولة العراقية فضلا عن القوانين النافذة وما فيها من التزامات على الدولة العراقية أمام الاتفاقات الدولية، وتمثل هذه الازدواجية قمة النكوص الفكري والاعلامي لهذه الاحزاب التي لا تندمج في هوية المواطنة العراقية الجامعة والشاملة بل تذهب إلى التفرقة الطائفية والقومية مرة لاستقلال الاقليم الكردي أو الاقليم السني فيما تبقي الصراع داخل الاغلبية الشيعية لتعاني من شظف العيش وضنك الحياة اليومية من دون ان تبحث هذه الاحزاب أو مروجي ثقافتها عن حلول منهجية واضحة ومباشرة لانتاج دولة مدنية عصرية تكون مقدمة للدولة الحضارية المنشودة.
ثانيا: من بين اوجه هذا النكوص الفكري والاعلامي المتجدد أن كل موبقات مفاسد المحاصصة تعلق على شماعة خارجية مثل الاحتلال الأمريكي للعراق وكان هؤلاء المثقفون الحزبيون يعلمون او لا يعلمون أنهم جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية لاحتلال وطنهم ..عراقنا العزيز ..فيما صدروا افكارا جعلت الشعب العراقي اما فئة منتفعة من هذا النكوص الفكري والاعلامي ..أو راقصة على نيران المقدس والمدنس فظهر عند العراقيين معالم خارج سياقات أي تطبيق للسياسات العامة للدولة والتنمية السياسية فانتهت العملية السياسية الى الانغلاق على ذاتها وتتلاعب بالراي العام لتصدير هذا المقدس اليوم الذي كان بالأمس مدنسا ولعل افضل مثال على ذلك حينما اتهم نظام بشار الاسد بتصديره ارهابي القاعدة للعراق ليقوم من اتهمه بالأمس دعمه اليوم فقط استجابة لتفسير الولاء المزدوج الذي يقدم الولائية الحزبية على الولاء للعقد الاجتماعي الدستوري النافذ عراقيا، وهذا يمثل قمة النكوص الفكري والسياسي لبناء دولة مدنية عصرية للحكم الرشيد، وتغادر جميع مفردات معايير حتى الدولة الفاشلة.
ثالثا: هناك العديد من الدعوات للاصلاح الشامل بحلول تطبيقية عراقية بامتياز ...لكن دائما يكون السؤال من أين نبدأ؟، وجهة نظري المتواضعة جدأ جدأ مطلوب البداية في الاتفاق على هوية وطنية عراقية جامعة شاملة تساوي بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة للدولة، وتلك مهمة من يكررون كلمة الاصلاح الحضاري المنشود، لأنه من دون هذا الاتفاق على أصل الهوية الوطنية العراقية يبقى السؤال معلقا، عن ضياع ضلع اساسي من اضلع مثلث تكوين الدولة بشعب منسجم في الأهداف تجمعه هوية وطنية واحدة، وقطعة أرض معترف بحدودها دوليا، وعقد اجتماعي دستوري لنظام الحكم.
وعراق اليوم تتنازعه هويات المكونات طائفيا وعرقيا من دون أي جهد قامت به الاحزاب المتصدية للسلطة على بلورة استجابة مجتمعية للسلم الاهلي فدائما هناك من يوصف بالمقدس ويديه موغلة بمفاسد المحاصصة ودائما هناك من يوصف بالمدنس وهو يبحث عن طريق الخلاص لرؤية الضوء في نهاية نفق الأزمات المتوالدة ... حتى انتهت الدولة إلى مجموعة اشباح ومسوخ كل منها يعتقد أن الحق عنده فحسب وليس الاعتراف لان حقوقه تنتهي حين تبدأ حقوق الاخرين.