ذات الانسان: بين الحتمية الاجتماعية والاحتمالية الثقافية

وجدان عبد العزيز

2020-02-17 06:49

يمكننا تعريف الذات بأنها نظام معقد تتضمن أربعة مستويات وهي الجزيئية، والعصبية، والنفسية والاجتماعية، وبما أن الذات هي سلوك الفرد، فهي تعتمد على العوامل الفطرية المكتسبة، بالإضافة إلى توقعات الآخرين، لذلك على الفرد أن يفهم نفسه ويعرف عنها آخذاً بعين الاعتبار المستوى الاجتماعي، وليس فقط المستويات العصبية والنفسية، ولذلك تعتبر الذات مفهوماً معقداً، وللذات دور كبير في تفسير سلوك الفرد اليومي.

كما لها دور كبير في تحفيز وتنظيم هذا السلوك، وهي مجموعة من المعلومات المتنوعة التي تصف الفرد، وتتكون من جزأين، أحدهما يخص الفرد نفسه، في حين يتعلق الجزء الآخر بالمجتمع، أوما يعرفه الأفراد عن الشخص نفسه، ونضيف تعريف تعريف هولتر: وقد عرف مفهوم الذات بأنه الطرق التي يستخدمها الفرد للتعريف بها عن نفسه أمام الأفراد.. اذن بنية الذات الإنسانية لا يمكن أن تتحدَّد معالمها إلا مِن خلال منظومة اجتماعية حيوية وفعَّالة، لأن الإنسانَ جُزءٌ مِن الكُل الاجتماعي، وانعكاسٌ عن مِرآة العقل الجمعي، وان القيم الاجتماعية ذات طبيعة إنسانية.

والإنسان هو الإنسان في أي مكان في العالَم، مهما كان دِينه، أو جِنسه، أو عِرقه، أو لَونه، وهذا يَجعل الحالةَ الاجتماعية ذات صِفة حتمية، وتتمتَّع بمسار أُحادي، في حِين أن القيم الثقافية مُتنوعة ومُختلفة تَبَعًا لاختلاف الزمان والمكان وطبيعة الأمم والشعوب، وهذا يَجعل الحالةَ الثقافية ذات مَنحى احتمالي مُتشعِّب ومُتعدِّد المسارات، لكن يبقى الانسان الواعي يدرك موقعه في المنظومة الثقافية، ذات الابعاد الاحتمالية.

لكن الماهية واحدة حين التنقل بين هذه المسارات، كالمسمار في خشب السفينة يختلف عن المسمار في مكان اخر، أي تعددت الوظيفة حسب المكان والماهية واحدة، فكُل عُنصر في البُنية الاجتماعية الثقافية له وظيفة حياتية ودَور وجودي، وثنائيةُ (الوظيفة / الدَّور) تختلف باختلاف المكان، والمكانُ هو الذي يُحدِّد المكانةَ.

والشَّيء نفْسه قد تنتقل وظيفته من النقيض إلى النقيض، تَبَعًا للموقع الذي يُوجد فيه، وهذا يعكس أهمية المنظومة الكُلِّية الجامعة، وسَطوتها على العناصر، ويُشير إلى سيطرة الكُل على الجُزء. والوسيلةُ الوحيدة لمنع التعارض بين الكُل والجُزء، هي تحديد مسارات التوازي والتقاطع في عَالَم الأفكار وتطبيقاتها، لأن الأفكار صانعة الواقع.

ومهما كانت الأفكار مُتحرِّرة ومُنطلقة، فلا بُد أن تُصَبَّ في قوالب واقعية محدودة، لأن الواقع نابع من بيئة الحياة الملموسة، لذلك يتَّصف بأنه محدود ومحصور، أمَّا الأفكار فنابعة من بيئة الخيال غير الملموسة، لذلك تتَّصف بالتحرُّر والانطلاق والاحتمال، وكما أن السيطرة على سِكك الحديد، تَمنع تصادم القطارات، فكذلك السيطرة على مسارات المجتمع، تَمنع تصادم الأفكار.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا