حق الإعلاميين بالوصول للمعلومات: إنعاش للتنمية والديمقراطية

د. كامل القيّم

2019-06-15 04:45

الإعلام وقوى حجب المعلومات: ((إن وصول المعلومات الى قنوات الصحافة والإعلام يعني إتاحتها الى الجمهور، حينذاك تكون الديمقراطية بكل خير وبهاء وترحيب)).

لم يتعرض صراع أزلي بين قطبين متلازمين في القرون الماضية الى صراع عارم، مثلما كان بين حرية التعبير والسلطات الحاكمة، ولست أغالي القول ان منبع التطورات التقنية والإبداعية كان محركها الأول هو القهر والتعسف على حرية التعبير والرقابة السلطوية، وقد مرت وسائل الإعلام، بمخاضات عسيرة الى ان وصلت الى التشريعات والحرية المفترضة التي تنعم بها دساتير الأمم والشعوب، وكان ميلاد الطباعة بشكلها التكنولوجي هو المسمار الأول في نعش التسلط والتحديد لحريات التعبير، اذ كانت الأفكار والمعلومات حبيسة المدرسة الكنسية، ورجال السلطة، وقد أيقظت الطباعة الضمير الإنساني الى أفكار تنويرية وطروحات كانت تحبس على العامة، وبذلك كان الفكر البشري قد وجد مساقاً جديدا ومتنفساً للفهم والتفسير، وكان هذا التنوير قد أرغم السلطات في الدول التي بدأت فيها حركة النشر والتأليف والعمل الصحفي ان تنشئ التشريعات والضوابط لحدود تداول الأفكار والأخبار، وكان المفكر (جون ملتون) قد عهد على نفسه مثلاً توصيل الصحف الى خارج حدود انكلترا إيمانا منه بأهمية الكلمة والرأي، خوفاً من بطش السلطة آنذاك، وقد عززت الحرب العامية الأولى التمسك بقنوات الإعلام والصحافة باعتبارها أداة للتغير فى شعوب الدول المتحاربة باستخدام الاستمالة العاطفية اذ كانت لاول مرة يتعاظم دور استخدامات وسائل الإعلام فى الدعاية والحرب النفسية والتى رافقها طروحات علم نفس الاجتماعي فى تعاظم التأثير لهذه الوسائل ‘ ومع ولادة الإذاعة المسموعة فى مدينة بتسبرغ الأمريكية كان هذا الاهتمام الاحتضان قد تضاعف حينما ايقنت السلطات بالإمكان توجيه هذه الوسائل على النطاق المحلى والخارجي وحينها بدأت تظهر ملامح علاقة وسائل الإعلام والسلطة

فكل فلسفة سياسية واقتصادية نظرت الى هذه الوسائل نظرة مختلفة تبعا لاطارها ونظرتها تجاه حرية التعبير وتراوحت هذه الفلسفات بين الفكر الحر الاشتراكي والتسلطي (الشمولي )ولكن فى حقيقة الأمر كانت السلطات السياسة والاقتصادية قد وظّفت هذه الوسائل بالشكل الذي يخدم أغراضها وتوجهاتها السياسية فقد ضربت هذه السلطة وتران أساسيان هما( التمويل وحدود الحرية فى التعبير) وهكذا سار الجميع بحسب متطلبات الصراع للسلطة الحاكمة على الصعيد تخدير المجتمع محليا وكسب ود الشعوب الأخرى من خلال تجميل الصورة دعائيا وبشكل عام لايمكن لنا ان نقر ان هناك حرية فعلية للإعلام بحسبما هو مكتوب فى الدساتير والتشريعات التي يلوح بها الجميع وعلى الرغم من ان لامتلاك وسائل الإعلام اتجه نحو القطاع الخاص الى انه فى ذات الوقت محكوم بالسلطة السياسية و الاجتماعية ولكن هذا لا يعنى ان حرية الإعلام وعلاقتها بالأنظمة والحكومات تسير بسياق واحد وبالتالي فنرى هناك تباينا فى السطوة التي تمارسها الأنظمة على وسائل إعلامها بحسب البيئة الاجتماعية وشكل نظام الحكم السائد.

بعض المواثيق والاتفاقات الدولية المعنية بحرية الوصول للمعلومات

* ديباجة الاعلان العالمي لحقوق الانسان( مادة 19 )

* المادة (19 ) من ميثاق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

* اعلان الامم المتحدة / اليونسكو / صنعاء 1966 الخاص باستقلال وتعددية مصادر الحصول على المعلومات.

* اعلان ويند هوك الخاص بالصحافة المستقلة الصادر عن الامم المتحدة / اليونسكو / 1991.

* اعلان المآتا لعام 1992

* اعلان سانتياغو لعام 1994

* المواثيق والاتفاقات الاقليمية ( الميثاق الاوربي، الافريقي، العربي لحقوق الانسان ).

الرقابة والتقويم على مضمون وسائل الإعلام :

لاشك ان علينا التفريق بين مفهومي الرقابة والتقويم، فالرقابة على وسائل الإعلام بحسب الأدبيات الإعلامية هي ماتعني ( ملاحظة خروج مضمون وسيلة إعلامية معينة على ضوابط وتشريعات دستورية او قانونية من جهه مخولة حكومياً بالشكل التي لها صلاحيات إغلاق او حجب او تجريم او تغريم كاتب الرسالة الإعلامية او من يملكها او من يحمل امتيازها والتي بحسب تلك التشريعات تعد خرقاً للقانون المنصوص عليه في الدولة ).

وقد كانت التشريعات الإعلامية في كل الدساتير قد أبقت قدراً ما من هذا المفهومات بشكل محير، ففي بعضها تقر مثلاً ( بحرية الإعلام المسؤولة ) والأخرى تسمي حرية التعبير ( الرقابة الذاتية ) أو بالشكل الذي لايضر بالمجتمع، او أن لا يتجاوز على حدود الضوابط الاجتماعية بالشكل الذي يضر المجتمع، وهنا تكمن الصعوبة في فرز الحدود الإجرائية للسياق أو الخطاب الذي يترجم او يؤشر على انه ( إعلام مسؤول او ذاتي او لايضر او تعارض مع الضبط الاجتماعي ومصلحة الوطن العليا ) هذه الحدود الباهتة التي لايمكن باي شكل من الإشكال ان تتوضح لان الطرفيين المسؤول عن الأمن الثقافي للمجتمع يحتاجها والصحفي الحر يحتاجها، فالاثنان قطبا القضية هما يتقاسمان عدم الوضوح.

ومع ان الأنظمة الاستبدادية والشمولية ترى في الرقابة عامل بناء وضبط اجتماعي او عقائدي وهو حق من حقوق الدولة على وسائلها او من يملونها، فان التغييرات الجذرية التي طالت المجتمعات وتنامي الوعي في حقوق الإنسان والنظم الديمقراطية كان هذا الاعتقاد والممارسة قد خلفت ورائها تاريخا من الاستبداد والخنق الفكري، سرعان ما بدأت تعيش في أجواء أكثر تقبلاً لمفهوم النقد الحكومي او السياسي، واغلب الظن ان الرقابة نوعان الرقيب الإعلامي من داخل المؤسسة ( والذي يسمى بالاصطلاح الإعلامي حارس البوابة ) يعمل على في أكثر الأنظمة استبداداً بثلاث اتجاهات اغلبها تصب في الآتي :

1. حجب او منع رسالة إعلامية كان من المفترض ان تنشر الى الرأي العام وفيها تبصير بأخطاء الحكومة او من يمثلها بصيغة مباشرة او مستترة.

2. حذف او إضافة مادة او فكرة يرى إنها لاتتماشى مع سياسة المؤسسة ( تحرير توظيفي ).

3. انتقاء وتكرار وفرض رسالة إعلامية عن سواها في وقت معين، وهذا ما تم العمل به أخيرا تحت تسمية (الرقابة الذاتية ).

4. تجاهل التصريح او التغطية لحدث او لواقعة، تعد أساسية للرأي العام، من قبل المعنيين او المسببين لها.

اما النوع الآخر من أنواع الرقابة فهو مايدعى بالرقيب الحكومي الإجرائي : ويعمل وفق فريق عمل رقابي لمضمون وسائل الإعلام وله الحق في إحالة المؤسسة الخارقة للضوابط للقانون او بتشريع منه ( بحسب صلاحياته من قبل النظام الحاكم ).

3- أهمية الحصول على المعلومات في العمل الإعلامي

يؤكد المختصون في مجال المعلومات الاجتماعية من أن القدرة على التجديد هي رهينة التحكم في المعلومات وحسن توظيفها وسهولة الوصول لها.فمجتمع المعرفة والمعلومات إذن هو (( حالة من الامتياز الفكري والمعرفي والتقني ومن التقدم العلمي والإعلامي ))، كذلك وصف على انه الثورة المتعددة المعاني والاتجاهات. ولكن ما التأثيرات التي الممكنة في مجال تكنولوجيا الاتصال والإعلام؟

لابد من الإشارة إلى التفاوت الكبير في بنوك المعلومات وطرق الإفادة منها، مما جعل الخارطة الإعلامية في العالم تبدو لا متوازنة وتميل الى مشهداً مفاده (البعض يبتلع الكل) من خلال الهيمنة والتسلط بعضه تقني والآخر يتعلق بالخبرة ودرجة الحريات الإعلامية وتشريعاتها وارتفاع مستوى التعليم وبالطبع الى طبيعة النظام السياسي السائد.وينعكس هذا التفاوت بطبيعة الحال على سرعة الوصول إلى المعلومات اولاً وتوظيفها في الوقت المناسب ثانياً.

والحقيقة الماثلة لنا تؤكد تباين الإمكانات التوظيفية على ما يمكن تسميته ( فجوة المعرفة ) والتي تعترض سير عمليات تداول المعلومات بشكل عام، ومعطيات الإعلام بشكل خاص، بين ثنايا المجتمع، فلا تزال بعض الصحف ووسائل الإعلام المحلية تنظر إلى المتلقي نظرة ( السجين السابق ) الذي لا يتعرض إلا الى قناته، وهي تسير بهذا الافتراض لاغيةً الفهم الحقيقي والواقعي الذي تسير بها عمليات التعرض إلى وسائل الإعلام المختلفة، فضائية ام أخرى مسموعة أم مقرؤءة من وجهة النظر الخاصة أرى من المفيد ان تُراجع الملفات الإعلامية بشكل شامل ومعمق، وعلى أساس تفهم جملة من اعتبارات التغيير منها: الحتمية التقنية، وشيوع الديمقراطية وحق الإنسان بحرية تداول المعلومات، وإخضاع العمل الإعلامي للسلوك العلمي الميداني.

4- مفهوم المعلومات:

هي كل الحوادث والأخبار والأنشطة والحقائق والبيانات المتعلقة بحراك المجتمع والإفراد والحكومة، في الجوانب المختلفة، والتي يراد لها ان تنشر وتعمم الى الرأي العام بغرض اتخاذ موقف او رأي صائب نحوها.

وتقسم المعلومات المتعلقة بوسائل الأعلام الى :

1- معلومات عامة ( منظورة )

2- معلومات مجهزة ومتاحة

3- معلومات لايمكن الوصول الا بتصريح مؤسسي او حكومي

4- معلومات أساسية للرأي العام متعلقة بعمل الحكومة وأجندتها المستقبلية تحجب عن وسائل الاعلام في الغالب.

5- معلومات متعلقة بكواليس السياسة الخارجية والأمن والدبلوماسية وهذه تحمى من الإطلاق بموجب بعض فقرات الدساتير، كالأمن القومي، والمصلحة العامة.

5-الإعلام العراقي بين الرقيب وسياسات حجب المعلومات:

لابد من الإشارة الى قضية أساسية متعلقة بالعلاقة بين الإعلام العراقي وقضية الحرية الإعلامية، فمنذ ولادة المؤسسة الصحفية العراقية الأولى في العراق، كانت صفعة الانتقاء والحجب هي الأولى لمسار الصحافة العراقية،

فالإعلام العراقي يعد خير مثال على مستوى التناغم بين الوظيفة الإعلامية من جهة والانسياق الى طبيعة النظام من جهة اخرى، ففي الحكم الملكي كانت هناك لوائح وتشريعات تنظم العلاقة بين وسائل الإعلام والمتلقي من خلال جملة من الضوابط التى سارت الى حد كبير فى تنظيم شؤون الطباعة والنشر ان ذاك وسارت هذه الضوابط بتعديلات وإضافات تشريعية بحسب الحكام الذين تعاقبوا على حكم العراق فقد مرت الكثير من الشواهد على تعطيل وحجب بعض الصحف والمطبوعات نتيجة خروجها عن بعض الخطوط التى وضعتها السلطات وخاصة فى فترة الخمسينات والستينات.

وبعد تولى النظام السابق مقاليد سلطة العراق كان الإعلام العراقي قد سار على أفق سياسي يعبر ويشيع طبيعة وتوجهات هذا النظام إذ كانت جميع وسائل الإعلام مملوكة للدولة وبالتالي تعبر عن سياستها من خلال حصر وتقنين قنوات معينة مقرؤة او مرئية او مسموعة وهنا بالطبع كان لا مجال للحديث عن حرية الإعلام او وظيفته فى التعبير عن ضمير المجتمع واحتياجاته الأساسية ولا نريد ان نعرج على طبيعة التوظيف الدعائي والسياسي الذي كان قد مارسه النظام من خلال الأجهزة الإعلامية لأنه واضح للعيان كجزء من مؤسسات الدولة التحريضية التى ارتكز عليها فى خطابه السلطوي.

6-مصادر وأدوات المعلومات الإعلامية الأساسية :

1- المراسلون

2- المندوبون

3- كتاب التحقيقات

4- قسم دراسات الرأي العام

5- الانترنت

6- الفضائيات

7- وكالات الأنباء الدولية والإقليمية والمحلية

8- تصريحات المسؤلين في الحكومة

9- الكتب والمراجع والصحف والإذاعات الموجهة والمحلية

10- المكاتب الإعلامية في الوزارات والدوائر

11- ثنايا المجتمع الأخرى، ثقافية، اقتصادية، مجتمعية

القضايا المحجوبة إعلاميا

1- السياسة العامة للحكومة

2- العلاقات الخارجية

3- الاستثمارات الأجنبية

4- جدول التخصيص المالي السنوي

5- صرفيات المؤسسات والدوائر

6- مسببات الإخفاقات لبعض القضايا التي أعلنت في السابق

7- دواعي القرارات والتشريعات الصادرة والمنفذة

8- التسريب الخبري الانتقائي.

9- أجندة الحكومة ومجلس النواب

10- حجم الأضرار الناجمة عن الكوارث والإرهاب

11- حجم الفساد الإداري والمالي في ثنايا المؤسسات.

12- المقارنة بين المعلن والمنجز الفعلي للمشروعات

13- قرارات مجلس شورى الدولة ومجلس الوزراء والنواب

14- كل القضايا التي يحتاجها الرأي العام للاستفهام عن حدث او قضية او حلول بالشكل الذي لا يتعارض فعلياً بالضرر على المصلحة العليا ( للمجتمع ) وليس على الحكومة.

15- سياسات التنمية المستدامة

16- الإحصاءات الاجتماعية، قوى العمل، البطالة، الأمراض، معدلات الاستهلاك اليومي

17- التجارة الخارجية، والموارد الداخلية

18- مشكلات وإخفاقات الإدارة الحكومية في المؤسسات ودوائر الدولة، والمتحقق الشهري منها.

19- الشفافية في مصروفات وإيرادات المسؤلين السنوية.

20- التهديدات الإستراتيجية، النفط، الصناعة، الأراضي، المياه، دول مجاورة، مستوى التعليم

21- التحالفات والاتفاقات التجارية والعسكرية والأمنية.

22- ملفات الحكومة الأخرى

استنتاجات الدراسة:

* العبرة ليست بالنص التشريعي بقدر ما يمكن تطبيقه في الجانب الإعلامي الميداني.

* الحقوق تؤخذ ولا تعطى، باعتبارها جزء أساسي لحقوق الإنسان، فهي ليست منحة من الحكومة او المشرع.

* تلك الحقوق يقابلها واجبات، ومسؤولية تجاه الشؤون العامة، وضمن إطار شرف المهنة الصحفية ومعاييرها المهنية.

* حرية الرأي والوصول للمعلومات تخدم بالدرجة الأولى حكم الأغلبية، وتعمل على إتاحة مناخ سياسي وثقافي لصنع القرارات بصيغة جمعية.

* الوصول للمعلومات أداة فاعلة لمقاومة الفساد الإداري والمالي.

* الوصول للمعلومات يجسد الديمقراطية ويتيح فهماً أوسع للمحيط السياسي والاجتماعي، وبالتالي يرفع من مسؤولية الجميع، حكومة، ام رأي عام.

* حرية التعبير والوصول للمعلومات أصبحت الشريان الابهر للتنمية الوطنية وأساس رقابي على تقليل الزلل الحكومي والمؤسسي.

* الرسالة السامية للإعلام هي الوصول للحقيقة وحراستها، فبدونها لا يمكن الحديث عن التنمية والإصلاح والمواطنة والانتماء وغيرها من تزوبقات تخدير دهاليز السياسة.

* ترتبط حرية الوصول للمعلومات ارتباطا كبيراً بازدياد المسؤولية للإعلاميين في الارتفاع بقدراتهم المهنية وتطوير أدواتهم الفكرية في تصويب واستخدام المعلومات المتاحة التي نناضل لإتاحتها.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا