لماذا لا توجد حرية للإعلام في مصر؟
عبد الامير رويح
2018-05-01 07:20
فوز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاخير بولاية رئاسية جديدة، سيسهم وكما يرى بعض المراقبين باستمرار الانتهاكات الخاصة بملف الحقوق والحريات في مصر، التي تتعرض لانتقادات كبيرة من قبل الكثير من المنظمات والمؤسسات الحقوقية، خصوصا وان الحكومة المصرية قد سعت ومنذ تولي السيسي، الى تشريع قوانين خاصة تحرم الكثير من النشاطات والمظاهرات، وعمدت أيضا الى الكثير من النشطاء والإعلاميين المعرضين هذا بالإضافة الى غلق العديد من الصحف والمواقع الإعلامية، وتزايد وتيرة استهداف الصحفيين والقبض عليهم بتهم وقضايا مختلفة، واكدت بعض التقارير ان فترة حكم السيسي قد شهدت أكبر الانتهاكات ضد الصحفيين المصريين وباقي النشطاء، ولعل اهمها اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها، على خلفية الاحتجاجات على اتفاقية تيران وصنافير. ومنذ ذلك الحين، تصاعد قمع السلطة وممارساتها السلطوية على المشهد الإعلامي والصحفي في مصر، وظهر ذلك جليًا في مصادرة أعداد من الصحف، والضغوط الأمنية على بعض القنوات لوقف عرض بعض البرامج التي تحمل ما بين الحين والآخر نبرة معارضة للنظام.
وقال جمال عبد الرحيم ، عضو مجلس نقابة الصحفيين بحسب بعض المصادر، إن حجب المواقع الإخبارية في مصر له أضرار داخلية وخارجية جسيمه بالنسبة لمصر، حيث أن أضراره الخارجية أخطر وأكبر بكثير ، موضحًا أن حجب المواقع يُعطى انطباع للخارج بأن مصر تُصادر الحريات وتتحدى الصحف وهناك تراجع كبير في حرية التعبير خلال العامين الماضيين. وأضاف عبد الرحيم أن حرية الصحافة في مصر تتراجع، حيث أن إغلاق وحجب المواقع تُسيء لسمعة مصر في الداخل والخارج، وهناك أكثر من 13 صحيفة حزبية وخاصة توقفوا بعد ثورة 25 يناير حتى الأن ، بجانب تسريح أكثر من 600 صحفي.
وأشار عضو مجلس نقابة الصحفيين، إلى أنه لا أحد يعلم حتى الآن من المسؤول عن حجب المواقع، ولكنه يعتقد بأنها جهة رفيعة المستوى، موضحًا أن دور نقيب الصحفيين عبد المحسن سلامة هو التواصل مع مكرم محمد أحمد ومخاطبة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فقط، مضيفًا موقف نقابة الصحفيين من تلك القضية أقدر أوصفه للأسف إنه موقف سلبي. وتابع “نعاني ونواجه مشكلة خطيرة جدا وأتمنى حلها ، نقيب الصحفيين محسوب على النظام.
قوانين صارمة
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف قال حاتم زكريا السكرتير العام لنقابة الصحفيين المصرية إن نيابة أمن الدولة العليا استدعت رئيس تحرير صحيفة (المصري اليوم) السابق محمد السيد صالح وثمانية من صحفييها للتحقيق معهم بعد تغطية الصحيفة، التي انتقدها مسؤولون حكوميون، لانتخابات الرئاسة. وأضاف أن الصحفيين التسعة سيمثلون للتحقيق مشددا على أن النقابة ستدعمهم خلال مختلف مراحل التحقيق. وتابع ”يبدو أن الهيئة الوطنية للانتخابات قدمت ضدهم بلاغا للنيابة“.
ونشرت الصحيفة عنوانا رئيسيا في صفحتها الأولى يوم 29 مارس آذار يقول ”الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات“ التي أجريت في داخل البلاد أيام 26 و27 و28 مارس آذار. وفاز الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية أمام مرشح وحيد مؤيد له ولا يتمتع بثقل سياسي. وبسبب تغطية المصري اليوم للانتخابات غرمها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام 150 ألف جنيه (8400 دولار). وبعد أيام أقالت إدارة الصحيفة صالح دون إبداء سبب وقالت إنه سيظل من كتاب الرأي الرئيسيين فيها.
وكان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قد فرض أيضا غرامة 50 ألف جنيه على موقع (مصر العربية) بعد أن أعاد الموقع نشر محتوى من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحدث عن إغراءات مزعومة لناخبين مقابل الإدلاء بأصواتهم. وأغلقت السلطات مقر الموقع وألقت القبض على رئيس تحريره عادل صبري الذي أمرت النيابة العامة بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بتهم من بينها إدارة موقع دون ترخيص والانضمام إلى جماعة محظورة. و(مصر العربية) واحد من نحو 500 موقع حجبتها السلطات المصرية خلال الشهور القليلة الماضية لكن كان ممكنا تصفحه من خلال تطبيق معين.
وقالت صحفية من بين من تم استدعاؤهم للتحقيق طالبة ألا ينشر اسمها إنها تلقت إخطارا من نقابة الصحفيين بالمثول للتحقيق. وأضافت ”أبلغتني النقابة أن الهيئة الوطنية للانتخابات قدمت البلاغ ضدنا“. ولم يتسن الاتصال بمسؤولي الهيئة الوطنية للانتخابات للتعليق. وكانت الهيئة قد توعدت بمحاسبة من ينشرون أنباء غير صحيحة عن سير العملية الانتخابية. ويقول المسؤولون إن التصدي للأخبار الكاذبة أمر ضروري للأمن القومي. لكن الصحفيين المحالين للتحقيق يقولون إن تغطيتهم للانتخابات كانت أمينة. بحسب رويترز.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي ومسؤولون آخرون من بينهم رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات لاشين إبراهيم قد حثوا الناخبين على الإدلاء بأصواتهم بأعداد كبيرة في الانتخابات التي اعتبرها السيسي استفتاء على فترة رئاسته الأولى. ونفى مسؤولون أن تكون أي من مؤسسات الدولة قدمت مغريات أو مارست ضغوطا على ناخبين للإدلاء بأصواتهم.
مروجي الأخبار الكاذبة
الى جانب ذلك قال محامي الصحفي المصري مصطفى الأعصر إن موكله لم يكد يبدأ في العمل على فيلم وثائقي ينتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى ألقت الشرطة القبض عليه واتهمته بنشر ”أخبار كاذبة“. وأضاف المحامي أن الصحفي اعتقل حتى قبل أن يبدأ التصوير. ولم ترد الحكومة على طلبات للتعليق.
جاء القبض على الأعصر قبل انتخابات الرئاسة وتقول السلطات إن كبح الأخبار الزائفة ضروري لحماية الأمن القومي. وتتهم السلطات وسائل إعلام بشكل متكرر بالافتقار إلى المهنية في التغطية الخاصة بمصر وتدعو الصحفيين إلى الاعتماد فقط على المنافذ الرسمية كمصادر لهم. ولطالما دعا ممثلون للنيابة في مصر إلى ضرورة إسكات وسائل الإعلام المعارضة.
وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان مثل مؤسسة حرية الفكر والتعبير واللجنة المصرية للحقوق والحريات إن الغرض من تهمة نشر أخبار كاذبة هو كبح المعارضة واستهداف الصحفيين والسياسيين بل ونجوم غناء.
وحجبت مصر أيضا مئات المواقع في الشهور الأخيرة في تشديد للرقابة على الإعلام الإلكتروني. وانتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين حملة مصر على الحرية السياسية وحرية الصحافة وتحدث عن ”مناخ الترهيب السائد“ قبل الانتخابات. وذكر تقرير الأمم المتحدة أن أكثر من 400 موقع إلكتروني لوسائل إعلام ومنظمات غير حكومية حجبت. ورفضت وزارة الخارجية المصرية التصريحات باعتبارها ”مزاعم لا أساس لها من الصحة“. بحسب رويترز.
وفي 2015 أصدر السيسي عفوا عن ثلاثة من صحفي تلفزيون الجزيرة سجنوا لثلاثة أعوام بسبب العمل دون تصريح صحفي وبث مواد تصر بأمن مصر. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن العفو الذي شمل نحو 100 شخص سجنوا في جرائم أخرى هو جزء من مبادرة من السيسي للإفراج عن عدد من الشبان.
من جانب اخر قال موقع صحيفة (المصري اليوم) على الإنترنت إن مجلس إدارة الصحيفة وافق على تعيين الكاتب الصحفي حمدي رزق رئيسا للتحرير بعد إقالة رئيس تحريرها محمد السيد صالح. وكان صحفيون في المصري اليوم قالوا إن إدارة الصحيفة أقالت صالح بعد تغريمها 150 ألف جنيه (8400 دولار) بسبب تغطيتها التي انتقدها مسؤولون حكوميون لانتخابات الرئاسة.
ويكتب رزق مقالا يوميا في الصحيفة بعنوان (فصل الخطاب). ومن قبل شغل منصب رئيس تحرير مجلة المصور التي تصدرها مؤسسة دار الهلال المملوكة للدولة. وأكد صحفي كبير بالجريدة خبر إقالة صالح الذي كان قد نشر على صفحة خاصة بعاملي المصري اليوم على فيسبوك وجاء فيه ”تقرر إنهاء تكليف الأستاذ محمد السيد صالح كرئيس تحرير للمصري اليوم على أن يستمر كاتبا رئيسيا للرأي في الجريدة“. وقال صحفي آخر في المصري اليوم طالبا ألا ينشر اسمه ”هناك تحقيق داخلي في الصحيفة. هناك مراجعة داخلية للأمور“ على ضوء تغريم الصحيفة وتعرضها لحملة انتقادات من وسائل إعلام مؤيدة للحكومة.
مصر واليونسكو
على صعيد متصل حذرت مصر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من منح مصور صحفي مصري محبوس احتياطيا جائزة لحرية الصحافة واعتبرت ذلك تسييسا للمنظمة وخروجا على الأهداف التي أنشئت من أجلها. وكانت السلطات المصرية ألقت القبض على المصور محمود أبو زيد الذي يلقب بشوكان في أغسطس آب 2013 خلال فض اعتصام لمؤيدي جماعة الإخوان المسلمين بمحيط مسجد رابعة العدوية في شمال شرق القاهرة. ولا يزال محبوسا إلى الآن.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إنها أحيطت علما ”باعتزام منظمة اليونسكو منح... شوكان جائزة دولية لحرية الصحافة“. وتمنح اليونسكو جائزة سنوية لحرية الصحافة قيمتها 25 ألف دولار لمن يسهم في الدفاع عن حرية الصحافة أو تعزيزها في أي مكان في العالم خاصة إذا انطوى عمله على مخاطرة. وستعلن اليونسكو الفائز بالجائزة في الثالث من مايو أيار. ولم يتسن معرفة أسماء المرشحين للجائزة هذا العام أو إن كان شوكان أحدهم.
وعبر المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد عن ”الأسف الشديد لتورط منظمة بمكانة ووضعية اليونسكو في تكريم شخص متهم بارتكاب أعمال إرهابية وجرائم جنائية منها جرائم القتل العمد والشروع في القتل والتعدي على رجال الشرطة والمواطنين وإحراق وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة“. ومضى قائلا ”هذا المشهد المؤسف يعيد إلى الأذهان ما سبق أن أثير حول تسييس اليونسكو“. وأشار إلى صدور بيان مصري في وقت سابق هذا الشهر ”حذر من مغبة إقحام اليونسكو في موضوعات وقضايا سياسية تتنافى مع المبادئ والمقاصد التي أنشئت من أجلها“.
وتقول منظمات حقوقية إن شوكان كان يمارس عمله الصحفي وقت احتجازه ولا صلة له بالعنف الذي وقع خلال عملية فض الاعتصام التي أسفرت عن مقتل مئات من أعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين وعدد من رجال الأمن.
وكان الجيش قد أعلن قبل فض الاعتصام بأسابيع عزل الرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما. وقال المحامي كريم عبد الراضي الموكل للدفاع عن شوكان إنه يأسف لأن وزارة الخارجية لم تعمل بقاعدة ”المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته“ بينما تحاول حجب جائزة عن شوكان. كما عبر عن أسفه لاستمرار احتجاز شوكان في حين أن أقصى مدة للحبس الاحتياطي في القانون المصري عامان. بحسب رويترز.
وقال بيان وزارة الخارجية المصرية إن اتصالاتها ”تشير إلى أن ترشيح المتهم شوكان لهذه الجائرة قد جاء بدافع من عدد من المنظمات غير الحكومية“ من بينها ”منظمات تحركها دولة قطر المعروفة بمساندتها لجماعة الإخوان الإرهابية ومحاولتها المستمرة الدفاع عن تلك الجماعة“. وكانت مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين قد أعلنت قبل نحو عام قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وأوقفت الرحلات الجوية والبحرية والبرية منها وإليها متهمة إياها بدعم الإرهاب. كما أعلنت الدول الأربع عن مطالب من بينها إغلاق قناة الجزيرة في قطر وتخفيض مستوى العلاقات مع إيران.