على من يقع اللوم في ظاهرة دونالد ترامب؟
المونيتور
2016-11-05 06:28
ريل كلير بوليتيكس
بدأت التحاليل بالأسباب التي أدت إلى ظاهرة دونالد ترامب قد انطلقت منذ فترة طويلة قبل بدء التصويت المبكر.
قام الخبراء والمطلعون في البلد بتوجيه أصابع الاتهام إلى المشتبه بهم البديهيين:: وسائل الاعلام المحلية التي سمحت لترامب بالاستحواذ على ميكروفوناتهم وهيلاري كلينتون لكونها المرشحة السرية غير الفعالّة والحزب الجمهوري الذي فشل بوضع حدّ لترامب وعرقلته منذ بداية انطلاقه.
ولكن عدد قليل من الصحفيين السياسيين تكبّدوا العناء بالتركيز على المحسوبية الرأسمالية وتغلغلها في الحزبين السياسيين الرئيسيين أو كانوا على استعداد للكشف عن كيفية قيام هذين الحزبين بإساءة إدارة العولمة، والتنازل عن مسؤولية الدين الوطني والامتناع عن صياغة سياسة للهجرة.
بالفعل، لقد نجح ترامب المتباهي بثروته وعلى عكس المتوقع أن يصبح بطلًا شعبيًا. ولكن ليس من المستغرب أن تشكّل الطبقة العاملة الأميركيّة، التي لم ترَ أي زيادة في الأجور منذ جيلٍ واحدٍ، كتلةً انتخابيةً مضطربةً.
في المقابل، تمّ تصوير ناخبي البلاد الذين قلبوا الحزب الجمهوري رأسًا على عقب في عام 2016 على أنهم مجموعة مغفلين ومتعصبين تحولوا إلى عصابة متوحشة اختارت ترامب ليكون حامل لواء الحزب الجمهوري.
وفي هذا السياق، يجب إلقاء اللوم على طرفٍ ما. ولكن من يا ترى؟ هذا يعتمد على من تطرح عليه هذا السؤال.
فكلينتون على سبيل المثال، استهدفت ناخبي ترامب أنفسهم، واصفة إيّاهم "بالبائسين". من جهته توم فيلساك وهو مسؤول في مكتب كلينتون وحاكم ولاية ايوا السابق كان أكثر دبلوماسية بإلقائه اللوم على ترامب، قائلًا إنه رجل مخادع.
وقال فيلساك في حديث إلى الـ إن بي سي: " دونالد ترامب في السياسة شبيه ببيرني مادوف في الاستثمار. فهو يبيع الناس ما لا يفهمونه تمامًا ويعي ما يعنيه في الواقع".
أما ماكس بوت الذي يصف نفسه بأنه محافظ ولديه نظرة مدروسة حول سياسة بلده الخارجية، يلقي اللوم على الحزب الجمهوري الذي جرت العادة فيه منذ أيام ترشيح دوايت أيزنهاور بالتخفيف من قيمة خطابه السياسي ليظهر بصورة "الحزب السياسي الغبي"، وذلك بحسب تصريحات بوت التي لن تنسى.
ولكن أكثر التفسيرات الملتوية قام بها الخبير المالي الديموقراطي ستيفن راتنر الذي قال للمشرعين الجمهوريين "لقد خلقتم الغضب الذي عزّز ترشيحه". ولكن كيف قاموا بذلك؟ عبر امتناعهم عن التصويت للبرامج الحكومية الكبيرة التي سعى إليها الرئيس أوباما.
أما في أبرز المحطات التلفزيونية والصحف الليبرالية، فقد اتخذ المعلّقون موقفًا أكثر وضوحًا متهمين الحزب الجمهوري بالانجرار وراء الضوضاء لدرجة أنهم باتوا غير قادرين على السيطرة على الوضع.
الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان يلقي اللوم على قيادة الحزب الجمهوري "لتأجير" أنفسهم لأي كيان من شأنه تنشيط القاعدة ومساعدة الحزب على البقاء في السلطة.
أما الصحفيّ في الواشنطن بوست دانا ملبانك ذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً: "قد يكون ترامب وحشًا ولكنه الوحش الذي خلقه الجمهوريون أنفسهم".
في هذا السياق، تم وصف الحزب الجمهوري بأنه حزب عنصري معاد لمثليي الجنسية والمهاجرين والأقليات وأنه لا يوفر الحماية للنساء ناهيك عن عدم تبنيه لمقاربة تعددية أخلاقية وثقافية.
وقد تمادى بعض الديمقراطيين في وسائل الاعلام إلى حدّ التصريح أن التشكيك بأخلاق كلينتون وأسلوب حملتها هو خير دليل على التحيّز الجنسي ومن يعترض على سياسات أوباما هو عنصري.
وقد قام هؤلاء الليبراليين حتّى بتبجيل كلّ رئيس جمهوري وكل من ترشح للرئاسة لم يكن يدعى ترامب.
فقد قال كريس ماثيوز على الـ إم إس إن بي سي خلال معارك الموازنة عام 2011: "كان هناك شيء لم يعد موجود اليوم". وهو كان يقصد قدرة رونالد ريغان على التفاوض مع رئيس مجلس النواب أونيل.
وفي البرنامج نفسه قال الكاتب اليساري جون والش: "يمثل الرئيس أوباما شخصية ريغان اليوم". وبدأت تظهر عبارة "نشتاق إلى ريغان" على بعض الملصقات وحتى أوباما نفسه قام باستعارة تعبير ريغان الشهير عن "مدينة على تلة" في مؤتمر ترشيح الديمقراطيين في عام 2016 وإن كان ذلك كوسيلة لمهاجمة ترامب وحسب.
وفي السياق نفسه قام بعض الديموقراطيين البارزين ووسائل الإعلام الموالية لهم أيضًا ولأول مرة بالتعبير عن تقديرهم لميت رومني وجون ماكين وحتى جورج بوش.
وعن رومني، قالت ستيفاني كوتر التي كانت نائبة مدير حملة أوباما لعام 2012 مؤخرًا "كان لديه أسبابه المنطقية فهو كان يرغب حقًا ببناء وطن أفضل".
أما فرانسيس فوكوياما فقد كتب في مجلة تايم: "مقارنةً بدونالد ترامب جورج دبليو بوش كان مثالًا للحنكة".
وهلّم جرًا في التصاريح المشابهة ولكن المشكلة تكمن في واقع أن هؤلاء التقدميين تحدثوا باللغة نفسها عن جمهوريين آخرين حين كانوا مرشحين للرئاسة أو عند استلامهم لمناصب عالية.
فرونالد ريغان لطالما تمّ وصفه في الاعلام على أنه دمية عدوانية لم يعرف أن يأخذ مواقف حاسمة مما أدى إلى موت بعض مثليي الجنسية بينما مواقفه تجاه الاتحاد السوفياتي قد هدّدت استقرار العالم.
وبحسب الباحث ستيفن هايوارد المناصر لريغان، صرّح الديموقراطي وليام لاسي كلاي من ميسوري أن ريغان "كان يحاول استبدال وثيقة الحقوق بمبادئ فاشية مبينة على كتاب ماين كمف".
من جهته رسام الكاريكاتور في مجلة لوس أنجلس تايمز بول كونارد رسم ريغان على شكل هتلر شاب يخطط لانقلاب فاشي في قاعة معتمة في ميونخ.
دونا برازيل التي أصبحت اليوم الرئيسة المؤقتة للحزب الجمهوري قالت في خلال جولة كتابها قبل أيام قليلة من توفي ريغان إن الرئيس الأميركي الـ40 هو من بدأ سياسة "إخبار الناس الفقراء بأنه لا قيمة لهم".
في عام 1988 قامت برازيل باتهام جورج دبليو بوش بشن حملة "عنصرية" مبنية على إعلانات الإجازة السجنية ضد مايكل دوكاكيس. (تجدر الإشارة إلى أن برازيل أعفيت من مهامها في حملة دوكاكيس لنشر الشائعات حول الحياة الزوجية لنائب الرئيس بوش).
وتجدر الإشارة إلى أن تلك الإعلانات قد نشرت بتدرجات اللون البني من قبل حملة بوش في ولاية يوتا لتجنب الإيحاءات العنصرية.
ومع ذلك انتشرت إعلانات ويلي هورتون في وسائل الإعلام وبقيت سائدة فيها لأكثر من عقدين من الزمن.
وبحلول عام 2000 أصبح من البديهيات لدى الليبراليين وصف بوش بأنه عنصري وهو تكتيك استخدم ضد رومني أيضًا.
وفي هذه الأثناء كان جون ماكين قد باع روحه عندما اختار سارة بالين بالإضافة إلى أخطاءٍ حزبية أخرى. ولكن بحسب مجلة فانيتي فار لم يكن ماكين يملك روحًا ليخسرها.
ليس الموضوع أن الديموقراطيين ووسائل الاسلام التابعة لهم يتحايلون على الرأي العام في هجماتهم على ترامب أو أن انتقاداتهم له ليست في محلها ولكن إذا كانت وسائل الاعلام تريد أن ترفع أصابع الاتهام في وجه أحد بسبب ترشحه فعلينا جميعنا أن نبدأ بالنظر إلى المرآة.
في السابق لقد تم وصف ريغان وجورج دبليو بوش مرارًا وتكرارًا على أنهما داعيان للحرب وتم اتهام كل من الرئيسين بوش وريغان ورومني أنهم متعصبين وأن جون ماكين ليس لديه أي قيم أساسية، فما هي ردة الفعل التي نتوقعها من الموظفين الصغار المحافظين في الحزب الجمهوري أو الكتلة الشعبية المستقلة عند اتهام الإعلام لترامب بأنه خطر على الديمقراطية.
وبعبارة أخرى، إذا قمت بمقارنة رئيس الجمهورية الأكثرية شعبية في القرن الـ 20 إلى أدولف هتلر فما الذي يبقى في جعبتك الخطابية قد يصدقه شخص منفتح الذهن اليوم؟
فالنتيجة كانت متوقعة: أطاح ناخبو ترامب بنا. فلقد جنينا بذلك على أنفسنا وكان لا بد لنا أن نتوقع حدوث مثل هذا الأمر.
بالنسبة لروس شريفر، وهو أحد كبار مستشاري رومني في عام 2012 إن الديموقراطيين وإعلامهم يشكلون المثال الأمثل
لحكاية "الفتى الذي ادعى وجود ذئب".
وصرّح شريفر لوكالة أسوشيتد برس قائلًا: "لا تتفاجؤوا عندما تقع الاتهامات التي توجهونها اليوم لترامب على آذان صماء اذ انها الاتهامات نفسها التي أطلقتموها زورًا على شخص لم تطبق عليه هذه المواصفات".