اليوان: عملة دولية رغم الأزمة المالية في الصين
صحيفة الحياة
2016-10-18 04:40
عدنان كريمة
دخلت العملة الصينية (اليوان) في الأول من الشهر الجاري، إلى نادي العملات المرجعية المعتمدة لدى صندوق النقد، في تطور اعتبرته بكين «منعطفاً تاريخياً» في طريق تحول اليوان عملة دولية واعدة، ووصفها البنك المركزي الصيني بأنها «مرحلة تاريخية تؤكد نجاحات الصين على صعيد التطور الاقتصادي، وهو ثمرة الإصلاحات وفتح بكين قطاعها المالي».
ويأتي قرار صندوق النقد بانضمام اليوان إلى سلة حقوق السحب الخاصة، باعتباره عملة قابلة للاستخدام الحر، انعكاساً لتوسع الدور الذي تقوم به الصين في التجارة العالمية، وتداول عملتها على المستوى الدولي، مع العلم ان هذه السلة هي مثابة أصل احتياطي دولي استحدث عام 1969 ليصبح مكملاً للاحتياطات الرسمية الخاصة في الدول الأعضاء، وتستخدم لتحديد متوسط أسعار صرف العملات في العالم يومياً، على أساس انها الأكثر استقراراً من أي عملة رئيسية بمفردها.
وبذلك تكون الصين سجلت انتصاراً كبيراً بنجاح جهودها التي بدأتها منذ سنوات، بما يلائم مستواها باعتبارها ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد أميركا.
وإذا كانت العملة الصينية قد دخلت سلة عملات حقوق السحب الخاصة بوزن يعادل 10.92 في المئة، وهو أفضل من الين الياباني (8.33 في المئة) والجنيه الإستراليني (8.09 في المئة) ولكنها بعيدة جداً عن وزن اليورو (30.93 في المئة) والدولار (41.73 في المئة). وربما تؤدي الخطوة الجديدة الى تسريع تنويع احتياطات المصارف المركزية والصناديق السيادية بالعملة الصينية، ولو أنها غير ملزمة في شكل صارم بتركيبة سلة حقوق السحب الخاصة، وتوقع مصرف «كريدي أغريكول» ازدياد احتياطاته من اليوان بين 25 و30 بليون دولار.
هل تستطيع الصين تحقيق ذلك؟
على رغم اعتراف رئيسة صندوق النقد كريستين لاغارد بأن «إدراج اليوان يعكس التقدم المحرز في مجال إصلاح السياسة النقدية والعملات الأجنبية والنظم المالية، وفي تحرير البنية التحتية للأسواق المالية وتحسينها»، لكنها في الوقت ذاته حضت الصين» على مواصلة الإصلاحات لفتح اقتصادها وتحديثه وجعل اليوان اكثر جاذبية كعملة احتياطية». لكن خلافاً للعملات الأخرى الداخلة في تركيبة حقوق السحب الخاصة، فإن اليوان غير قابل للتحويل الكامل، لذلك هناك صعوبة في إعادة الرساميل التي يوظفها أجانب في الصين.
وعلى رغم التباطؤ الذي شهده الاقتصاد الصيني، يبقى، وفقاً لتوقعات المسؤولين في بكين، أكبر مساهم في النمو على المستوى العالمي للعام الحالي، في اطار اقتصاد عالمي ضعيف قد لا يتحمل أزمات جديدة من دون الوقوع في ركود. ويستدل من الأرقام ان الصين تساهم بـ 1.2 في المئة من أصل 3.1 من النمو العالمي المتوقع، في مقابل 0.6 للهند، ونحو 0.3 في المئة للولايات المتحدة، و0.1 في المئة لأوروبا بأكملها، ما يجعل الاقتصاد الصيني محورياً في مستقبل الاقتصاد العالمي.
وسبق للرئيس الصيني شي جينبينغ ان قال لدى ترؤسه قمة «مجموعة العشرين» التي عقدت أخيراً في بلده انه «على رغم التباطؤ في الاقتصاد الصيني، فإن بكين لديها ثقة وقدرة على تحقيق معدل نمو من متوسط إلى مرتفع، بخاصة انها مستمرة في تعميق الإصلاح والسعي إلى استراتجية تنمية يقودها الابتكار والانفتاح أكثر على العالم الخارجي». وانطلاقاً من طموحها للقيام بدور ريادي على صعيد الاقتصاد العالمي، تسعى الى تمكين «مجموعة العشرين» من التحول من مجرد آلية مستجيبة للأزمات تركز على السياسات القصيرة الأمد، الى آلية حوكمة طويلة الأمد تقوم بتشكيل سياسات متوسطة وطويلة الأمد.
لكن يبدو ان حسابات الصين مختلفة عن حسابات بعض المؤسسات الدولية التي تحذر من أزمة مالية واقتصادية في الصين لا تقل خطورة عن أزمة عام 2008، خصوصاً ان الصين في خضم واحدة من أكبر أزمات الاقتراض في التاريخ، وارتفعت ديونها الى 26.60 تريليون دولار بنهاية عام 2015، تعادل 255 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 151.4 في المئة عام 2006، وهذه النسبة أعلى من نسبة الدَين الأميركي الى الناتج المحلي البالغة 248 في المئة، وأعلى كثيراً منها في الاقتصادات الصاعدة (175 في المئة) وفقاً لتقديرات بنك التسويات الدولية، ولكنها أفضل من منطقة اليورو (270 في المئة).
وفي تحذير مبكر من الأزمة المالية في الصين والتي ستجر الى أزمة مصرفية خطيرة، اشار تقدير صادر عن بنك التسويات الدولية الى ان الفجوة بين القروض والناتج المحلي الإجمالي بلغت 30.10 في الربع الأول، وهي أعلى مستوى يتم تسجيله منذ العام 1995، مع العلم ان اي مستوى فوق 10 يشير الى ان الأزمة ستحدث في خلال ثلاث سنوات.
ويعتبر مؤشر الصين أعلى من ضعف ثاني أعلى مستوى والمقدر بـ12.1 لكندا، بل أعلى كثيراً من مستواه في ظل ازدهار المضاربة في شرق آسيا عام 1997، او في فقاعة الرهن العقاري في الولايات المتحدة قبل أزمة «ليمان براذرز» عام 2008.
وهكذا تواجه الصين أخطار أزمة ديون تاريخية، نتيجة الخطة الكبرى التي اعتمدتها عام 2009 وطرحت فيها مبلغاً يقدر بأربعة آلاف بليون يوان (نحو 563 بليون يورو) في محاولة للتصدي الى تداعيات تباطؤ الاقتصاد العالمي وانعكاساتها على الاقتصاد الصيني، وكان ذلك حافزاً للمصارف للتوسع في تقديم القروض، حتى اصبحت ديون الشركات وحدها تشكل نسبة 171 في المئة من الناتج المحلي، وهي أكبر خطر على الاقتصاد الصيني، حتى ان صندوق النقد يقدر ديوناً متعثرة وعدم قدرة على سداد ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار.