أميركا تحدّد شريكيها في سورية والعراق
صحيفة الحياة
2016-09-03 07:28
حسان حيدر
يشكل حديث نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن رؤيته إلى الاستراتيجية التي تعتمدها الولايات المتحدة في مواجهة تحديات السياسة الخارجية، أفضل تفسير حتى الآن لمحدودية دور بلاده في سورية، وأوضح شرح للأسباب الكامنة وراء ما يراه كثيرون تخلياً من جانبها عن «الخطوط الحمر»، ونكوصاً عن دعم التغيير، و»تفويضاً» لروسيا وقوى أخرى بترتيب «البيت السوري»، مع الحفاظ على الحد المقبول من المصالح الأميركية.
لخص بايدن «عقيدته» في حديث نشرته مجلة «أتلانتيك» قبل أيام على النحو التالي: استخدام القوة العسكرية يجب أن يستند أولاً إلى ما هو مصلحة قومية استراتيجية، وأن نستطيع الحفاظ على زخم هذا الجهد والتأكد من أنه سيأتي بنتائج، وأن نعرف ثانياً ما هي الخطوات التالية بعد التدخل.
وكان أوباما تحدث إلى المجلة نفسها قبل أشهر عن أهم إنجاز له في ولايتيه الرئاسيتين، وكيف أنه لم يلتزم «كتاب التعليمات» للسياسة الخارجية الأميركية الذي يحدد متى وكيف ترد واشنطن على التحديات الخارجية، مبرراً امتناعه عن ضرب نظام بشار الأسد بعد استخدامه السلاح الكيماوي.
وكرر بايدن ما بات معروفاً من أن سورية لا تشكل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة، لأنها دولة لا تمتلك موارد مغرية، ولم تعد طرفاً في المحور الضامن للاستقرار في الشرق الأوسط، والذي كان يضم أيضاً السعودية ومصر، بعدما دخلت المنطقة في حرب محاور وانضوت سورية في المحور الإيراني.
ويضيف نائب الرئيس الأميركي: «لو أرسلنا 200 ألف جندي أميركي إلى سورية، وربما ندخل حينها في حرب مع روسيا، سيكون باستطاعتنا السيطرة على الوضع وتهدئته. لكن ما أن نغادر حتى تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه»، مشيراً إلى مثال أفغانستان المهددة بعودة حكم «طالبان» في حال أنهت القوات الأميركية والأطلسية وجودها.
وتعتبر إدارة أوباما أن الإرهاب لا يشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة، على رغم قدرته على إلحاق الأذى من قتل وتدمير، مع تأكيد أن مساهمتها في الحرب على «داعش» وباقي التنظيمات الإرهابية تستهدف استباق الاعتداءات الإرهابية في أوروبا وأميركا نفسها. وقال بايدن إن التهديد الوجودي الفعلي هو التهديد النووي، كأن يندلع نزاع نووي غير مخطط له، مع روسيا أو الصين وكوريا الشمالية أو مع باكستان.
ولأن المعطيات السورية لا تلبي شروط التدخل الأميركي الواسع، تحدث بايدن عن «إعادة التوازن» مع روسيا، وتعديل الوضع الذي ورثته الإدارة الديموقراطية من جورج بوش وكانت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم بلا منازع، وإلى الانخراط مع قوى دولية أخرى، لأن الموقف الأميركي من مشكلات العالم تغير، وبات من الحيوي تعزيز التحالفات وبناء ترتيبات جديدة تقوم على تشارك المسؤوليات والمعلومات.
وهذا تماماً ما فعله الأميركيون عندما فاتحوا الروس بضرورة تعزيز دورهم في سورية والانتقال من مجرد مدافع عن نظام الأسد ومزود له بالسلاح، إلى لاعب أساسي في المفاوضات ورسم مستقبل سورية ومحاربة الإرهاب. أي أنهم عرضوا عليهم مشاركتهم في تحمل مسؤولية حل الأزمة السورية، بغض النظر عن كيفية تفسير موسكو لهذه الدعوة، وكيف تصرفت لاحقاً بناء على هذا التفسير.
وهكذا صار للأميركيين شريك رئيسي في سورية، بعدما تقاسموا مع إيران النفوذ في العراق وأشركوها في وضع أسس التسوية السياسية في هذا البلد تمهيداً لانسحابهم العسكري منه. وجاءت دعوتهم إلى دور روسي أكبر في سورية بهدف القضم من الدور الإيراني هناك وإقناع الإيرانيين بالاكتفاء بالملعب العراقي، علماً أنهم حالوا حتى الآن دون أي دور روسي في العراق على رغم إلحاح موسكو.
أما باقي الشركاء في البلدين، مثل الأكراد والعرب والأتراك، فلا يؤدون بالنسبة إلى الأميركيين سوى أدوار ثانوية، والعلاقة بهم تتوقف على مدى خدمتهم التقاسم الذي تحدده واشنطن، ورهن التطورات على الأرض، لكن من دون مسار ثابت.