القاهرة وتل أبيب: ذروة التطبيع
جريدة السفير
2016-07-13 06:38
حلمي موسى
بعد يوم واحد من زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري للقدس المحتلة ولقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كشف موقع «بلومبرغ» النقاب عن مشاركة طائرات إسرائيلية من دون طيار في غارات على إرهابيين داخل سيناء المصرية. واعتبر معلقون أن هذا يُظهر حجم التعاون الأمني غير المسبوق بين الدولتين، والذي تنامى في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولاحظ معلقون إسرائيليون من جهة أخرى أن جانباً من زيارة شكري للقدس المحتلة يعود إلى إيمان المصريين بقدرة إسرائيل على التأثير على إثيوبيا بشأن سدّ النهضة.
وأشار موقع «بلومبرغ» نقلاً عن مسؤول إسرائيلي سابق إلى أن إسرائيل أغارت في الأعوام الماضية مرات عدة جواً على أهداف إرهابية في شبه جزيرة سيناء. وبحسب كلامه، فإن هذه الغارات تمّت باستخدام طائرات من دون طيار، وبالتعاون مع مصر. وقد جاء هذا النبأ في إطار تقرير مطوّل عن العلاقات بين الدولتين تم فيه اقتباس كلامٍ لنائب رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال يائير جولان قال فيه «إننا لم نختبر مستوى تعاون كهذا في الماضي. والأمر لا يتعلق بمحبة أو قيم مشتركة. وأنا لا أصف هذا كأنه منظومة علاقاتنا مع الولايات المتحدة، لكني أعتقد أن هذه نقطة بداية جيدة».
وكانت أنباءٌ كهذه قد ترددت في الماضي من جانب جهات متماثلة مع تنظيم «داعش» في سيناء، ولكن كانت الشكوك تحوم حول الأمر لاعتبارات كثيرة. ومعروف أن الجيش المصري يخوض منذ سنوات حرباً ضارية ضد أنصار «داعش» في سيناء («ولاية سيناء») خصوصاً في شمالها المجاور لقطاع غزة. ويعتقد خبراء أن النجاح الأساسي للجيش المصري يتمثل في حصر نشاط إرهابيي «داعش» في منطقة تزداد ضيقاً، ومنع توسعهم في وسط وجنوب سيناء. وقد سمحت إسرائيل لمصر بتجاوز الملحق العسكري لاتفاقيات كامب ديفيد وإدخال قوات مدرعة وطائرات إلى وسط وشمال سيناء بهدف القضاء على تنظيم «ولاية سيناء» المتفرع عن «داعش».
وفي كل حال، لاحظ المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أن ما نشره موقع «بلومبرغ» عن الغارات الإسرائيلية في سيناء «كسر الصمت الإعلامي المتواصل الذي حافظ عليه الطرفان. فقد أبلغ سكان شمال سيناء مراراً عن غارات طائرات من دون طيار، وهي تكنولوجيا لا تعتبر مصر رائدة في استخدامها ضد منظمات الإرهاب في المنطقة». وأشار إلى أنه إذا صح تقرير «بلومبرغ»، فإن كلام المسؤول الإسرائيلي يوضح جانباً من التقارب بين القاهرة وتل أبيب في السنوات الأخيرة، والذي وصل ذروته بزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لإسرائيل أمس الأول. وأضاف أنه ليست صدفةً تصريحات كل من نائب رئيس الأركان والسفير الإسرائيلي في القاهرة حول أن العلاقات بين الدولتين أوثق مما كانت أبداً بينهما، وكذلك التعاون الاستراتيجي بينهما.
وأوضح هارئيل أنه إضافة إلى التعاون ضد «داعش» في سيناء، وسماح إسرائيل لمصر بالخروج عن بعض بنود الملحق العسكري لـ «كامب ديفيد»، هناك الدور الإسرائيلي لدى الإدارة الأميركية لتقبل إطاحة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ما قاد إلى عدم وقف المعونات الأميركية لمصر. وكتب أن حكومة نتنياهو منذ صيف 2013 صارت تعتبر في مصر «شريكاً استراتيجياً حيوياً في المنطقة».
وعلى هذه الخلفية، تم لقاء وزير الخارجية المصري مع بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة. ورغم أن الأنظار توجهت إلى مسألة استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عبر البدء بخطوات لبناء الثقة بين الطرفين، فإن المداولات تناولت مواضيع شتى ثنائية وإقليمية. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن نتنياهو أثار مع شكري مسألة المفقودين الإسرائيليين في غزة، طالباً المساعدة من مصر في هذا المجال، خصوصاً أن مصر سبق وأدارت وساطات بين إسرائيل و «حماس» في الماضي.
وكان لافتاً أن رئيس الحكومة البريطاني الأسبق طوني بلير، الذي قيل إنه لعب دوراً مركزياً في بلورة ما عرف لاحقاً بالمبادرة المصرية، وصل إلى إسرائيل واجتمع أمس مع نتنياهو. وقد حضر اللقاء مبعوث الأخير الخاص لشؤون السلام، المحامي اسحق مولخو، الذي لعب دوراً في ترتيب زيارة شكري إلى القدس المحتلة. ومعروف أن بلير يلعب دوراً برضى أميركي لإخراج العلاقة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، خصوصاً الخليجية، من السر إلى العلن.
في كل حال، رأى المعلق السياسي لصحيفة «هآرتس» باراك رابيد أن زيارة شكري لإسرائيل «تشير إلى أحد الإنجازات السياسية المركزية لبنيامين نتنياهو كرئيس حكومة في السنوات الاخيرة. لقد نجح نتنياهو في الحفاظ على اتفاق السلام مع مصر رغم الانقلاب الذي حدث في الدولة في 2011، وخلال حكم الإخوان المسلمين، وعزز العلاقة بشكل دراماتيكي منذ الانقلاب العسكري في 2013 وصعود عبد الفتاح السيسي إلى الحكم». ورأى أن «قدوم شكري لزيارة علنية إلى القدس بعد مرور تسع سنوات على زيارة سلفه أحمد أبو الغيط في المرة الأخيرة، هو إنجاز سياسي بحد ذاته. في السنتين الماضيتين، كانت اتصالات مكثفة بين القيادة المصرية والقيادة الإسرائيلية – محادثات هاتفية دائمة بين نتنياهو والسيسي، تنقل المبعوثين الإسرائيليين والمصريين بين القدس والقاهرة. إلا أن ذلك قد تم حتى الآن على نار هادئة. وفي حالات كثيرة بسرية تامة».
واعتبر معلق الشؤون العربية في «هآرتس» تسفي بارئيل أن «قرار إرسال وزير الخارجية يشير إلى مستوى جديد من العلاقات التي هي أقرب للتطبيع السياسي والتي لا تكتفي بالتعاون الاستخباري فقط». ولاحظ أن «التعاون الأمني والاستخباري ليس أمراً جديداً، ولم يتطلب في الماضي نقاشا بمستوى وزير الخارجية». فكل ذلك تحقق عبر مبعوثين ومحادثات سرية، «ولكن توجد لمصر مواضيع حيوية أخرى تلزمها بـ «الظهور علنا» مع إسرائيل، أحدها هو «سد النهضة» الذي تنشئه إثيوبيا على النيل والذي يقلق مصر بشكل كبير». وفي نظره، فإن «مصر تعتقد بأن لإسرائيل تأثير كبير على إثيوبيا. وإذا لم يكن في استطاعتها منع إقامة السدّ، فيمكنها على الأقل التأثير على إثيوبيا من أجل التنسيق مع مصر حول تقسيم المياه بشكل لا يضر باقتصادها. يمكن أيضاً أن يكون هذا هو سبب توقيت زيارة شكري، فوراً بعد عودة نتنياهو من أفريقيا، لسماع ما استطاع نتنياهو تحقيقه مع الإثيوبيين».
من جهته، أشار معلق الشؤون الأمنية في «معاريف» يوسي ميلمان إلى أن «ما سرع الزيارة كان أيضاً النجاحات السياسية – الأمنية لحكومة نتنياهو في تركيا، وفي زيارته إلى أفريقيا. فاتفاق المصالحة مع تركيا، الذي ليس هو بالضبط «أمراً سهلاً» عند مصر، وكذا مؤتمر قمة زعماء دول شرق أفريقيا السبعة – والذين ثمة مع بعضهم (ولا سيما إثيوبيا) توجد لمصر خلافات في موضوع توزيع مياه النيل – تعزيز آخر لمكانة إسرائيل كقوة عظمى إقليمية».