إنتان الدم: القاتل الذي لا نعرفه عن الكثير
مروة الاسدي
2023-09-17 03:44
يمثل إنتان الدم أحد المخاطر الصحية التي تهدد حياة الكثير من المرضى ويعد أحد المسببات الرئيسية للوفاة في المستشفيات حول العالم، وعلى الرغم من بذل كثير من الجهود لتحسين مستوى الوقاية ومعدلات تشخيص وعلاج حالات الإصابة بإنتان الدم، إلا أن الدلائل تشير إلى عدم وجود وعي كافٍ بأفضل ممارسات علاج إنتان الدم، فغالباً يتم تشخيص إصابة المرضى بهذه الحالة في مراحل متأخرة.
الحمى وعدم انتظام دقات القلب والارتباك - يمكن أن تكون أعراضا لحالات تسمم أو إنتان الدم. سنويا يصاب 50 مليون شخص حول العالم بما يعرف بالإنتان، فيما يقدر عدد من يفقدون حياتهم نتيجة لذلك بحوالي 11 مليون شخص، نصفهم تقريبا من الأطفال الصغار.
اذن ما هو إنتان الدم؟ الإنتان (ويعرف أيضا بتعفن الدم) هو حالة تمثل إحدى مضاعفات العدوى وتهدد حياة المصاب، وتحدث عندما يتفاعل جهاز المناعة في الجسم بشكل حاد مع العدوى مما يقود إلى الإضرار بالجسم نفسه.
ويمكن أن يحدث الإنتان نتيجة مشاكل تنتشر من أجزاء أخرى من الجسم، مثل التهابات الصدر والتهابات المسالك البولية والجروح والعضات.
ما الفرق بين الإنتان (Sepsis) وتسمم الدم (septicaemia)؟ في تسمم الدم تغزو البكتيريا مجرى الدم، في حين أن الإنتان قد يؤثر على أعضاء الجسم دون وجود تسمم في الدم.
مراحل الإصابة بإنتان الدم؟ الإنتان (sepsis): بعد العدوى تظهر أعراض مثل الحمى وتسارع ضربات القلب والتنفس السريع.
الإنتان الحاد (Severe sepsis): وفيه تبدأ العدوى بالتأثير في عمل أعضاء الجسم.
الصدمة الإنتانية (Septic shock): ويحدث فيها انخفاض حاد في ضغط الدم، مما يؤدي إلى عدم حصول أعضاء الجسم على حاجتها من الأوكسجين في الدم.
أعراض إنتان الدم: حمى، قد تكون درجة حرارة الجسم طبيعية أو منخفضة، قشعريرة، تسارع نبضات القلب، تنفس سريع.
أعراض الإنتان الحاد أو الصدمة الإنتانية، الارتباك، الدوار، التنفس السريع، قلة التبول، الإسهال، الغثيان، القيء، برودة الجلد، زرقة الشفتين، الطفح الجلدي، ألم المفاصل، ويمكن أن يصيب الإنتان الأصحاء والمرضى على حد سواء، ولكن هناك فئات أكثر عرضة للخطر، مثل:
ضعاف المناعة، مثل المرضى المصابين بمتلازمة نقص المناعة المكتسب "الإيدز" أو السرطان، أو الذين يخضعون لعلاج السرطان، الرضع، الحوامل، المسنون، وخاصة الذين يعانون من أمراض أخرى مثل السكري.
ومن الصعوبة التعرف مبكرا على الإنتان، بينما يحدث تسمم الدم عندما تغادر مسببات المرض أو الجراثيم مكان العدوى وتنتشر في عموم الجسم، ويزداد معدل الوفاة لدى المصابين بتسمم الدم في كل ساعة بنسبة تتراوح بين 7 و8%. وإذا لم يتم نقل المريض إلى العناية المركزة فورا، فقد تتوقف جميع أعضائه عن أداء وظائفها، مما يؤدي إلى وفاته.
ووفقا للبروفيسور الألماني غيرنوت ماركس، فإن تسمم الدم لا يصيب الذين يعانون من ضعف المناعة فقط، بل يمكن أن يصيب الأصحاء أيضا، مضيفا أن التعرض لحادث بسيط خلال الحياة اليومية يكفي للإصابة بتسمم الدم.
وأوضح ماركس أن الإصابة بجرح قطعي عند تحضير الطعام أو التعرض لحرق أثناء الشواء قد تؤدي لتسمم الدم، مضيفا أن الالتهاب الرئوي يمثل أكبر عوامل الخطورة المؤدية لتسمم الدم، وأشار ماركس إلى صعوبة تشخيص الإصابة بتسمم الدم لتشابه أعراضه مع أعراض نزلة البرد، والتي تتمثل في الحمى والرعشة وسرعة ضربات القلب والتنفس السريع وانخفاض ضغط الدم. وبالإضافة إلى ذلك، يشعر المصاب بأنه خائر القوى مع المعاناة من اضطراب النوم، وشدد البروفيسور على ضرورة التوجه للمستشفى أو استدعاء طبيب طوارئ على وجه السرعة عند ملاحظة ظهور مثل هذه الأعراض بعد الإصابة بجرح قطعي، لافتا إلى أنه عند التحقق من الإصابة بتسمم الدم يتم إعطاء المريض مضادات حيوية واسعة المجال وبجرعات عالية في بعض الأحيان.
وللحد من خطر الإصابة بتسمم الدم، شدد ماركس على ضرورة تنظيف أي جرح وتعقيمه جيدا مهما كان صغيرا. كما يتعين على الأشخاص فوق الستين تلقي تطعيم ضد المكورات الرئوية، وهي بكتيريا يمكن أن تتسبب في الإصابة بالالتهاب الرئوي وكذلك تسمم الدم.
ما الذي يسبب الإنتان وكيف نحدد الإصابة بهذه الحالة المميتة؟
يعمل الجهاز المناعي عادة على حمايتنا من الأمراض والالتهابات، ولكن فرط الاستجابة للعدوى، قد يسبب حالة صحية مهددة للحياة تعرف بـ"الإنتان".
ويعد الإنتان أو تعفن الدم أو خمج الدم، حالة طبية طارئة تهدد الحياة، لذا فإن معرفة المخاطر والقدرة على اكتشاف الأعراض يمكن أن ينقذ الحياة.
ما الذي يسبب الإنتان؟ الإنتان هو استجابة الجسم القصوى لعدوى جرثومية أو فيروسية أو فطرية، ويمكن أن تؤدي أي عدوى تقريبا إلى تعفن الدم، ولكن البالغين الذين تفوق أعمارهم 65 عاما، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية مزمنة، والأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة، هم أكثر عرضة للإصاب، ومعظم الاصابات التي من المرجح أن تؤدي إلى تعفن الدم، هي الالتهاب الرئوي، والتهاب في الجهاز الهضمي، أو الكلى، أو المثانة، أو مجرى الدم.
وسواء كانت العدوى في الجلد أو الرئتين أو في مكان آخر في الجسم، فإنها تؤدي إلى تعفن الدم إذا لم يتم إيقافها، ويتم إطلاق المواد الكيميائية الموجودة في جهاز المناعة في مجرى الدم لمحاربة العدوى. ويتسبب هذا في حدوث التهاب في جميع أنحاء الجسم بدلا من ذلك، ويبدأ الجهاز المناعي في إتلاف أنسجة وأعضاء الجسم.
ويمكن أن يتطور الإنتان إلى تعفن الدم الشديد أو الصدمة الإنتانية إذا لم يتم علاجه في المستشفى على الفور، ويمكن أن تتسبب الصدمة الإنتانية في فشل أعضاء الجسم، وهذا يهدد الحياة.
قد يكون من الصعب اكتشاف الإنتان، ويمكن أن تكون الأعراض غامضة وتشبه إلى حد كبير حالات أخرى مثل الإنفلونزا أو التهاب الصدر.
وتشمل العلامات والأعراض ما يلي:
- ارتفاع معدل ضربات القلب أو انخفاض ضغط الدم
- عدوى محتملة أو مؤكدة
- الارتباك
- تغير في الحالة العقلية
- ألم شديد أو انزعاج
- حمى أو ارتعاش أو الشعور بالبرد الشديد
- ضيق في التنفس
- جلد رطب أو متعرق
ولتشخيص الإصابة بالإنتان، يجب أن يكون لديك اثنان على الأقل مما يلي:
- حمى وارتفاع في درجة حرارة الجسم
- معدل ضربات القلب أعلى من 90 نبضة في الدقيقة
- معدل التنفس أعلى من 20 نفسا في الدقيقة
- عدوى محتملة أو مؤكدة
- كلام مشوش أو غير منطقي
- جلد أزرق أو شاحب أو بقع في الشفاه أو اللسان
- طفح جلدي لا يتلاشى مثل التهاب السحايا
- صعوبة في التنفس أو ضيق في التنفس أو التنفس بسرعة كبيرة
وإذا كان المصاب طفلا رضيعا أو طفلا صغيرا، فستحتاج إلى البحث عن علامات مختلفة، أهمها:
- جلد أزرق أو شاحب أو بقع على الشفاه أو اللسان
- صعوبة في التنفس (قد تلاحظ أصوات الشخير أو مص البطن تحت القفص الصدري)، ضيق التنفس أو التنفس بسرعة كبيرة
- صرخة ضعيفة عالية النبرة لا تشبه الصراخ العادي
- لا يستجيبون كما يفعلون عادة، أو لا يهتمون بالتغذية أو الأنشطة العادية
- الشعور بالنعاس أكثر من المعتاد أو صعوبة الاستيقاظ
الإنتان يقتل 11 مليون شخص سنويا ويتسبب بإعاقة الملايين
وجد أول تقرير عالمي أطلقته منظمة الصحة العالمية حول الإنتان (تعفن الدم) أن هذه الحالة الصحية الخطيرة الناجمة عن استجابة الجسم للعدوى، تتسبب بوفاة واحدة من بين كل خمس وفيات في العالم.
ودعت منظمة الصحة العالمية إلى اتخاذ إجراءات على نطاق دولي للوقاية من الإنتان، الذي يقتل، بحسب الدراسات الحديثة، 11 مليون شخص سنويا، والكثير منهم أطفال، ويتسبب بإعاقة الملايين.
وفي بيان، أكدت المنظمة على الحاجة الملحة للحصول على بيانات أفضل. فمعظم الدراسات المنشورة حول تعفن الدم تم إجراؤها في مستشفيات ووحدات عناية مركزة في الدول ذات الدخل المرتفع، ولم تقدم سوى القليل من الأدلة عن الحالة في بقية أنحاء العالم.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، د. تيدروس أدهانوم غيبرييسوس: "يجب على العالم تكثيف الجهود بشكل عاجل لتحسين البيانات حول الإنتان حتى تتمكن جميع الدول من اكتشاف هذه الحالة الرهيبة وعلاجها في الوقت المناسب".
الإنتان قد يهدد الحياة
ويحدث تعفن الدم أو الإنتان نتيجة لاستجابة الجسم للعدوى، إذ يطلق الجسم عادة مواد كيمائية في مجرى الدم لمحاربة العدوى فيحدث الإنتان نتيجة لاستجابة غير متوازنة من الجسم لتلك المواد الكيميائية، مما يؤدي إلى حدوث تغييرات قد تتلف أعضاء في الجسم.
وبحسب المنظمة، فإن المرضى الذين هم في حالة حرجة بسبب مرض كـوفيد-19 وغيره من الأمراض المعدية الأخرى، هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالإنتان والموت.
وحتى الناجين من تعفن الدم ليسوا بعيدين عن الخطر. وتؤكد المنظمة أن نصف المصابين فقط سيتعافى تماما، والبقية إما يموتون في غضون عام واحد أو يعانون من إعاقات طويلة الأمد.
الفئات الأكثر تأثرا بالحالة
يؤثر تعفن الدم بشكل غير متناسب على الفئات الضعيفة، كالمواليد الجدد والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعيشون في ظروف منخفضة الموارد. وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 85% من الحالات المصابة بتعفن الدم والوفيات المرتبطة بهذا المرض تحدث لتلك الفئات.
تقريبا نصف الـ 49 مليون حالة المصابة بتعفن الدم سنويا تحدث في صفوف الأطفال، وتتسبب بـ 2.9 مليون وفاة، معظمها يمكن الوقاية منها لو تم التشخيص المبكر وعلاج الحالة بشكل مناسب، وغالبا ما تكون هذه الوفيات نتيجة لأمراض الإسهال أو التهابات الجهاز التنفسي السفلي.
معاناة 11 امرأة من بين كل ألف سيدة
وتشير المنظمة إلى أن الالتهابات المرتبطة بالولادة، من بينها المضاعفات التي تعقب الإجهاض أو العدوى بعد الولادة القيصرية، هي السبب الثالث للوفاة الأكثر شيوعا بين الأمهات.
وعالميا، يُقدّر أن من بين كل 1000 سيّدة تضع مولودا، 11 امرأة تعاني من الخلل الوظيفي الشديد في الأعضاء أو الوفاة المرتبطة بالعدوى.
كما وجد التقرير أن الإنتان ينتج في كثير من الأحيان عن العدوى المكتسبة في أماكن الرعاية الصحية. نحو نصف المرضى (49%) المصابين بتعفن الدم الموجودين في وحدات العناية المركزة أصيبوا بالمرض في المستشفى، ونحو 27% من الأشخاص المصابين في المستشفيات و42% في وحدات العناية المركزة سيموتون.
فجوات خطيرة في المعرفة
وجد التقرير أن الجهود المبذولة لمعالجة ملايين الوفيات والإعاقات بسبب تعفن الدم تعوقها فجوات خطيرة في المعرفة، وخاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
ودعت المنظمة في البيان إلى تحسين تصميمات الدراسة القوية وجمع البيانات عالية الجودة لاسيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وتوسيع نطاق العمل الدولي والتمويل والقدرة البحثية للأدلة الوبائية حول العبء الحقيقي للإنتان.
كما أشارت إلى ضرورة تحسين أنظمة المراقبة، وتطوير أدوات تشخيص سريعة وميسورة التكلفة ومناسبة، لاسيّما لمستويات الرعاية الأولية والثانوية، لتحسين اكتشاف الإنتان والمراقبة والوقاية والعلاج.
تحسين الوقاية والتشخيص والعلاج
ولفتت المنظمة إلى أن تحسين الصرف الصحي وجودة المياه وتوافرها وتدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها، مثل نظافة اليدين المناسبة، يمكن أن تقي من الإنتان وتنقذ الأرواح على أن تقترن بالتشخيص المبكر والإدارة السريرية المناسبة والحصول على الأدوية واللقاحات الآمنة وميسورة التكلفة.
وأشارت إلى أن مثل هذه التدخلات قد تساعد على الوقاية من 84% من الوفيات بين الأطفال حديثي الولادة بسبب تعفن الدم.
وشددت المنظمة على ضرورة إشراك العاملين الصحيين والمجتمعات وتثقيفهم بشكل أفضل لعدم التقليل من مخاطر تطور العدوى إلى تعفن الدم، والتماس الرعاية على وجه السرعة لتجنب المضاعفات السريرية وانتشار الأوبئة.