لعبة الحبار الكوري.. المهمشون يكتسحون ويموتون
اندبندنت عربية
2021-10-26 07:15
بقلم: حميدة أبو هميلة
قبل نحو عامين دخل الفيلم الكوري الجنوبي (Parasite) التاريخ بحصوله على أغلب الجوائز السينمائية المهمة، بينها السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي وأيضاً جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج لمخرجه بونج جون هو في "أوسكار 2020".
وعلى الرغم من أن قصته تبدو للوهلة الأولى إنسانية للغاية عن أسرة فقيرة تحاول تحقيق متطلباتها، حتى لو مارس أفرادها بعض الخداع، فإن الشريط السينمائي يمتلئ بمشاهد العنف النوعية التي قلما تُعرض بهذه التفاصيل في أعمال عالمية تصنف على أنها تحمل مشاهد عنف صريح، وهذه الأيام يكسر الكوريون القواعد مجدداً أيضاً بمسلسل "لعبة الحبار"، حيث حقق العمل نجاحاً كبيراً متوالياً وهجوماً حاداً على السواء.
مشاهدات قياسية
بعد أن اجتاح البوب الكوري العالم بفرق عدة حصدت أهم جوائز الموسيقى، وحققت مرات استماع قياسية، بينها "ي تي إس" و"بلاكبينك"، وبعد أن قلبت السينما الكورية الجنوبية قوانين الجوائز، جاء موعد الدراما لتأخذ نصيبها، إذ يتخذ مسلسل (Squid Game) الذي يكتسح قوائم المشاهدة على "نتفليكس" من العنف أساساً له، لذا كان من الطبيعي أن تنطلق التحذيرات من مشاهده المروعة، خصوصاً في أوساط المراهقين.
ويتحدث العمل عن لعبة تجذب الصغار، لكن قواعدها لا تلائم حتى الكبار، ففي حين شهد مطلع الألفية انتشاراً كبيراً للمسلسلات الكورية الجنوبية مثل "خريف في قلبي" و"أغاني الشتاء"، انقلب المزاج العام على ما يبدو ليصبح أكثر ميلاً إلى أعمال تتناول ألعاباً مميتة وصراعاً شرساً في سباق البقاء على قيد الحياة، تتجاوز بكثير ما تنتجه الأستوديوهات في الولايات المتحدة، باعتبارها المصدر الأول والأبرز للإنتاج الفني بالعالم.
"لعبة الحبار" أول مسلسل كوري يحتل المركز الأول لأسابيع على "نتفليكس" في 80 بلداً على رأسها الولايات المتحدة، وكسر الرقم القياسي للمسلسلات الأعلى مشاهدة على "نتفليكس" متفوقاً على "بريدجرتون" المسلسل الأميركي الرومانسي، إذ شاهد المسلسل 111 مليون مشترك خلال الأسابيع الأربعة الأولى من عرضه، بحسب ما أعلنته المنصة.
ويتكون العمل من تسع حلقات، وتدور قصته في بيئة قاسية حول مجموعة من الأشخاص المهمشين والمحبطين الذين يدخلون في لعبة من أجل الفوز بما يزيد على 45 مليار وون كوري، (38 مليون دولار أميركي).
المخرج هوانغ دونغ هيوك قدم فكرة المخاطرة من أجل تجاوز الفقر بصورة قاتمة تماماً، وعلى الرغم من أن "الثيمة" نفسها شبيهة "بثيمات" قدمت سابقاً في أعمال فنية عالمية عدة، بينها "Hunger Games" وKill Bill"" وBattle Royale"" فإن الانتقادات وجهت إلى المسلسل الجديد نظراً إلى مستوى العنف الذي وصفه كثيرون بأنه "مبالغ فيه".
الكوريون غاضبون أيضاً
وفي الوقت الذي صرح فيه صنّاعه بأنهم يفكرون جدياً في تقديم موسم ثان بعد النجاح الساحق، كما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، إذ تخطط "نتفليكس" لاستثمار 500 مليون دولار أميركي خلال الفترة المقبلة لإنتاج أعمال كورية، رفض بعض النقاد من كوريا الجنوبية وأساتذة الجامعات الحال التي صنعها هذا العمل.
وأطلق المنتقدون عبارات استهجان وصيحات هجوم متزايدة، لأن المسلسل في رأيهم يمجد فكرة العنف ويظهر المجتمع الكوري وكأنه بلا رحمة، لافتين إلى أن البيئة الكورية ليست بهذا الشكل، وأن حسن النيات موجود بين سكان كوريا، في حين أن فكرة العمل مبنية على قتل الخاسرين في اللعبة.
ومن بين من تبنى هذا الرأي الناقد الكوري الجنوبي جونج دوك هيون، إذ تداولت منصات عدة تصريحاته التي أدلى بها لصحيفة كورية.
وعلى الرغم من أن مسلسل "لعبة الحبار" مصنف لمن هم فوق الـ 18 عاماً، فإن هذا لم يمنع المؤسسات المعنية من التنبيه مراراً على أولياء الأمر لمنع أطفالهم من متابعته، وأرسلت بعض المدارس المصرية تحذيرات صريحة للأسر بهذا الشأن، بحسب ما ذكرته الفنانة آيتن عامر عبر منشور لها بحساباتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي.
كما نبه الإعلامي المصري عمرو أديب من خطورة مشاهدة الأطفال المسلسل، مشدداً على أن التحذيرات المرسلة إلى أولياء الأمور متعلقة بمدارس خارج وداخل مصر، فالمسلسل يركز على لعبة أطفال تتسم بالعنف الدموي الشديد، وفي حين أن "نتفليكس" تعطي تنويهاً بأن المسلسل ليس لضعاف القلوب أو الصغار، لكن هناك مقاطع كثيرة من الحلقات متداولة عبر منصات الفيديو التي يتابعها أطفال ومراهقون.
هوس العنف المفرط
وفي هذا الشأن يقول الناقد الفني إيهاب التركي إن "الدراما الآسيوية تحمل كثيراً من العنف، وربما تتفوق على نظيرتها الأميركية في هذا الجانب، لأسباب عدة من أهمها انتشار مواضيع تتناول ألعاب الفنون القتالية، وأيضاً تهاون الرقابة نوعاً ما مع مشاهد العنف في أفلام الجريمة المنتشرة هناك"، مشيراً إلى أن مزاج المشاهد الآسيوي "يميل إلى تلك النوعية من الأعمال، وتدريجياً انتقل الأمر للمشاهدين في باقي أنحاء العالم".
وأضاف، "التحذير من عنف المسلسلات والأفلام دائم، فمن قبل أثار مسلسل (13 سبباً لماذا) الذي بدأ عرض مواسمه منذ عام 2017 أزمة مماثلة، بسبب تصوير انتحار البطلة المراهقة بصورة قد تبدو تشجيعاً على الانتحار، ووضعت "نتفليكس" تحذيرات في بداية بعض الحلقات التي احتوت على مشاهد عملية الانتحار والاغتصاب، وبالأساس فمسلسل "Squid Game" الكوري غير مُصنف لمشاهدة الأطفال".
ويلفت التركي إلى أن مشاهد العنف وإطلاق النار الكثيف في بعض المسلسلات كان لها أثر اجتماعي بحسب بعض الدراسات الأميركية التي ربطت بين ما نراه على الشاشة وحوادث إطلاق النار الجماعي التي قام بها مراهقون في بعض المدارس الأميركية خلال السنوات السابقة، وجرى رصد بعض الأعمال التي صورت مشاهد عنف حظيت بمشاهدات كبيرة ومنها "Glee" وAmerican Horror Story"" وCriminal" Minds" و""The Fosters و"One Tree Hill" .
أزمات قانونية
مسلسل "Squid Game" الذي شكل هوساً، وسيطر على قوائم المشاهدة على "نتفليكس" سبب أيضاً بعض المتاعب، فالنجاح الجارف أدخل المنصة في بعض النزاعات، إذ ذكرت وكالة "رويترز" أن بعض مزودي خدمة الإنترنت بكوريا الجنوبية قرروا مقاضاة "نتفليكس" بسبب زيادة الضغط على شبكة الإنترنت، مما كلفهم أعباء إضافية للصيانة، حيث طالبوا في الدعوى بضرورة أن تتحمل المنصة بعض النفقات كتعويض عن خسائرهم.
وردت "نتفليكس" من خلال تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" بأنها تتواصل مع تلك الشركات للوصول إلى حل سريع للمشكلة، وضمان عدم التسبب بأي أزمات مستقبلية لهم، فيما صرحت المنصة كذلك بأن "نتفليكس" عبر إنتاجاتها المتعددة أسهمت في توفير 16 ألف فرصة عمل في كوريا الجنوبية، وهو الرقم المرشح للزيادة مستقبلاً.
وكان ضمن الأزمات التي دخلت فيها "نتفليكس" ظهور رقم هاتف حقيقي لامرأة تمتلك متجراً في كوريا الجنوبية، مما سبب لها ضغوطاً بسبب كم الاتصالات التي تلقتها، لكن المنصة التفتت سريعاً إلى الخطأ وقررت حجب الرقم من المشاهد، لكن بحسب التقارير التي تداولتها شبكات إعلامية عدة رفضت "نتفليكس" من خلال مسؤوليها التعليق على المبلغ المالي الذي جرى دفعه كتعويض.
ويواصل نجوم العمل تحقيق شعبية جارفة يوماً بعد آخر، فقد دشن عدد من الأبطال حسابات رسمية للمرة الأولى عبر منصات التواصل الاجتماعي، وحصدوا ملايين المتابعين خلال ساعات بسبب شعبية العمل، بينهم النجمان لي جونغ جاي وبارك هاي سو، كما ظهر فريق المسلسل في حلقة خاصة من برنامج "The Tonight Show" مع المذيع الأميركي البارز جيمي فالون.