عندما يرسم خامنئي سقف التفاوض مع واشنطن
جريدة المدن
2021-08-02 04:25
حسن فحص
حدد المرشد الاعلى للنظام الايراني علي خامنئي خطوط الخلاف مع الادارة الامريكية التي تمنع اعادة احياء الاتفاق النووي والوصول الى نتائج ايجابية في المفاوضات التي تستضيفها العاصمة النمساوية فيينا منذ مطلع العام الجاري. مؤكدا رفض ايران للمطالب الامريكية التي تسعى لإدراج برنامج الصواريخ الباليستية والنفوذ الاقليمي لإيران على جدول التفاوض، وادخالها في صلب التفاهم الجديد الذي تعمل عليه الدول المشاركة في الاتفاق او مجموعة 4+1، ليكون تطويراً او بديلاً للاتفاق الموقع في تموز 2015.
موقف خامنئي التصعيدي جاء بالتزامن مع تسريبات عن البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية تتحدث عن تمسك واشنطن بإدراج مسألة الصواريخ الباليستية وسلاح الطيران المسيّر (طائرات من دون طيار) على جدول التفاوض كشرط أساس للسير بالمفاوضات نحو نتائج ايجابية. خصوصا بعد التطور الاخير الذي شهدته مياه بحر العرب او خليج عمان والذي تمثل باستهداف الناقلة الاسرائيلية ومقتل قائد الناقلة البريطاني وأحد العاملين على متنها، وهو تطور على نسبة من الخطورة دفع الاسطول الخامس الامريكي للتحرك لمواكبة الناقلة المستهدفة وامكانية ان يتطور الامر الى مواكبة مختلف السفن الاخرى في تذكير بما حدث بين عامي 1987 و1988 عندما تحولت مياه الخليج الى ساحة لحرب الناقلات ودفعت الولايات المتحدة حينها الى مواكبة الناقلات الكويتية التي رفعت مع غيرها العلم الامريكي.
فضلا عما يختزنه هذا الحدث من امكانية ان يتطور التوتر بين طهران وتل ابيب الى مواجهة اكثر اتساعا واعلى وتيرة على وقع ما سربته قناة العالم الايرانية عن ان استهداف الناقلة الاسرائيلية جاء ردا على الغارة التي استهدفت مطار الضبعة السوري في منطقة القلمون وما تحتويه من مخازن لمشتقات نفطية تعود الى حليف ايران اللبناني حزب الله التي يخزنها بانتظار ساعة الصفر والانهيار التام للدولة اللبنانية.
خامنئي ومن خلال المشهد الذي رسمه لأجواء المفاوضات غير المباشرة مع الادارة الامريكية، أكد حالة عدم الاطمئنان الايرانية بالنوايا الامريكية وجديتها في العودة الى الاتفاق النووي، معتبرا ان تمسك واشنطن بالشروط التي وضعتها لإعادة احياء الاتفاق تهدف الى تكبيل ايران مستقبلا بهذه الشروط، من خلال ادخال عبارة تلزم ايران بالتفاوض لاحقا حول البرنامج الصاروخي والقضايا الاقليمية وتمديد العمل ببعض بنود الاتفاق التي من المفترض وحسب قرار مجلس الامن الدولي 2231 ان ينتهي مفعولها بالتدريج نهاية عام 2025. رفض ايران او تنصلها من هذا التعديل يضعها في خانة المتهم ويحملها مسؤولية نقض الاتفاق والقرار الدولي، وتصبح الطريق مفتوحة حينها لتفعيل آلية الزناد لإعادة العقوبات الدولية عبر مجلس الامن، وهو المسعى الذي عمل من أجله الرئيس السابق دونالد ترمب.
في لقائه الوداعي مع حكومة حسن روحاني، وضع المرشد الايراني السقف الذي يجب ان تعمل تحته الحكومة الجديدة بقيادة ابراهيم رئيسي في التعامل مع المفاوض الامريكي، وهو سقف يضع مسألة "الشك بالنوايا وعدم الثقة" بالاقتراحات الامريكية كمبدأ للتفاوض، وبالتالي عليها الاستعداد للتعامل مع المزيد من الضغوط الامريكية في مسألة العقوبات الاقتصادية، مقابل التمسك بالشروط الايرانية التي تدخل في اطار الدفاع عن الدور والمصالح القومية والاستراتيجية لايران في امتلاك ترسانة صاروخية باليستية ونفوذ اقليمي يعتبر اساسا في تأمين مصالحها الاستراتيجية.
ما يعني ان التعليق الذي تحدث عنه المفاوض الايراني عباس عراقتشي بعد انتهاء الجولة السادسة وانتظار تحديد موعد الجولة السابعة، قد يطول او في افضل التقديرات قد يضع المفاوضات في "برزخ" ما بين الاستئناف والتعليق المفتوح، ولن يشكل انتقال السلطة الى الرئيس الجديد وتشكيل فريقه الدبلوماسي والسياسي منطلقا لإمكانية العودة الى طاولة التفاوض في ظل استمرار التجاذب بين قيادة النظام الايراني والادارة الامريكية حول الشروط والشروط المتبادلة، خصوصا وان طهران ترى في المطالب الامريكية التي تلخصها واشنطن بجملة واحدة حسب تعبير خامنئي وتطالب بإضافتها على الاتفاق "التزام طهران بالتفاوض لاحقا على البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي" الفخ او الحفرة التي ستسمح لواشنطن بالتنصل من الاتفاق لاحقا بذريعة رفض ايران فتح هذه الملفات التي تعتبر خط الدفاع الاول عن مصالح النظام الاستراتيجية في كل منطقة غرب آسيا.
السقف المرتفع الذي وضعه المرشد الايراني والذي من المفترض ان يلزم او يشكل برنامج عمل الحكومة الجديدة ورئيسها الذي يمثل هذه الرؤية. يدفع على الاعتقاد ان المرحلة المقبلة ستذهب نحو مزيد من التشدد والتصلب الايراني في مواجهة السياسات الامريكية المتعلقة بجميع الملفات التي تشكل نقاط اختلاف وخلاف مع طهران، سواء على صعيد الملف النووي وجهود اعادة احيائه، او حدود وحجم العقوبات التي من المفترض ان يتم الغاءها، او ما يتعلق بالبرنامج الباليستي والنفوذ الاقليمي، خصوصا وان المرشد الايراني ومعه دوائر القرار الاستراتيجي متمسكين بمسألة الحصول على ضمانات امريكية بعدم الانسحاب لاحقا من الاتفاق في حال اعادة احيائه الى جانب التخلي عن مطلب توسيع دائرة اختصاصاته.
هذا التشدد الايراني من جهة، والتمسك الامريكي بالشروط من جهة مقابلة، لم يمنع من تمرير رسائل ايجابية بينهما، ولعل المؤشر الابرز على هذه التبادلية، النتائج التي اسفرت عنها زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى واشنطن واللقاء الذي عقده مع الرئيس جو بايدن والاتفاق الاستراتيجي الذي تم التوقيع عليه حول انسحاب القوات القتالية الامريكية من العراق. وهو اتفاق لم يكن الكاظمي قادرا على ترجمته ما لم يحصل مسبقا وقبل سفره على ضوء اخضر من الجانب الايراني والقوى والفصائل العسكرية الموالية لإيران في العراق، ما يغلب الاعتقاد بان الزيارات التي قام بها وزير الامن الايراني محمود علوي ورئيس جهاز الامن في حرس الثورة الايرانية حسين طائب الى بغداد ولقائهما مع الكاظمي قبل توجهه الى واشنطن، فضلا عن الاجتماعات التي عقدها الكاظمي مع قيادات الحشد والفصائل تصب في اطار مساعي ايران على فتح مسارات تعاون مع واشنطن في الملفات الاقليمية، وتحديدا على الساحة العراقية كاختبار ارادات للطرفين، من دون ان يكون النظام الايراني مقيدا بنصوص ذات طابع دولي ملزم قد يعرضه لتداعيات سلبية في حال قرر عدم الاستمرار في هذا التعاون اذا ما كانت النتائج في غير مصالحه الاستراتيجية.