إجراءات للحدّ من نسبة الإنتحار المتصاعدة في العراق
المونيتور
2019-05-09 08:06
بقلم: عدنان أبو زيد
تسعى وزارة الداخليّة العراقيّة إلى بناء سياجات على جسور العاصمة بغداد للحدّ من حالات الانتحار التي تصاعدت في البلاد، وفق مقترح لها يدعمه مجلس محافظة بغداد.
إنّ المشروع هو اعتراف بتزايد حالات الانتحار في بغداد ومدن العراق الأخرى، التي أصبحت أخبارها تتواتر بشكل شبه يوميّ في وسائل الإعلام، ويبرز منها ما أفاد به مصدر أمنيّ في 29 نيسان/إبريل من عام 2019، أنّ قوّة من النجدة النهريّة أنقذت شابّة حاولت رمي نفسها من أعلى جسر الجادريّة - وسط بغداد. كما أقدمت سيّدة (46 عاماً) على حرق نفسها في 29 نيسان/إبريل من عام 2019 في مدينة الناصريّة - مركز محافظة ذي قار. وسعى رجل إلى الانتحار في 28 نيسان/إبريل من عام 2019 برمي بنفسه من أعلى جسر الجمهوريّة - وسط بغداد. وفي اليوم نفسه، انتحر شاب بشنق نفسه داخل خيمته في مخيّم للنازحين - شرقيّ كركوك. كما انتحر القاضي الكرديّ كوران في إقليم كردستان، وبثّ العمليّة على الهواء في 1 أيّار/مايو من عام 2019، وهو يطلق النار على نفسه عبر موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك".
وكشف الناطق باسم مكتب مفوضيّة حقوق الإنسان في بغداد علي البياتي خلال حديث لـ"المونيتور" عن إحصائيّات رسميّة استقاها المكتب من الجهات الحكوميّة والاستطلاعات الميدانيّة، مشيراً إلى أنّ "عام 2019 في الأشهر الثلاث الأولى منه، شهد 135 حالة انتحار في مختلف المحافظات، عدا بغداد، التي لم تصل الإحصائيّات عنها إلى الآن، وكانت كركوك (شمال) في صدارة القائمة بأعداد المنتحرين، تلتها محافظة البصرة (جنوب)، وقال: "شهد عام 2017، إقدام 840 شخصاً على الانتحار. وفي بغداد وحدها كانت هناك 350 حالة، حيث احتلّت العاصمة المركز الأوّل بين المدن، تلتها كركوك، وهذه الإحصائيّة لا تشمل إقليم كردستان الذي تكثر فيه حالات الانتحار بشكل لافت أيضاً".
أضاف: "شهد عام 2018، نحو 460 حالة، ولم تكن هذه الإحصائيّة تشمل كلّ أنحاء العراق لعزوف بعض المحافظات عن ذكر الإحصائيّات أو لأنّها لا تمتلكها".
ولفت إلى أنّ "عاميّ 2017 و2018 شهدا تصاعداً ملحوظاً في انتحار الإناث أكثر من الذكور".
ورغم هذه الأعداد المهولة، لاقى مقترح السياج الأمنيّ لوزارة الداخليّة انتقاداً واسعاً بين ناشطي التواصل الاجتماعيّ، فضلاً عن خبراء الاجتماع والمسؤولين المعنيّين والمواطنين، إذ قال عضو مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي لـ"المونيتور": "إنّ إنشاء السياج لن يكون له جدوى في الحدّ من حالات الانتحار، والأجدر بالجهات المعنيّة إدراك الأسباب الحقيقيّة التي تدفع بالفرد إلى الانتحار".
هذا إضافة إلى أنّ معالجة هذه الظاهرة، تتطلّب رؤية شاملة وحلولاً متنوّعة، وليس فقط وضع السياج. ولا يبدو أنّ للحكومة رؤية في هذا الخصوص.
وإنّ الأسباب الحقيقيّة، من وجهة نظر الباحث النفسيّ في جامعة بغداد أحمد الذهبي بحسب حديث لـ"المونيتور"، تعود إلى:
"عوامل ضغط اجتماعيّ واقتصاديّ وبيئة عنفيّة بسبب آثار الحروب والفوضى الأمنيّة التي استمرّت سنوات طوال في العراق، فضلاً عن نقص واضح في متطلّبات الحياة المريحة من خدمات، لا سيّما الماء والكهرباء، والذي يتسبّب في عدم التوازن لدى الفرد ليفقد السيطرة على ذاته وينتابه شعور بعدم الجدوى من الاستمرار في العيش".
واعتبر أحمد الذهبي أنّ "انتشار متعاطي المخدّرات يولّد حالة من اليأس والكآبة التي تدفع إلى الانتحار، ويلاحظ أنّ الذين قاموا بعمليّات انتحار بغالبيّتهم، إمّا عاطلون عن العمل وغير قادرين على توفير لقمة العيش، وإمّا لديهم مشاكل اجتماعيّة تتعلّق بمسائل الشرف والثأر العشائريّ"، وقال: "إنّ البحوث الاجتماعيّة في جامعة بغداد تشير إلى أنّ الانتحار يستفحل بين النساء، لا سيّما الفتيات، بسبب السيطرة الذكوريّة على المجتمع والأسرة، حيث حقوق المرأة منقوصة، وتهان وتضرب عند أيّ خطأ أو عند أيّ حالة غضب".
أضاف: "هناك أمّهات يلجأن إلى إنهاء حياتهنّ بسبب فقدان المعيل وعدم القدرة على إعالة أنفسهنّ وأولادهنّ، ويدفع الفقر بالمرأة إما إلى الانتحار وإمّا إلى الاختفاء".
وقالت العضو في المنظّمة المدنيّة (تجمّع أبناء دجلة والفرات) والباحثة الاجتماعيّة خلود الشمري: "إنّ معالجات هذه الظاهرة الاجتماعيّة ترقيعيّة، فيما تعمل منظّمات مدنيّة وحقوقيّة واجتماعيّة على التأسيس لوسائل ناجعة ومستمرّة في العلاج والوقاية".
وتحدّثت عن "خطوة متقدّمة في هذا الاتّجاه أنجزتها هيئة النزاهة، بالتنسيق مع منظّمات المجتمع المدنيّ، ومنها منظّمتنا، وبدعم من برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ UNDP، بغية تهيئة فرص إعداد وتأهيل باحثين وأطبّاء نفسيّين وبرامج علميّة صحيّة تهدف إلى علاج ظاهرة الانتحار".
وأثار القاضي السابق والخبير القانونيّ علي التميمي في حديث لـ"المونيتور" معالجات القانون العراقيّ لحالات الانتحار، لافتاً إلى أنّ "قانون العقوبات في المادّة 408 منه يعاقب من يحرّض على الانتحار بالسجن 7 سنوات، فيما تتشدّد العقوبة إذا كان المنتحر حدثاً"، وقال: "لا عقوبة لمن يشرع في الانتحار ولا يموت".
وإذ عزا علي التميمي السبب الرئيسيّ للانتحار إلى "عوامل اقتصاديّة، حيث الفقر الدافع الرئيسيّ"، اقترح "تشريعاً برلمانيّاً يخصّص حصّة من النفط على شكل أموال لكلّ مواطن وتعزيز مفردات البطاقة التموينيّة".
من جهتها، اعترفت النائبة في البرلمان العراقيّ وعضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانيّة يسرى رجب في حديث لـ"المونيتور" بأنّ "حالات الانتحار وصلت إلى مستويات خطيرة".
وتحدّثت عن إجراءات لمعالجة المشكلة عبر "البدء بإجراء بحوث تقف عند الأسباب الحقيقيّة للانتحار، وبتنفيذ مشاريع مع وزارات الصحّة والداخليّة والعمل ومنظّمات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات الدينيّة"، معتبرة أنّ "التصدّي لهذه الظاهرة بات من الأولويّات".