بحيرة الرزازة في العراق تلفظ أنفاسها الأخيرة
المونيتور
2018-06-14 04:30
بقلم وسيم باسم
لم يؤثّر الجفاف، الذي يطال أنحاء العراق على الزراعة فقط، بل على البحيرات الطبيعيّة الضخمة، التي تنخفض مناسيب مياهها مع مرور الزمن، الأمر الذي يهدّد بتحوّلها في المستقبل إلى امتداد للصحراء.
لا يزور أهالي مدينة كربلاء (وسط) بحيرة الرزازة في السنوات الأخيرة الماضية، وأسقطوها من حساباتهم في برامج النزهة والسياحة، بعد أن انحسر الماء عنها، وتحوّلت في جزء كبير منها إلى صحراء تنتشر فيها قوارب الصيد المحطّمة والحيوانات النافقة.
وفي هذا السياق، قال سعيد علي، وهو بائع سمك، يسكن في مركز محافظة كربلاء التي تبعد عن الرزازة نحو 15 كيلومتراً، لـ"المونيتور": "إنّ البحيرة التي كانت في ثمانينيّات القرن الماضي وتسعينيّاته مصدراً مهمّاً للأسماك، آل بها الزمن إلى بركة مياه سوف تجفّ نهائيّاً إذا لم يتم تدارك نقص المياه".
وبدا حديث سعيد علي، الذي يستمدّ مصداقيّته من التجربة الميدانيّة، إذ يسكن قريباً من البحيرة، متوافقاً مع ما كشفه رئيس لجنة الزراعة والمياه النيابيّة فرات التميمي لـ"المونيتور" عن أنّ "اللجنة ووزارة الموارد المائيّة على اطّلاع بتطوّرات وضع الرزازة، وتراقبان بقلق تراجع نسب المياه فيها، حالها حال الكثير من المنخفضات المائيّة والأنهر والبحيرات".
وفي حين رأى فرات التميمي أنّ "المخاطر من اندثار البحيرة هي جزء من حالة الجفاف التي تضرب أرجاء البلاد"، وأنّ "لا خطّة معدّة في الوقت الحاضر تنتشل البحيرة من وضعها"، فإنّ ناشطين من المجتمع المدنيّ ومهتمّين بالموارد الطبيعيّة في محافظة كربلاء انتقدوا "الصمت الحكوميّ على ما تشهده بحيرة الرزازة من أزمة مائيّة"، مشيرين إلى أنّ "شباباً سيقومون بحملة إعلاميّة لتوجيه أنظار العالم إلى ضرورة إنقاذ البحيرة من الموت".
أمّا الخبير الأقدم وعضو الهيئة الاستشاريّة في وزارة الموارد المائيّة المهندس عون ذياب فلا يرى في حديث لـ"المونيتور"، "معالجة المشكلة بهذه البساطة عبر الاحتجاج وتوجيه الدعوات إلى المنظّمات البيئيّة لأنّ المشكلة تتعلّق بالسياسات المائيّة الداخليّة والإقليميّة، وبكميّات الأمطار والسيول التي تنساب من الصحراء".
ودلّ عون ذياب على حجم المشكلة الكبير، بتأكيده أنّ "وزارة الموارد المائيّة أسقطت بحيرة الرزازة من منظومة الخزن، وفق الدراسة الاستراتيجيّة المعدّة خلال عام 2015، والتي رصدت حالة المياه في العراق لغاية عام 2035، لتخرج البحيرة من نطاق الاستفادة منها سواء أكان للريّ أم الخزن أم حتّى تربية الأسماك"، وقال: "يمكن القول إنّ البحيرة لم تعد تصلح للحياة، إلاّ كمشروع سياحيّ يقام على هامشها".
وأكّد "انخفاض مستوى مياه البحيرة من 34 م فوق مستوى سطح البحر، إلى نحو 20 م، وتحوّلها إلى الجفاف"، عازياً ذلك إلى "أسباب قاهرة، وهي انخفاض مناسيب المياه في نهر الفرات المتّصل بها، بسبب السدود التركيّة التي قلّلت الحصص المائيّة المطلقة إلى العراق، وقلّة مستويات الأمطار في السنوات الأخيرة، فضلاً عن انحسار مياه السيول المتدفّقة من الصحراء المجاورة للبحيرة"، وقال: "تضاف إلى ذلك نسب التبخّر العالية من مياه البحيرة، وهو الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع الملوحة واستحالة قدرة الحيوانات المائيّة مثل الأسماك على العيش فيها".
وكشف عون كيف أنّ "وزارة الزراعة جرّبت في تسعينيّات القرن الماضي مشروع تربية الأسماك البحريّة (الشالك) التي يمكنها العيش في المياه المالحة، إلاّ أنّ المشروع لم يلق النجاح".
ما تحدّث به عون يجعل استعادة الزمن الجميل في البحيرة أمراً بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً، في حين كانت البحيرة مكاناً لجذب السيّاح من مختلف المحافظات وحتّى من العرب والأجانب، نظراً لما تتمتّع به من مناظر جميلة وخلاّبة، إضافة إلى أنّها كانت مصدر رزق للكثير من الأسر بسبب ثروتها السمكيّة وطيورها.
وليست قساوة الطبيعة وحدها، التي نالت من البحيرة، بل إنّ المعارك المسلّحة جعلت منها مكاناً آمناً للجماعات المسلّحة التي تحارب الدولة، ففي 11 حزيران/يونيو من عام 2017 قتل 5 من عناصر تنظيم "داعش" خلال عمليّة استباقيّة في شرق هذه البحيرة، وعثرت القوّات الأمنيّة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 على 1904 مقذوف من المخلّفات الحربيّة في المناطق المحاذية لها. كما أنّ الناس في المنطقة ألحقوا أضراراً بالبحيرة، نتيجة رمي المياه الثقيلة لمدينة كربلاء في البحيرة عبر المبازل.
وتبدو وجهة نظر ذياب في أنّ "البحيرة عديمة الفائدة زراعيّاً وإروائيّاً بعد الآن، وأنّها يمكن أن تكون مشروعاً سياحيّاً فقط"، الأقرب إلى الواقع والتحقيق، وقد تجسّد ذلك في طرح الهيئة الوطنيّة للاستثمار العراقيّة بـ28 كانون الثاني/يناير من عام 2018 مشروع مدينة الحبانيّة السياحيّة بمحافظة الأنبار (غرب)، للاستثمار بكلفة 25 مليون دولار ويتضمّن إقامة مدينة سياحيّة على بحيرة الرزازة وتأهيل الفندق والشقق السياحيّة وعددها 200 شقّة، المبنيّة سابقاً، وفق المواصفات المتطوّرة، وبناء مدينة ألعاب متكاملة ومرسى الزوارق، ومطاعم فخمة، وخيمة كبرى.
غير أنّ "العتبة الحسينيّة لا تنتظر بعد اليوم، وهي ترى المنطقة قد غزاها الجفاف والتصحّر"، كما قال لـ"المونيتور" المسؤول عن أضخم مشروع لمكافحة التصحّر في منطقة البحيرة المهندس الزراعيّ فائز عيسى، مشيراً إلى أنّ "العتبة تجاوزت روتين العقود والموافقات وشرعت في الإنجاز المباشر بإقامة حزام أخضر بزراعة حوالى 2000 دونم من الأراضي الصحراويّة في جنوب البحيرة، فضلاً عن حفر عشرات الآبار التي توصل الماء عبر أنبوب ضخم إلى المناطق المزروعة".
إنّ ظاهرة الجفاف التي تهدّد الزراعة، تستدعي البحث عن أفضل الوسائل لتحويل المنخفضات الطبيعيّة مثل الرزازة إلى خزّانات مياه هائلة، ولن يتحقّق ذلك إلاّ بسياسات مائيّة متّفق عليها مع دول الجوار لملء هذه البحيرات بالمياه الكافية، فضلاً عن الاستفادة من السيول الناجمة عن الأمطار بإقامة المشاريع التي تصرّفها إلى تلك البحيرات.