اقتصاديات الديمقراطية وعروض وطلب السياسيين
جريدة الاقتصادية
2018-06-12 04:28
ويل ستيبينز
يقول البروفيسور روجر مايرسون من جامعة شيكاغو، إن الديمقراطيات الناجحة تحتاج إلى أكثر من مجرد الانتخابات، فهي تحتاج إلى استمرار توافر سياسيين يتمتعون بسمعة حسنة لقدراتهم القيادية المسؤولة.
وبينما قد يبدو هذا استنتاجا لا لبس فيه، فإن مسألة بناء السياسيين سجلات أدائهم تعد أمرا بالغ الأهمية، وهي مسألة ضرورية على نحو خاص في المجتمعات التي تمر بمراحل انتقالية، ولم تشهد من قبل إجراء انتخابات تنافسية. وفي كلمته الافتتاحية التي ألقاها أمام المنتدى الذي نظمه رئيس الخبراء الاقتصاديين في مكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول التحولات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، تطلع مايرسون إلى ما هو أبعد من خطوات مثل الانتخابات، إلى هيكل الأنظمة الديمقراطية وكيفية تحديد النتائج.
وباعتباره خبيرا اقتصاديا، حدد أوجه الشبه بين الحاجة إلى ضمان وجود سياسيين ثقات، وأهمية تهيئة المنافسة العادلة أمام قطاع خاص حيوي. وربما يتفق الجميع على المنافع المترتبة على تحقيق تكافؤ الفرص، لكن الشركات الكبيرة المستقرة لا ترحب بذلك بالضرورة، إذ يسعدها دائما أن تستأثر بالأسواق لنفسها، وتحدد الأسعار كما يتراءى لها. فهيكل القطاع الخاص هو الذي يجد المنافسة.
ومن اللازم هنا تشجيع الشركات الجديدة، من خلال تحسين قدرتها على الوصول إلى التمويل، ووضع إطار عمل قانوني يسهل دخولها إلى السوق. فالشركات تتنافس فيما بينها، لكن بيئة الأعمال هي التي تشجع المنافسة، وتضمن استمراريتها. وينطبق هذا تماما على البيئة السياسية. فالانتخابات الحقيقية مطلوبة حتى يظل تركيز السياسيين منصبا على تقديم الخدمات بدلا من محاباة الحزب والأنصار الذين أوصلوهم إلى السلطة. فالتحدي يجب أن يأتي من الوافدين الجدد الذين لديهم فرصة لإثبات قدراتهم.
وبالطريقة التي يجب بها هيكلة القطاع الخاص نفسها بغية تشجيع المنافسة، يتعين أن توفر النظم السياسية الظروف الملائمة لظهور سياسيين جدد. وتعد كيفية رعاية السياسيين الجدد مسألة مهمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالنسبة للبروفيسور مايرسون، فلا غرابة في أن تهيمن بعض التنظيمات وأذرعها السياسية على الانتخابات الأخيرة، فمن بين سائر الجماعات المعارضة، هي الوحيدة التي تتمتع بسجل أداء في إدارة أموال المجتمعات المحلية وفي التعامل مع التبرعات، وتقديم الخدمات العامة.
ومع وضع دساتير جديدة، من الضروري اشتمال جميع فئات المجتمع في الحياة السياسية من خلال توفير فرص لظهور سياسيين جدد. وأشار البروفيسور مايرسون إلى أن الدستور الذي وضع في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، على سبيل المثال، دعا إلى إنشاء مجالس محلية. وعلى الرغم من أن هذا لم يحدث على الإطلاق، وكانت هناك شكوك في صدق الالتزام به، فإن نقل السلطات، وما يتعلق بذلك من تحقيق اللامركزية، الذي دعا إليه لا يزال فكرة طيبة. فالمجالس المحلية لا تمكن المواطنين فقط، لكنها تشجعهم أيضا على تجربة إدارة الشؤون المحلية. إنه نوع الانفتاح السياسي المطلوب لجذب الناس إلى النظام. فمن خلالها، يمكن نقل الخبرات في إدارة الأموال العامة، وتقديم الخدمات التي يمكن أن تشكل الأساس لسجل الأداء المطلوب للمنافسة على المستوى الوطني.
وكما أن الانتخابات مهمة، فمن المهم أيضا وجود سياسيين يتمتعون بالخبرة ليتنافسوا فيها. ومن الضروري تصميم النظم الديمقراطية بحيث تشجع السياسيين الجدد وتضمن وجودهم. والسياسيون المنتخبون حديثا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صادقون بلا شك في التزامهم بالمثل العليا التي تدفع عملية التحول قدما. ومع ذلك، يمكن أن ينصرف اهتمامهم لأمور أخرى. وستكون هناك حاجة إلى تدفق مستمر من السياسيين الجدد لمواجهة التحديات الكبيرة، ولمساعدة السياسيين على الحفاظ على تركيزهم. ويحظى الانفتاح السياسي بأهمية خاصة للشباب والحركات الاجتماعية، الذين كانوا في طليعة الثورة، لكنهم استبعدوا من العملية الانتخابية، ومعالجة إحباطاتهم يوفر صيغة ناجحة وأكثر حيوية للديمقراطية.