لماذا قد تلام أوروبا على انهيار الصفقة النوويّة
المونيتور
2018-05-12 07:02
بقلم Mahsa Rouhi
إنّ محاولات بريطانيا وفرنسا وألمانيا لاسترضاء ترامب وضعتها بشكل متزايد في موقف ستلومها فيه جميع الأطراف على الأرجح في حال انهيار الصفقة النوويّة.
كانت زيارة الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانيّة أنكيلا ميركل الأخيرة إلى واشنطن الفرصة الأخيرة على الأرجح بالنسبة إلى الأوروبيّين لإقناع الرئيس دونالد ترامب بعدم الانسحاب من الصفقة النوويّة الإيرانيّة. وفي ظلّ تلاشي فرص إقناع ترامب مع اقتراب مهلة 12 أيار/مايو لرفع العقوبات، يمكن القول إنّ حلفاء الولايات المتّحدة في أوروبا نسوا الهدف وهم يحاولون استرضاءه. فبدلاً من التركيز حصراً على معالجة مخاوف ترامب المعلنة بشأن الصفقة، التي لا يمكن تبديدها على الأرجح، بإمكان فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة، المعروفة بالثلاثيّ الأوروبيّ، أن تخدم مصالحها بشكل أفضل بوضعها استراتيجيّات بديلة لحماية التجارة بين إيران والاتّحاد الأوروبيّ في حال انسحاب الولايات المتّحدة.
ففي حال عدم وضع خطط عمل ملموسة وتقديم تطمينات إلى الإيرانيّين بشأن الحفاظ على المنافع الاقتصاديّة لخطّة العمل الشاملة المشتركة، قد يتعرّض الثلاثيّ الأوروبيّ بشكل مجحف للوم - من جميع الأطراف - في حال انهيار الصفقة النوويّة. وقال مسؤولون إيرانيّون للمونيتور، طالبين عدم الكشف عن أسمائهم، إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة حذّرت منذ فترة طويلة الثلاثيّ الأوروبيّ من أنّ الاتّفاق لا يمكن أن يبقى موجوداً من دون إيران فيما يمكن نظريّاً وضع خطّة عمل شاملة مشتركة من دون الولايات المتّحدة. وفي هذا السياق، تصرّ الجمهوريّة الإسلاميّة على وضع أوروبا تدابير، كتمويل بديل وتشريعات مانعة، لحماية شركاتها من أجل توفير حوافز كافية لإيران لكي تبقى ملتزمة بخطّة العمل الشاملة المشتركة في حال انسحاب الولايات المتّحدة.
لكن في هذه المرحلة، إنّ الاستراتيجيّة الأوروبيّة التي تقتصر على ما يبدو على محاولة تلبية مطالب ترامب تجعل بقاء إيران في الصفقة في حال انسحاب الولايات المتّحدة شبه مستحيل – أقلّه في نظر المسؤولين الإيرانيّين. وبالتالي، فقد تؤدّي مقاربة الثلاثيّ الأوروبيّ المتمثّلة بإبقاء الولايات المتّحدة في الصفقة إلى خسارة كلّ من واشنطن وطهران في هذه العمليّة. وينبغي أخذ ثلاثة عوامل رئيسيّة بعين الاعتبار عند تقييم هذا الاحتمال المعقّد.
أوّلاً، سيلوم ترامب على الأرجح الثلاثيّ الأوروبيّ على عجزه عن إعادة التفاوض بشأن الصفقة و"إصلاحها". فبعد أن وجّه ترامب في إعلانه في 12 كانون الثاني/يناير إنذاراً نهائيّاً إلى الثلاثيّ الأوروبيّ لـ "إصلاح العيوب الكارثيّة في الصفقة وإلا فستنسحب الولايات المتّحدة"، بدأ هذا الثلاثيّ محاولاته لإنقاذ الصفقة، كلّ من أجل مصالحه الخاصّة المتعلّقة بالأمن القوميّ. وقد رفع ترامب مطالب عدّة، من بينها تشديد عمليّات التفتيش، وإلغاء بنود الانقضاء المتعلّقة بتخصيب اليورانيوم وفرض عقوبات على الأنشطة الصاروخيّة البالستيّة. وكما أظهر تعيين ترامب لمستشار الأمن القوميّ جون بولتون ووزير الخارجيّة مايك بومبيو، اعتماده أيضاً موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران بشكل عامّ، مثيراً مخاوف بشأن اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط. وقد عزّزت رغبة أوروبا في تفادي هذا السيناريو الكارثيّ النفوذ الأميركيّ، ما شكّل حافزاً أكبر بالنسبة إلى الأوروبيّين لتركيز جهودهم على محاولة إبقاء واشنطن في الصفقة.
ثانياً، من المفترض أن تلوم إيران الثلاثيّ الأوروبيّ على لجوئه إلى الكلام ليس إلا في محاولته حماية المنافع الاقتصاديّة التي توقّعت إيران استخراجها من خطّة العمل الشاملة المشتركة. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة بشكل خاصّ إلى تصريح الرئيس حسن روحاني في 7 أيار/مايو الذي قال فيه إنّ "ما نريده من الصفقة النوويّة إمّا تضمنه دول غير أميركا، وإمّا نحدّد طريقنا وخططنا بأنفسنا إذا ارتأينا أنّ ما نريده من الصفقة النوويّة غير مضمون". وبالتالي، تشمل الخيارات التي يدرسها المسؤولون الإيرانيّون على ضوء التهديدات الأميركيّة بإعادة فرض العقوبات، الانسحاب من خطّة العمل الشاملة المشتركة أو حتّى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النوويّة. وبالفعل، تدعو الأصوات المتشدّدة في طهران بشكل متزايد إلى اعتماد الخيار الأخير، في ظلّ تزايد الشعور بخيبة الأمل.
وستترتّب على كلي الخيارين تداعيات خطرة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النوويّة كمؤسّسة، وعلى عدم الانتشار في الشرق الأوسط وعلى النزاعات في المنطقة.
يبرز عامل ثالث ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند تقييم وضع الثلاثيّ الأوروبيّ، ألا وهو مواقف الدول والشركات الأوروبيّة التي قامت بالفعل بالاستثمار في إيران. فمن المحتمل أن تلوم هذه الأطراف أيضاً الثلاثيّ الأوروبيّ بسبب تركيز جهوده على استرضاء ترامب بدلاً من دعم خطّة العمل الشاملة المشتركة. وفي هذا السيناريو، قد يسلّط انهيار الصفقة النوويّة الضوء على نقاط ضعف أوروبا وطبيعة العلاقات العابرة للأطلسي. فإذا عجز الاتّحاد الأوروبيّ عن ممارسة حقوقه القانونيّة واستخدام الأدوات الاقتصاديّة التي في حوزته لكي يقف على قدميه - علماً أنّه أعلن بأنّه سيفعل ذلك - سيفقد كلّ من الثلاثيّ الأوروبيّ والاتّحاد الأوروبيّ مصداقيّته كشريك تفاوضيّ في أيّ اتّفاق دوليّ مستقبلي.
في هذه المرحلة، يتعيّن على الاتّحاد الأوروبيّ، المدرك لهذه الثغرات، ممارسة حقوقه القانونيّة ووضع آليات من أجل الحفاظ على الصفقة من خلال تقديم ضمانات إلى إيران بشأن حماية التجارة والاستثمارات الأوروبيّة في حال إعادة فرض العقوبات الأميركيّة. وينبغي تحويل هذه الآليات، التي ظلّت حتّى الآن موضع نقاش، إلى خطط عمل فعليّة مرفقة بخطوات محدّدة بوضوح لتطبيقها. ولا يجب أن ننسى أنّه ما زال بإمكان أوروبا اعتماد خيارات جوهريّة تتعلّق بالتجارة والمصارف بشكل خاصّ - بما في ذلك خيارات تتعلّق بالتمويل البديل وتشريعات مانعة تحمي الشركات الأوروبيّة من العقوبات الأميركيّة - وقد تُقنع إيران بأنّ خطّة العمل الشاملة المشتركة تستحقّ الامتثال لها.
إنّ التحرّكات الأوروبيّة في الأيّام المقبلة لن تكون لها تداعيات مهمّة على عمليّة صنع القرار في إيران فحسب، بل قد يكون لها أيضاً تأثير مباشر على ترامب. فبالإضافة إلى اتّخاذ قرار بشأن الانسحاب من خطّة العمل الشاملة المشتركة، يتعيّن على الرئيس الأميركيّ أن يقرّر ما إذا كان انسحابه من الصفقة سيتّسم بـ"النعومة" أم "العنف". في هذه المعادلة، ستكون لقرارات أوروبا نتائج مهمّة على وضع الاتّحاد الأوروبيّ كلاعب عالمي مستقلّ يمكنه التمسّك بمواقفه في المسائل التي تُعتبر بالغة الأهميّة بالنسبة إلى الاتّحاد. وبالتالي، يواجه الاتّحاد ربّما فرصته الوحيدة لإنقاذ الاتّفاق النوويّ وكذلك مصداقيّته في المفاوضات المستقبليّة مع إيران.