خمسة أسباب تبقي إيران خارج الغوطة الشرقية

المونيتور

2018-04-10 06:03

حميد رضا عزيزي

 

إن عدم مشاركة إيران في العمليّات العسكريّة في عفرين والغوطة الشرقيّة يطرح عدّة تساؤلات حول سياسة إيران تجاه الحرب السوريّة.

بعد أسابيع من القتال العنيف بين الجيش السوري المدعوم من روسيا وجماعات المتمردين في الغوطة الشرقية، تمكّنت الحكومة السوريّة من السيطرة على أكثر من 90% من ضاحية دمشق الاستراتيجيّة، وذلك نتيجة لاتفاق بين روسيا والجماعات المتمرّدة، وافقت بموجبه هذه الأخيرة على إخلاء المنطقة ونقل قوّاتها المتبقّية إلى مدينة إدلب التي يسيطر عليها المتمرّدون في شمال غرب البلاد. واليوم، مع وجود تقارير عن أنّ جماعة جيش الإسلام المتطرّفة قد بدأت تغادر جيبها في دوما، أصبحت حكومة الرئيس بشار الأسد على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهمّ انتصار لها بعد استعادة حلب في كانون الأول/ديسمبر 2016.

منذ بدء عمليّة فولاذ دمشق في الغوطة الشرقيّة في شهر شباط/فبراير، لم تتردّد روسيا في دعم النظام بشكل فعّال سواء أكان من خلال توفير الدعم الجوّي للجيش السوري والتفاوض مع الجماعات المتمرّدة حول صفقات الإجلاء، أم من خلال تحرّكات دبلوماسيّة بعد أن منعت موسكو مجلس الأمن الدولي من تمرير قرار كان من شأنه أن يقيّد يدي الحكومة السورية في محاربة الجماعات المسلحة.

أما إيران، وهي حليف أساسي آخر للأسد، فقد امتنعت عن أي تدخّل فعّال، مفضّلة ترك المهمّة لموسكو ودمشق. فعلى الرغم من إعلان إيران المستمرّ عن أنّ مشاركتها العسكريّة في سوريا لها طبيعة استشاريّة، لم ترد تقارير هذه المرّة عن وجود قادة عسكريّين إيرانيّين في غرفة الحرب السوريّة أو حتى مقاتلين موالين لإيران في الغوطة الشرقيّة. وأتى موقف إيران السياسي المباشر الوحيد بشأن هذه المسألة على لسان نائب وزير الخارجيّة عباس عراقجي، الذي أعرب في 22 شباط/فبراير عن قلق الجمهوريّة الإسلاميّة من الوضع في المنطقة، داعيًا إلى حلّ سياسي للصراع.

لماذا ابتعدت إيران الآن عن تقاليدها التي دامت سبع سنوات وتمثّلت بدعم دمشق ضدّ الجماعات المتمرّدة والإرهابيّة؟ هل نشهد تغيّرًا في الاستراتيجيّة الإيرانيّة بشأن سوريا أم أنّها مجرّد خطوة تكتيكيّة تهدف إلى الحفاظ على أهداف معيّنة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، تبرز عدة عوامل متّصلة وإن كانت مستقلّة ينبغي أن نأخذها في عين الاعتبار.

أوّلاً، ابتداءً من 18 شباط/فبراير، جاءت عمليّة الجيش السوري في الغوطة الشرقيّة بعد فترة وجيزة من إسقاط طائرة إف 16 الإسرائيليّة، في ما وصفه بعض الإسرائيليّين على أنّه جزء من أجندة إيرانيّة تهدف إلى تصعيد الوضع في سوريا. وقد أدّت العمليّة إلى حملة إسرائيليّة جديدة ضدّ وجود إيران في سوريا، باعتبارها تشكّل خطرًا مباشرًا على تل أبيب، لذلك، كان بإمكان تل أبيب استخدام أيّ تدخّل عسكري جدّيّ جديد لإيران، سواء أكان في الغوطة أم في أيّ مكان آخر، كذريعة لزيادة ضغوطها على طهران، أقلّه من خلال التحرّك العسكري ضدّ الجماعات الموالية لإيران والمؤيّدة للأسد في سوريا.

كما أنّ إيران على يقين من أنّه بعد انهيار الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريا، سيرد احتواء نفوذ إيران على رأس أولويّات الولايات المتّحدة، التي ستستغلّ، بحسب طهران، أي فرصة للضّغط عليها وإخراجها من المشهد السوري. وعلى الرغم من غياب إيران عن العمليّات العسكريّة في الغوطة الشرقيّة، اتّهمت الولايات المتّحدة طهران وموسكو ودمشق بقتل المدنيّين الأبرياء في المنطقة. وإلى جانب الادّعاءات الأمريكيّة حول استخدام الأسد الأسلحة الكيماويّة في خلال عملية الغوطة، من الواضح أنّ إيران تفهم أنّ أيّ تدخّل حقيقي كان سيسهّل تحرّك واشنطن وإطلاقها ضربات عسكريّة، لإعاقة تقدّم الجيش السوري.

وإذا كان هدف إيران العسكري الرئيس في سوريا هو تطهير أكبر مساحة ممكنة من الإرهابيّين والمسلّحين، فيستطيع الجيش السوري أن يحقّق هذا الهدف بمساعدة روسيا من دون أيّ حاجة لوجود إيران المباشر. وفي ما يتعلّق بالغوطة الشرقيّة، كان الاهتمام الدولي الواسع النطاق بالوضع، بخاصّة من وجهة النظر الإنسانيّة، يعني أنّ الاعتماد على القوّة العسكريّة وحدها لم يكن خيارًا صالحًا، وأنّ الحاجة تدعو إلى التوصّل إلى نوع من الاتّفاق مع المتمرّدين في مرحلة من المراحل. لكن خلافًا لروسيا، لم تكن إيران قادرة على - أو راغبة في - تشكيل أي قنوات اتّصال فعليّة مع المتمرّدين، وبالتالي فهي لم تكن قادرة على إشراكهم سياسيًا بطريقة مجدية. لذلك، تم تسليم مهمّة التوصّل إلى تسوية مع المتمرّدين إلى موسكو، ونجح الرّوس في ذلك.

وبينما كانت روسيا تحاول منع قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي حول الغوطة الشرقية، واستبداله بمشروع قرارها الخاصّ الذي يبرّر استمرار العمليّات العسكريّة ضدّ الجماعات الإرهابيّة، كانت إيران تخضع لضغوط من الأمم المتّحدة جراء تورّطها المزعوم في الصراع في اليمن. لذلك، كان من الممكن استخدام أيّ تدخّل عسكري مباشر آخر في سوريا كدليل على أنّ إيران تؤدّي دورًا مدمّرًا في جميع أنحاء المنطقة. وقد ساعد غياب إيران عن الغوطة في تمرير مشروع القرار الروسي، وأدّى أيضًا إلى عرقلة قرار مجلس الأمن الذي سعى إلى استهداف إيران على خلفيّة دورها المزعوم في اليمن.

ولا يبدو من قبيل الصّدفة أن تكون العمليّة العسكريّة التركيّة جارية في عفرين في الوقت عينه الذي كانت تدور فيه العمليّة الروسيّة السوريّة في الغوطة الشرقيّة. بعبارات أخرى، وبالنظر إلى أنّ إيران تبنّت موقفًا محايدًا إلى حدّ ما تجاه العمليّتين – على الرّغم من أنّها أدلت ببعض التصريحات لإدانة التحرّك التركي - ثمة احتمال أن تكون التطوّرات الأخيرة نتيجةً لاتّفاق بين طهران وموسكو وأنقرة، باعتبارها الرّكائز الثلاث لمسار أستانا. وكجزء من الاتّفاق، قد تكون إيران قد وافقت على البقاء بعيدة عن عفرين والغوطة من أجل الحصول على موافقة أنقرة على عمليّة الحكومة السوريّة في الضواحي الشرقيّة لدمشق.

مع الأخذ في الاعتبار الصّورة الأكبر للتطوّرات في سوريا وحولها، يمكن القول إنّ موقف إيران من الغوطة الشرقيّة لم يأت نتيجة قيام الجمهوريّة الإسلاميّة بمراجعة استراتيجيّتها في سوريا، بل استند إلى موقف عملي يهدف إلى الحفاظ على مصالحها على المدى الطويل.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا