الفرصة الاميركية في العراق جاهزة لتُغتنم
د. حسين أحمد السرحان
2017-12-25 05:20
دوغلاس اوليفنت، نقلا عن موقعWar on the Rocks / واشنطن
ترجمة وعرض وتحليل: أ. م. د. حسين أحمد السرحان
مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء
تتباين اراء الكتاب والمختصين حول المصالح الاميركية من اغتنام الوضع في العراق وتوظيف المرحلة المقبلة لتعزيز تلك المصالح وتحقيق الاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة عموما وفي العراق خصوصاً. وهذه المقالة للكاتب دوغلاس اوليفنت المدير السابق لمجلس الامن القومي الخاص بالعراق خلال ادراتي بوش واوباما وباحث مشارك في (مستقبل مشروع الحرب) في مركز (New America)، ومدير مشارك في (Mantid International) وهي مؤسسة استشارية استراتيجية لها فروع في واشنطن وبيروت وبغداد، تركز على تحقيق الاهداف الاميركية والتعامل مع المستجدات في العراق – لاسيما الازمة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية – بما يخدم تلك الاهداف.
اذ يعتقد الكاتب أن المساهمة الاميركية في هزيمة داعش أعطت واشنطن نفوذا جديدا في العراق. فضلا عن الصورة الايجابية للولايات المتحدة في بغداد. ومن الصعب المبالغة في تقدير أهمية ما أنجزه العراق في السنوات الثلاث الماضية، واغلب العراقيين يدركون الدور الاساس الذي لعبته الولايات المتحدة.
ويؤكد اوليفنت ان العراقيين حرروا معظم مناطقهم من سيطرة داعش، واستقر اقتصاد العراق، واضاف انتاج مايقارب من مليون برميل نفط يوميا من الحقول الجنوبية، وأبقى انتهاكات حقوق الإنسان بمستويات منخفضة بشكل كبير، وتجنب العنف المجتمعي على نطاق واسع، واتخذ خطوات مهمة في طريق الاستقرار والمصالحة الوطنية. ولكن التقدم في العراق هش. والانتخابات الوطنية المزمع تنظيمها في العام القادم ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الولايات المتحدة كحليف حيوي.
ووفقا للكاتب، قاد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي – المعارض الايراني لرئيس الوزراء حيدر العبادي الذي ينظر له على انه غربيا – حملة للدفع باتجاه الحرب للتعامل مع القضية الكردية. والعبادي تعامل بشكل حاسم مع هذا الضغط عبر الاستحواذ – بسرعة ملحوظة – على المنشآت الاتحادية في كركوك والمناطق المتنازع عليها. وسيكون هناك الكثير من الضوضاء، ومن المحتمل أن تكون هناك بعض الاشتباكات الطفيفة المرتبطة بهذه المسألة على المدى القصير، ولكن النظام السياسي العراقي ناضج وعملي الى اقصى حد من ان يذهب باتجاه صراع خطير.
وهكذا، يجب ان تكون اهداف الولايات المتحدة في العراق خلال مدة الستة اشهر القادمة الحاسمة المؤدية الى الانتخابات في العام القادم هي اقناع طرفي النزاع في بغداد وكردستان لتجنب المزيد من الصراع في المرحلة الراهنة في الوقت الذي تساعد فيه واشنطن العبادي على تحقيق التقدم في الانتخابات عبر تحقيق الامن النمو الاقتصادي والخدمات.
كلما استطاعت الولايات المتحدة جلب العراقيين والاكراد لصفقة كبيرة تساعد على تحديد اضافي للتأثير والنفوذ الايراني ، كلما كان ذلك افضل. وفي الوقت نفسه هناك الكثير ينبغي على واشنطن القيام به في الانتخابات القادمة. والقطاعات الاساسية التي يجب على الولايات المتحدة التركيز عليها هي الامن، الاقتصاد، المصالحة الوطنية واعادة الاعمار في مرحلة مابعد داعش، والقضية الكردية.
الامن :
يرى الكاتب ان هناك نوعان من القضايا الأمنية الواضحة، ولكنها متشابكة في العراق: الأول، انتشار المليشيات والقوات الفرعية في العراق على الرغم من ان بغداد عملت على تنظيمها. والثاني استمرار الضعف في القوات الامنية الاتحادية. مع ان هناك قوات مقتدرة مثل وحدات جهاز مكافحة الارهاب وبدرجة اقل الفرقة التاسعة والفرقة السادسة عشر وفرقة الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية. وبشكل عام، مهما يكن ، لازالت القوات العراقية غير قادرة على توفير الامن المطلوب في بيئة مابعد الصراع في المناطق المحررة من سيطرة الارهاب، ناهيك عن الدفاع عن الحدود الوطنية.
في الامد القصير، سيتعين على بغداد ان تقبل بالواقع، في الوقت الذي تحاول فيه الحد من وجود المليشيات من كل المكونات. وهذه المليشيات – وفقا لرأي الكاتب – تضم العرب الشيعة اي الحشد في جانبيه ذو التبعية الايرانية والحشد التابع لكربلاء والنجف، والمليشيات السنية التي تقدم تقاريرها إلى مجموعة من الشخصيات السياسية والقبلية كمزيج مختلط، والبيشمركة الكردية من كل الجانبين تلك التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود برزاني، والتي يقودها الاتحاد الوطني الكردستاني، اضافة الى الفصائل المدعومة من حزب العمال الكردستاني التركي، وهذه كلها ستستمر في دورها الدفاعي. وكل الاقليات التركمانية (الشيعية والسنية)، الايزيدية، والشبك، والمسيح، سيكون لهم جميعا قدرة دفاعية على الأقل، إن لم يكن لهم قدرة على حمل المعركة الى أماكن أخرى. كل هذه الجماعات ستعيش انشقاقات عميقة بين المصالح المحلية المتعددة والمصالح الاقليمية.
ويرى اوليفنت ان الحل لمشكلة المليشيات العراقية يكمن في حل ”عصفورين بحجر واحد“. ينبغي على واشنطن – وكجزء من تعاونها مع حليفتها حكومة بغداد – ان تبقى ملتزمة ببناء القوات الامنية العراقية وتحسين قدراتها طالما بقى العراق خارج المحافظات الكردية الثلاث. ويتعاطف الجمهور العراقي بشكل واسع مع المليشيات بسبب الثغرات الامنية. وبديهيا، بعض المليشيات وبالخصوص تلك المدعومة من ايران، لديها اجندات عدائية تتجاوز الاهتمامات الأمنية المحلية.
ومع استمرار تحسن قدرات قوات الجيش والشرطة العراقية في ظل دعم الولايات المتحدة، سيكون بمقدورها توسيع نطاق وصول حكومة بغداد إلى هذه المجتمعات على أساس ثابت، وتوفير الأمن الذي يتوقعه المواطنون من دولتهم، وجعل الميليشيات لا لزوم لها. ومن الواضح أن مواصلة وتعزيز مهمة التدريب الأمريكية ستكون في مصلحة الدولتين، ويجب أن تكون من أولويات السياسة الأمريكية.
الاقتصاد
يشير الكاتب الى ان هناك طرق مهمة تجعل من الاقتصاد العراقي قصة نجاح. واجه العراق في الماضي القريب تحديا وهو القتال على مدى ثلاث سنوات ضد الارهاب في ظل انخفاض كبير في اسعار النفط. ومع ذلك حافظ البلد على قوة عملته، وواصل خدمة ديونه، ودخل اتفاقية مع صندوق النقد الدولي وزاد من انتاجه النفطي بنسبة 25%، وكل ذلك بالتزامن مع قتال داعش، وهذه إنجازات هامة لا ينبغي إغفالها.
ومع ذلك، وبشكل عام ، لايزال الاقتصاد يواجه تحديات. وزارة النفط العراقية تكنوقراطية ونزيهة، والعبادي، (ليس مثل سلفه المالكي استغل سلطته لهدر موارد الدولة)، ولكن مؤسسات الدولة بشكل عام تعاني من الفساد ويعاني الاقتصاد العراقي من الاعتماد المفرط على قطاع النفط. كما ان الاسواق والمؤسسات المالية في البلاد متخلفة الى حد كبير وبالتالي هي منفصلة تماما عن النظام العالمي. مرة اخرى، يجب أن تكون الولايات المتحدة حليفا لا غنى عنه للعراق يوفر له المساعدة التكنولوجية والمساندة في صندوق النقد والبنك الدوليين وكذلك مع البلدان الهامة الاخرى.
وفضلا عن ذلك، ينصح الكاتب الادارة الاميركية بتشجيع العراقيين على الاستفادة القصوى من مواردهم النفطية الضخمة في جنوبي العراق في الوقت الذي يحتاجون فيه لها. وهناك طريقتين لتحقيق ذلك: الاولى، يتعين على العراق تحسين انتاجية حقوله عبر تطوير عقود الخدمة الى اتفاقيات مشاركة في الانتاج مع كبرى الشركات العالمية الامر الذي يحفز القطاع النفطي العالمي على زيادة التكنولوجيا والاستثمار في حقول النفط العراقية. الثاني، يمكن للعراق أن ينظر في إعداد طرح عام أولي لشركة نفطية وطنية على نموذج عرض أرامكو السعودي القادم وهي الاكتتاب. ويمكن أن يعرض بيع حصة قدرها 5 أو 10 في المائة إلى السوق الدولية وتخصيص حصة مماثلة للداخل العراقي ويحصل على عشرات المليارات من الدولارات، مع اعتماد الشفافية والمساءلة والاهتمام بالشعب العراقي. ولم يكن أي من هذين الخيارين مستساغين سياسيا في الماضي، ولكن ظروف اليوم قد توفر فرصة أفضل.
اعادة الاعمار
يؤكد الكاتب ان الاستقرار في اعقاب احداث دراماتيكية صادمة مثل سيطرة تنظيم داعش والحرب لاخراجه امر معقد للغاية، ولكن بعض الاجراءات التي تعد لبنات اساسية هي بسيطة. والبنى التحتية ضرورية لوضع آليات حل الصراع موضع التطبيق. والعراق يتخذ خطوات مهمة في كلاهما بمساعدة الامم المتحدة في الحالة الاولى ومعهد السلام الاميركي في الثانية. ولكن هذا لايعني انكار بان حجم كلتا المشكلتين يبدو هائلا. وكما كتبنا في عام 2015 ووجد صداه بعد عام فان داعش كان عامل مدمر بالنسبة لسنة العراق في مجالات المال والصحة والبنية التحتية والسمعة والتعليم والثقافة والقوة السياسية.
وبالنسبة لموضوعة الإبادة الجماعية التي مارسها داعش بحق المكونات من الايزيديين والمسيحيين الآشوريين، فانه – في الغالب – ليس من الواضح بان تلك المكونات سوف تكون قادرة على تجديد وجودها بشكل كامل على الإطلاق. والانتعاش – ان حدث – ستكون مهمة الاجيال القادمة. وليس من الواضح من أين سيحصل العراق على الأموال المطلوبة – دون الاستفادة من عائدات النفط في المستقبل – للتعامل مع الابعاد المتعددة للمشكلة. ومع ذلك، هناك جهود حسنة النية للتخفيف من حدة الأزمات الأسوأ والأكثر وضوحا في الأفق.
القضية الكردية
يرى الكاتب ان الاستفتاء لم يكن السبب في التطور الاخير والذي قاد الى الاحتكاكات مع الكرد. وكممارسة رمزية، هذا الاستفتاء اخبر العالم انه الجميع يعرف عن احلام الانفصال في قلب كل مواطن كردي.
وبالاحرى فإن التطور المهم هو بروز القضية الكردية كعامل اساس في تكثيف سباق الانتخابات العراقية القادمة الامر الذي جعل الاستفتاء حدث مضخم.
في صيف عام 2014، استغل الأكراد أزمة داعش للاستيلاء على الأراضي في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى. ويبدوا ان الاكراد لايزالون متمسكين بهذه المكاسب، على الرغم من استعادة حكومة العبادي سيطرتها على الاصول الاتحادية والاراضي من الحدود السورية غربا الى الحدود الايرانية.
كان المالكي – وفقا لرأي الكاتب -يضرب الطبول القومية حول قضية الاكراد، الامر الذي اضطر العبادي الى التشدد مع الاكراد من اجل رضا جناح اليمين في الانتخابات القادمة. ومن المحتمل ان تؤدي خطوات العبادي الناجحة خلال الايام القليلة الى فوز العبادي الحليف القوي للولايات المتحدة وبشكل مرحب به من قبل واشنطن.
وبدون موافقة واشنطن، لن يقوم قادة كردستان العراق باي حركة مفاجئة من اجل الاستقلال. وكردستان منطقة غير ساحلية لذا تتطلب دعم إيران وسوريا وتركيا وبغداد للحصول على نوع من الوصول الى العالم الاوسع. ستكون القيادة الكردية في العراق ضعيفة الى حد كبير ومعزولة بدون داعم رئيس، وهذا هو سبب بذل الاكراد الكثير من الجهد للضغط في واشنطن.
وفي نفس الوقت يؤكد الكاتب ان الدولة الكردية الجديدة – ان تشكلت – قد لاتكون حليف مضمون للولايات المتحدة كما وعدت بذلك العديد من جماعات الضغط الكردية في واشنطن. نصف الاقليم يعود – ان صح التعبير – الى اسرة البرزاني الموالية لتركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني. والنصف الاخر يعود الى عائلة الطالباني وحزبها حزب الاتحاد الوطني الديقراطي وقد انقسم الحزب الاخير الى ثلاثة اقسام. وفي نفس الوقت تفصل حاشية مسلحة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين. كما السياسات الداخلية للاقليم معقدة الى حد كبير ومشحونة من قبل جماعات الضغط التابعة للبرزاني في واشنطن ليؤمن الناس بها.
السؤال هو ماذا يجب ان تفعل واشنطن؟ هل هناك حاجة لدعم امريكي للاستقلال الكردي؟ ربما، ولكن يجب أن يكون هناك شرطان لأي دعم من هذا القبيل.
الاول، ان توافق الحكومة العراقية. لايمكن للدولة الجديدة ان تنجح بدون موافقة الدولة صاحبة السيادة الاصلية. فمثلا لايمكنها الحصول على رحلات جوية وكذلك لاتتمكن من من استمرار تصدير النفط عبر الانابيب او الحصول على ايرادات صادراتها ولايمكنهم العمل مع المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي او الامم المتحدة. إن كردستان العراق التي تبدو وكأنها الجبل الأسود – وهي دولة جديدة قابلة للحياة وذات سيادة كاملة تتداول بسلام مع جيرانها – ستكون جيدة من وجهة نظر أميركا.
الثاني، لايمكن السماح بوجود كردستان المستقلة اذا كان ذلك يعني فقدان العراق لصالح ايران. ان عراق مؤيد للولايات المتحدة أكثر اهمية للمصالح الاميركية من اي شيء يمكن ان تقدمه كردستان مستقلة خاصة اذا كانت معزولة من قبل جيرانها. العراق دولة كبيرة، غنية، حرة، ومتنامية. وكردستان العراق صغيرة، ومجهدة اقتصاديا، بعد سنوات من التنقيب عن النفط المخيب للامال والسيطرة الاقتصادية المركزية. كما ان النظام السياسي في العراق نظام مرن وذلك بفضل المساءلة والاختيار، ويتضح ذلك من سلسلة الانتخابات الناجحة التي خاضتها عشرات الأحزاب منذ عام 2005. بينما العائلات الحاكمة في كردستان تحكم قبضتها على عدد كبير من السكان الذي يغلي لأسباب عدة ويمكن ان ينفجر ”ربيع كردي” في اي لحظة.
وعليه يرى الكاتب انه لن يكون من المنطقي مبادلة حليف أكثر صلابة وقيمة لصالح طرف ضعيف وأقل تبعية. ولكن هناك طريقة – ربما – تجعل استقلال كردستان امر مربح للولايات المتحدة اي تحظى واشنطن بحليفين اذ يريد الأكراد إقامة دولة، بينما يريد العراقيون الثروة والاستقرار.
اغلب العراقيين – بما فيهم كبار الساسة – لايشعرون في هذه الايام بما يمكن ان تدفعه المحافظات الكردية الثلاث من ثمن جدي للإبقاء عليها. وكردستان ببساطة ليست جزءا رئيسا من المشاعر الوطنية المتصاعدة التي هي واحدة من نقاط القوة في العراق اليوم. وهذا يعود الى عوامل كثيرة، والعامل الاكثر وضوحا هو التاريخ المحفوف بالمخاطر الذي قادته مجموعتان -الحزبان الكرديان الحاكمان -بينهم العديد من القواسم المشتركة. وهذا واضح بطرق عدة صغيرة وكبيرة مثل عجز اغلب الشباب الكرد عن التحدث باللغة العربية وهو ما يتناقض مع الاجيال الاكبر سنا.
واقتصاديا يرى الكاتب انه من شأن الطلاق بين العراق وشماله الكردي ان يفيد الـ15 محافظة الجنوبية. ومع قطاعه النفطي القوي، العراق العربي بدون كردستان سيكون الرابح عبر انتهاء المشاركة في العوائد من اقليم كردستان.
كما يؤكد اوليفنت ان اعادة تأكيد العبادي السلطة الاتحادية على المحافظات الاربع خلال الايام الاخيرة كان سريعا، غير دموي نسبيا، وفعال بشكل كبير. هذه الاستعادة للنظام الدستوري على نحو فعال بعيدا عن الوضع السابق الذي شهد وجود داعش، يهيئ الآن الطريق لإجراء مفاوضات نظيفة نسبيا بشأن وضع المحافظات الثلاث في كردستان العراق. ويجب ان تكرس الولايات المتحدة موارد دبلوماسية مهمة لقيادة تلك المحادثات طالما اراد الطرفان حدوثها.
ويوضح اوليفنت ان هناك مساومة ايجابية لابد ان تكون تحت قيادة الولايات المتحدة: يحصل الاكراد على الاستقلال مقابل تخليهم عن الاراضي العراقية الاخرى التي استولوا عليها عام 2014. وهذا الامر يشتمل على سعادة وارتياح كاف ويدفع الجانبين ليكونوا عمليين اكثر. والجزء الاصعب سيكون وضع كركوك ونفطها ولكن حتى هذه المسالة يمكن حلها. بالنسبة لمعظم الكرد، فان الجائزة الكبيرة لحقيقة الاستقلال السيادي المدعوم اميركيا تستحق التخلي عن عش الدبور في المدينة التي احتلتها مختلف الفصائل المتناحرة لمدة ثلاث سنوات وذلك بفضل داعش. المشاركة في عائدات كركوك النفطية ربما يعمل به الطرفان بعيدان عن القيادة الاميركية للمفاوضات.
وبالتالي يمكن الاستفادة من هذه الفرصة الان لمصلحة الولايات المتحدة الاميركية. وطالما تم تحقيق ذلك من خلال عملية دستورية تم التفاوض عليها بين بغداد والأكراد العراقيين، وليس عبر إعلان من جانب واحد فسيكون لذلك مخرجات ايجابية لواشنطن. (ومن غير الواضح أن الأكراد في الاتحاد الوطني الكردستاني يريدون الاستقلال على الإطلاق، وبالتالي فإن وضعهم سيكون قضية إضافية). ومن المرجح ان ولادة كردستان المستقلة بهذه الظروف ستكون بغداد افضل صديق لها من بين الجيران الصعبين في المنطقة.
بالنسبة لتركيا، عندما كانت الحليف القوي للولايات المتحدة والمتوجه نحو الغرب، كانت تتمتع وكان صوتها مسموعا بشيء قريب من حق النقض في واشنطن حول مسألة الاستقلال الكردي. ولكن بسبب حالة العلاقات بين حكومة اردوغان الاسلامية والولايات المتحدة الاميركية، لم يعد الحال كما هو، اي لم يعد لتركيا صوت مسموع في الداخل الاميركي. الاقتراب التركي للجماعة العراقية الكردية التي قادت الاستفتاء، ورفضها حتى الآن لعب الورقة الرابحة لقطع الصادرات النفطية الكردية فعليا، يعني بان المعارضة التركية لاستقلال اكراد العراق ليس واضحا كما كان ذلك واضحا تاريخيا. وحماية التركمان في شمال العراق. لذا من المرجح ان تتصدر اولوية تركيا في حماية التركمان في شمال العراق بالتفاوض مع اي طرف.
وفي الوقت نفسه، من الواضح انه ليس من مصلحة الولايات المتحدة حل هذه القضايا في العواصم الاجنبية. كان اردوغان في طهران مؤخرا يناقش المسألة مع النظام الايراني. كذلك ناقش الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع القيادة الكردية وحاول اقناع العبادي بالحوار. ومع وجود صفقة إيجابية بقيادة الولايات المتحدة في كردستان، والانتخابات التشريعية التي تلوح في الأفق في العراق، وبالتالي السماح للآخرين في معالجة هذه القضية سيكون أمرا مؤسفا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.
واخيرا، وفي اطار النصح، فإن المهام المذكورة أعلاه تبين أن العراق سيتطلب اهتماما سياسيا مستمرا من الولايات المتحدة. وكذلك ستحتاج واشنطن الى اقصى درجات التأثير في بغداد. وعليه من الخطوات الهامة التي يمكن ان تقوم بها الولايات المتحدة وبدون تكلفة هي تعيين سفير سياسي في العراق. وبينما هناك عدد كبير من كبار ضباط الخدمة الخارجية يعملون بشكل استثنائي في العراق ، فقد حان الوقت الى ان تكون العلاقة سامية اكثر عن طريق تعيين شخصية لايرى العراقيين فيها شخصية بيروقراطية وانما كشخص يتحدث عن السلطة. وبالتأكيد فان بغداد ليس مثل باريس او جزر البهاماس، لذا فان اي شخص يترك حياته الخاصة لمثل هذا التعيين من المرجح ان يكون ملتزم الى حد كبير بالأعمال الشاقة المقبلة.
ان الاضطراب السياسي الذي أعقب استفتاء اقليم كردستان المليء بالمخاطر اضفى تعقيدا اضافيا الى وضع هو اصلا محفوف بالمخاطر. ولكن مع الاهتمام المستمر من الولايات المتحدة، يمكن للمرء أن يأمل في تحسن كبير، وإن كان لا يزال من الصعب تماما ان يكون العراق بمثابة واحد من الجسور المفضلة لدينا للعالم العربي.
التحليل
ان التركيز المبالغ فيه على تعزيز المصالح الاميركية حتى وان كانت على حساب المصلحة الوطنية للعراق – مع وجود كثير من الاهداف المشتركة – يقود الى انعكاسات تؤثر سلبا على عناصر العلاقات الاميركية – العراقية في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على اعادة تأسيس هذه العلاقات بالشكل الذي يجعل العراق مستقرا ويبعده عن الصراعات التي قد تعزز التأثير الايراني الذي يراه الاميركان اكثر خطورة على المنطقة واستقرارها واكثر خطرا على المصالح الاميركية فيها.
صانع القرار في العراق يدرك الاستراتيجية الاميركية في المنطقة وطبيعة الصراعات التي تلف المنطقة وفواعلها الاقليميين وكذلك من خارج الاقليم ونقصد الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، ولكن مع ذلك اسست الحكومة العراقية لثوابت وطنية عقب مرحلة من التشتت في الاداء السياسي الخارجي والداخلي وضياع الاهداف. وهذه الثوابت يمكن قراءتها ضمنا من خلال المواقف والسلوكيات السياسية للحكومة داخليا وحتى على صعيد السياسة الخارجية، وهي وحدة العراق، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع وفق معايير المصالح الوطنية.
لذا على الادارة الاميركية ان تكون أكثر ادراكا للثوابت الوطنية العراقية عند تحديد اهدافها ومصالحها. وبالتالي عندما يتحدث الكاتب عن امكانية تأييد الولايات المتحدة لاستفتاء اقليم كردستان وانفصاله عن العراق وفق شروط معينة، فهو لايتوافر على قراءة دقيقة لطبيعة الثوابت الوطنية العراقية الامر الذي يضع الادارة الاميركية – في حال الاخذ بتوصياته – في حرج كبير عندما تتفاجأ ان وحدة العراق لايمكن المساس بها مطلقا ولايمكن وقوف العراقيين أمام أي خطر يهددها موقف المتفرج.