صفقة القرن: دولة فلسطينيّة ورقية

ما هي السيناريوهات المقبلة أمام عبّاس للردّ على العرض الأميركيّ الذي تلقّاه عبر الوسيط السعوديّ؟

المونيتور

2017-11-30 04:30

بقلم: إسماعيل عبد الهادي

 

تسعى الإدارة الأميركيّة بجهود متواصلة، وبكلّ الأساليب والطرق، إلى التوصّل إلى حلّ سلميّ وتسوية النزاع القائم بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، في ظلّ تعثّر كلّ السبل على مدار سنوات طويلة لإيجاد حلّ نهائيّ. ومن جديد، تشير مجريات الأحداث الأخيرة التي تبنتها السعودية والمتمثلة في الدعوة المفاجئة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وإطلاعه على خطة ترامب الحالية للسلام إلى أنّ الإدارة الأميركيّة بدأت فعليّاً بإطلاق خطّتها الجديدة لتحقيق السلام بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين تحت ما يعرف بـ"صفقة القرن"، والتي أعدّها الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وفريقه من خلال إقرار مبدأ حلّ الدولتين بالشكل السلميّ.

وأظهرت تسريبات من مصادر فلسطينيّة مطّلعة لصحيفة "القدس العربيّ" أنّ الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس خلال زيارته المفاجأة التي لم يخطّط لها من قبل للمملكة العربيّة السعوديّة في 6 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017 تلقّى عرضاً أميركيّاً عبر الوسيط السعودي ولى العهد محمد بن سلمان يقضي بإقامة دولة فلسطينيّة "على ورق" فقط، لا تمتلك سيادة ولا حق القرار مقابل تجميد الاستيطان والحصول على تسهيلات في الاقتصاد والمناطق المسمّاة "ج" حسب اتفاق أوسلو، وكذلك تسهيل الحركة على المعابر سواء معبر الكرامة الحدوديّ مع الأردن أو معبر رفح الحدوديّ مع مصر.

ووفقاً للمعلومات، فإنّ هذا الطرح من الجانب الأميركيّ هو الأمر الوحيد المتوافر، وإذا ما رفضه محمود عبّاس والقيادة الفلسطينيّة، فإنّ المقابل سيكون لا شيء، الأمر الذي يعني أنّ الإدارة الأميركيّة قد تنسحب من التزامها تجاه الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ.

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة "النّجاح" الوطنيّة الدكتور عبد الستّار قاسم: "إنّ الطريقة التي دعي بها الرئيس عبّاس لزيارة المملكة العربيّة السعوديّة غير مفهومة، وعليها علامات استفهام، لا سيّما أنّها جاءت بشكل متزامن مع استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانيّة".

وأشار إلى "أنّ ما طرح في اجتماع أبو مازن ووليّ العهد محمّد بن سلمان كان خطيراً، حيث وضع الأخير أبو مازن بصورة مستقبل المنطقة، وما ستؤول إليه القضيّة الفلسطينيّة من خلال الخطة الأمريكية والقرارات الحاسمة لإنهاء النزاع القائم "، وقال في حديث لـ"المونيتور": "إنّ الإدارة الأميركيّة وبقرارات نهائيّة كمبادرة أخيرة أعدها الرئيس ترامب، ستقوم على حلّ قضيّة اللاّجئين الفلسطينيّين العالقة وتصفيتها من خلال توطينهم في أماكن تواجدهم داخل بعض البلدان العربية المجاورة، وما تريده أميركا الآن عبر الوسيط السعوديّ ولي العهد محمد بن سلمان هو موافقة الرئيس عبّاس على تطبيع هذه الخطوة بشكل إجباري، خصوصاً مع تصلّب مواقف الرئيس في عمليّة السلام، ومبدأ حلّ الدولتين، ورفضه التنازل عن الثوابت الفلسطينية المشروعة كحق العودة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وكذلك رفضه التدخّل في الصراع الإقليميّ، وتحديداً الصراع السعوديّ - الإيرانيّ الذي يشهدّ توتّراً حادّاً".

أضاف عبد الستّار قاسم: "هناك أطراف عربيّة تعمل بحزم على إسقاط عبّاس من رئاسة السلطة الفلسطينيّة وإيجاد البديل المناسب، فالرئيس عبّاس ليس من السهل أن يقبل بالعرض الأميركيّ، هناك شراكة وطنيّة لها أسس أمام إيجاد الحلول المرضية للقضيّة وأوضح أن عباس مخيّر الآن بقرار نهائيّ ربّما يأخذ ردّه بعضاً من الوقت كمهلة، في ظلّ عدم وجود بديل مناسب لتولّي زمام الأمور خلفه، ولكن إن جاء ردّه سلبيّاً تجاه المطالب الأميركيّة الرامية إلى إحلال السلام وحلّ الدولتين، فسيبقى الخيار الوحيد أمامه إجباره على الاستقالة، وهذا يضع المنطقة في حالة تعقيد سيّئة قد لا تحمد عقباها".

أمّا الباحث المستقل والمختص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي فرأى "أنّ تطوّراً خطيراً مرتبطاً بقطاع غزّة المتمثل في تخلى حماس عن حكمها لغزة وتسلم حكومة التوافق زمام الأمور وزيارة الحركة إيران العدو الأول للسعودية، هو الذي دفع بالسعوديّة إلى دعوة عبّاس على عجل لزيارتها اليوم، رغم التحوّلات الدراماتيكيّة التي تمرّ بها السعوديّة على الصعيد الداخليّ".

وقال النعامي في منشور على صفحته "فيسبوك": تناولته وكالة فلسطين اليوم "حسب التسريبات الإسرائيليّة، فإنّ استدعاء عبّاس جاء على خلفيّة الاتصال المطوّل الذي دار بين وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان والرئيس الأميركيّ ترامب قبل الزيارة بيومين، والمطلوب من عبّاس في هذه المرحلة المتابعة والحذر الشديد".

بدوره، قال الكاتب والمحلّل السياسيّ المستقل يوسف إبراهيم في حديث لـ"المونيتور": "إنّ زيارة الرئيس عبّاس المفاجئة جاءت على خلفيّة الزيارة السريّة للمملكة قبل أسابيع من قبل مستشار الرئيس الأميركيّ جاريد كوشنير مبعوث ترامب الخاص لعملّية السلام في محاولة لدفع عمليّة التسوية قدماً، حيث تلقّى عبّاس إملاءات وشروطاً عدّة قائمة على خطة أمريكية لحل النزاع بين الدولتين، من خلال منح مواطنة وحقوق كاملة للفلسطينيين في الشتات, وحل مسألتهم كخطوة أولى بتعويض كامل من المجتمع الدولي، إضافة إلى عودة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وذلك نتيجة متغيّرات إقليميّة وعربيّة عدّة في المنطقة، والمتمثّلة في التكدّس الفلسطينيّ بمخيّمات اللجوء في لبنان ومحاولة إيجاد حلول نهائيّة لهم كالتوطين".

أضاف: "إنّ صفقة القرن التي تعدّها الإدارة الأميركيّة في مجملها تحمل العديد من المبادئ والشروط التي ليس لعبّاس وحده الحقّ في إقرار المصير فيها، فهي حقوق وثوابت فلسطينيّة لا يمكن التنازل عنها بسهولة".

وتابع: "هذه الخطوة جاءت في توقيت غير مناسب وصعب للغاية، في ظلّ جهود المصالحة الفلسطينيّة التي تبذل وتواجه ملفّات عالقة كملف الأمن بغزة وملف دمج الموظفين".

وأردف: ربما الضغوطات بدأت بشكل فعلى على عباس وهو ما جاء في تهديد واشنطن بإغلاق مكتب منظمة التحرير هناك وهو ما يدل على أن الأيام المقبلة ستشهد تحولات صعبة على الحياة السياسية لعباس ولعل لأيّام القليلة المقبلة ستشهد استقالة حقيقيّة لعبّاس بضغوط عربيّة ودوليّة، في حال لم يقم بالموافقة على الشروط التي تلقّاها من الإدارة الأميركيّة عبر الوسيط السعوديّ، في وقت تزداد فيه الأمور سوءاً وأكثر تعقيداً.

وتتضمّن "صفقة القرن" العديد من البنود التي تمثل الحلول من وجهة نظر أميركا تجاه تسوية النزاع، وفقاً لما نشره موقع "مصر العربية" والتي تتمثّل على أساس حلّ الدولتين، مقابل دعم سخيّ من الدول العربيّة، وعلى رأسها السعوديّة والإمارات، للسلطة الفلسطينيّة، حيث أعلن عبّاس في خطابه الأخير بالأمم المتّحدة في أيلول/سبتمبر الماضي أنّ إسرائيل رفضت كلّ المبادرات الدولية للحلّ، بما فيها مبادرة السلام العربيّة، مشيراً إلى أنّ حلّ الدولتين في خطر، وأنّ الفلسطينيّين لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي، وقال: "قد نجد أنفسنا مضطرّين إلى اتّخاذ خطوات أو البحث في حلول بديلة لكي نحافظ على وجودنا".

ويحاول الرئيس الأمريكي استغلال وجود الرئيس الفلسطيني في الحياة السياسية لتحقيق الصفقة قبل أي غياب مفاجئ له يضع المنطقة في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار إضافة إلى العلاقة الجيدة بين الرئيس عباس والسعودية قد يساعد ذلك في تحقيق المطالب من الضغوط السعودية عليه وهو ما يتضح أيضا من عدم إخفاء معالم الإدارة الأمريكية انحيازها الواضح إلى إسرائيل نتيجة الصداقة التي تجمع ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

كيف تتقي سعفة القدم؟فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطن