مستقبل الاكراد في العراق
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
2017-10-05 05:10
الكاتب: كراهام فولر، نقلا عن موقع لوبي لوغ الأمريكي
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ترجمة: هبه عباس محمد-من وحدة الترجمة في المركز
من بين شعوب الشرق الأوسط الذين عانوا من الحروب وتأثير الولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى على مدى القرن الماضي، يعد الأكراد الشعب الوحيد الذي تطورت قضيته الوطنية بشكل فعلي خلال الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة، وفي كل مرة يحاولون اثبات وجودهم على خارطة العالم وكسب اهتمام القوى العظمى. كما استفادوا من الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت من عام ١٩٨٠-١٩٨٨ من اجل الحصول على بعض عناصر الحكم الذاتي الانتقالي الفعلي في شمال العراق وحتى في ايران، ومن ثم أدت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة لإخراج صدام حسين من الكويت عام ١٩٩٠ الى انشاء اول منطقة حظر جوي آمنة للأكراد على الحدود التركية شمال العراق، ومن ثم غزو الولايات المتحدة للعراق عام ٢٠٠٣ والفوضى الواسعة التي خلفها سنحت الفرصة لأكراد العراق في إقامة منطقة حكم ذاتي، كما أدت الحرب الاهلية السورية الأخيرة الى تخلي الاكراد السوريين عن دعمهم للولايات المتحدة في حملتها العالمية ضد "داعش"، ويسعون الان الى إقامة دولتهم الإقليمية شمال سوريا.
يمثل الاكراد أحد أكبر المجموعات العرقية في العالم، أي حوالي ٣٥ مليون شخص وليس لديهم دولة خاصة بهم، ينتشرون في منطقة الشرق الأوسط بنسب متفاوتة تقدر بحوالي ١٥ مليون في تركيا و٦ ملايين في العراق و٦ ملايين في إيران و٢ مليون في سوريا.
هل يمكن ان يتحد الأكراد؟
لم يحقق الأكراد أي نوع من التضامن الكردي، والسبب الرئيس لذلك انهم يعيشون في مناطق جبلية ينقسمون فيها على أساس العشائر والتقاليد، والاهم من ذلك ان الدول التي يعيشون فيها عازمة على حرمانهم من أي نوع من الحكم الذاتي او الاستقلال، فضلا على ذلك فانهم مقسمين تاريخيا الى ثلاث ثقافات سياسية (الناطقة بالتركية في تركيا والعربية في العراق وسوريا والفارسية في إيران).
تعد اللغة الكردية فرع من اللغة الإيرانية وتتكون من ثلاث لهجات مختلفة، كما يعيش الاكراد في مناطق جبلية بعيدة عن المراكز الحضرية في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا واغلبهم من الاقطاعيين باستثناء من انتقل منهم الى المناطق الحضرية. وقد اعترفت تركيا في العقد الماضي بالأكراد كثقافة ولغة، فلم تكن تتداول الصحافة التركية مصطلح" الأكراد" قبل ٢٥ عاماً، وقد ادعت الثقافة الكمالية والحكم الكمالي بانه مجرد ضغط من قبل الاكراد المتخلفين "الجبليين"، لكن اليوم وخاصة في الأيام الأولى لحكومة اردوغان احرز حزب العدالة والتنمية تقدماً هاماً حيث تم الاعتراف رسمياً بالهوية الكردية وتم منحهم حرية التحدث باللغة الكردية التي كانت محظورة الاستخدام بشكل علني، واستخدمت اللغة الكردية في المدارس الى جانب اللغة التركية، لكن أجرى اردوغان والجماعات الكردية المتطرفة مفاوضات واعدة بالانهيار، حيث يسعى بذلك الى استخدام البطاقة القومية التركية لتعزيز موقفه السياسي الداخلي، ومن جانبها كثفت الفصائل الكردية المسلحة وحزب العمال الكردستاني عمليات التمرد داخل تركيا ولايزال الوضع متوتراً بين الجانبين وخاصة في الوقت الذي يعزز فيه اردوغان سلطته الاستبدادية على البلاد، حيث سحق قيادة الحزب السياسي الكردي الجديد التقدمي وحزب الشعب الديمقراطي.
أما أكراد العراق فقد حققوا الحكم الذاتي وخاصة بعد سقوط صدام، كما اعترفت انقرة بالوجود الكردي في العراق، وهذا الامر قربهم من المدار الاقتصادي التركي حيث تمثل تركيا المنفذ التجاري الوحيد للأكراد.
ومن جانبهم استفاد اكراد سوريا من الاضطرابات الجارية في بلدهم لتشكيل كيان سياسي جديد او منطقة حكم ذاتي اطلقوا عليها "روجافا" تقع على الحدود السورية الشمالية مع تركيا، ويتم تمثيلهم من قبل وحدات حماية الشعب التي تربطها علاقات وثيقة مع الفصائل الكردية التركية وحزب العمال الكردستاني، كما تتعاون مع الولايات المتحدة في عمليات مكافحة "داعش"، وفي الواقع هرب الكثير من الاكراد السوريين من تركيا منذ عام ١٩٣٧ من المجزرة التي نفذها الجيش التركي و اعتذر عنها اردوغان عام ٢٠١١، لكن بقيت تركيا حذرة جداً من "روجافا" وينتابها الغضب من تعاون واشنطن العسكري مع الفصائل الكردية السورية، كما تصمم على عدم السماح بتأسيس أي كيان كردي مستقل شمال سوريا.
كان القادة والسياسيين الاكراد في الماضي محافظين الى حد كبير ويرتبطون بالجمعيات القبلية، لكن في عام ١٩٨٣ احدث حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله اوجلان تغييرا كبيرا في القومية الكردية، حيث كانت له رؤية ماركسية ودعا الى التحرير الوطني لجميع الأكراد وانشاء دولة كردية واحدة، تمثل هذه الاجندة الدولية تهديدا للقادة الاكراد المحليين التقليديين لاسيما في شمال العراق، كما ساعدت على تعاون بعض القادة الاكراد العراقيين مع انقرة ضد الفصائل التركية الأكثر تطرفاً والتابعة لحزب العمال الكردستاني، لكن هذا التعاون لا يصب في مصلحة العديد من الاكراد القوميين.
في الوقت الحالي يبدو ان الاكراد في إيران هم أكثر عزلة عن غيرهم من الأكراد في الدول الأخرى، فلم يتأثروا بالأحداث الجارية في سوريا والعراق، وعلى الرغم من اعتراف طهران بهويتهم الكردية الا انها لا تسمح بأي تحرك نحو الاستقلال الذاتي.
الخيارات السياسية الجديدة
في الحقيقة ان جميع الاحداث السياسية التي تحيط بالأكراد – القتال ضد داعش وانشاء الدولة العراقية الجديدة والنظام الجديد في سوريا ودور تركيا الأكثر نشاطا في المناطق الكردية خارج تركيا-تطرح امام الاكراد خيارات سياسية جديدة، ويبدو من الناحية التاريخية ان تحقيق الحكم الذاتي للأكراد امر مؤكد. لكن تتخذ تركيا والعراق وسوريا وإيران موقفا واحدا الا وهو رفض إقامة أي نوع من الاستقلال الذاتي، ومهما اختلفت على غيرها من القضايا لكن سيكون موقفها موحدا من هذه القضية، لان تحقيق الاستقلال في دولة واحدة سوف يدفع اكراد الدول الأخرى الى اتباع النهج ذاته، لكن قام الأكراد اليوم بتأسيس دائرة انتخابية دولية تجلب لهم تعاطف أكبر ودعم دبلوماسي واهتمام بحقوق الانسان في الخارج.
ويعد الاستفتاء الذي يعتزم الاكراد العراقيون اجراءه (تم الاستفتاء في الخامس والعشرين من ايلول الماضي-المترجم) من اجل الاستقلال خطوة تعارضها واشنطن والمجتمع الدولي وجميع الدول الإقليمية عدا إسرائيل اذ يعد دعمها للاستقلال جزء من سياستها الرامية الى اضعاف جميع الدول الإقليمية، ومن جانبهم سيصوت عدد قليل من الاكراد ضد الاستقلال، لكن ليس بالضرورة ان تترتب على التصويت بـ*نعم* نتائج حقيقية، لكن ستحصل حكومة إقليم كردستان على صفقة مساومة مع بغداد وستمضي قدما لتحقق الحكم الذاتي.
ان أسوأ ما يمكن ان يحدث هو تحقيق استقلال سياسي وثقافي كردي واسع في جميع المناطق الكردية، وإذا قامت الحكومات بعمليات القمع والاضطهاد سوف يزداد السخط الكردي الى جانب التعاطف الدولي معهم، لذا على جميع هذه الدول الأربع (تركيا وإيران والعراق وسوريا) ان تتعامل بذكاء مع هذه القضية على المدى الطويل، وان تعلم ان القمع والحرمان سيؤدي الى زيادة العنف والغضب المحلي.
ومن المفارقات ان تصبح تركيا هي الفائز الأكبر من تحقيق الحكم الذاتي الكردي فيها في حال استخدمت انقرة بطاقتها بذكاء، اذ يعيش اكثر من نصف اكراد تركيا خارج المنطقة الكردية الجنوبية الشرقية.وتعد إسطنبول اكبر مدينة كردية في العالم، واعترف الجمهور التركي بالهوية الكردية بشكل كبير، واذا مُنح اكراد تركيا حكما ذاتيا سوف يخرجون من عزلتهم في المناطق الجنوبية الشرقية ويصبحون جزءا من الدول المزدهرة في الشرق الأوسط من خلال علاقاتهم مع أوروبا واسيا، واذا استمر اردوغان بسحق المعارضة السياسية وتضييق الخناق عليها سيلحق الضرر بالديمقراطية التركية وبمكانتها الدولية في الوقت الراهن، لكن وجوده لن يدوم الى الابد.
وإذا تمكنت تركيا من تلبية طموحات اكرادها ستصبح مركزا للحياة الاقتصادية والثقافية الكردية لكل الشرق الأوسط، وفي الواقع ان سياسة تركيا تجاه اكرادها من خلال انشاء نموذج للحكم الكردستاني والحياة ستجذب الاكراد الساخطين في العراق وسوريا وإيران، وستصبح تركيا هي عاصمة الدولية الكردية.
اما إذا أصبحت تركيا غير حكيمة وحاول الرئيس اردوغان استغلال القومية التركية ضد الاكراد لدعم حكومته المعزولة، ستزداد حدة العنف والازمة في تركيا الامر الذي يلحق ضررا كبيرا بالبلاد وينتقل الى المناطق الكردية المجاورة.
لذا هل سيتحد الأكراد في ظل دولتهم؟ لا أحد يستطيع ان يجزم بذلك، وكيف ستنجح الدول الأربع في التصدي لتحدي دمج الأقليات الكبيرة الذي سيكون اختبار أساسي لحكمها الديمقراطي في المستقبل؟، لكن ما يجب ان نعرفه ان القمع والعنف لن يحل المشكلة الكردية وسيزيد من المطالب الكردية بالاستقلال.
* قسم الترجمة/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com
.....................................