حكاية بطل عراقي- ج2

شذى الشبيبي

2016-03-19 07:22

((إنهم رجال آمنوا بوطنهم وأحبّوا شعبهم فاختاروا أن يسيروا جنبا الى جنب مع الموت في مرحلة هي من أشد مراحل التاريخ ظلاما وشراسة في العراق بل في العالم أجمع .. دونما خوف ودونما تردد وبكل عزيمة أعادوا كتابة التاريخ بأرواحهم ودمائهم .. شبكة النبأ تفتح صفحة حكايات عن معاناة وبطولات تفوق الخيال يرويها لنا المقاتلون بأنفسهم أو يرويها عنهم ذووهم أو رفاقهم .. إنهم أبطال الحشد الشعبي والجيش العراقي الباسل))

المقاتل (أ . ر) أبو رقية خريج المرحلة الاعدادية من مواليد 1983متزوج وله طفلان .. هذا العراقي الجسور والغيور تطوع للعمل في صفوف الجيش العراقي منذ ثلاثة عشر عاما اي بعد سقوط النظام الدكتاتوري مباشرة ,, عايش أخطر وأصعب الظروف سنوات القتل على الهوية الطائفة والمنطقة .. وعليه نحن امام مقاتل احترافي عنيد مؤمن بقضيته لايعرف الخوف بل لايعترف به كله حماس وهمة ونشاط لحراسة الوطن حتى كان يوم 16/3/2015 الذي صدم أهله واصدقاءه وكل من يعرفه بالخبر المؤلم حيث اصيب ابو رقية بانفجار عبوة اثناء مشاركته في عملية اخلاء جثث شهداء من سرية قد سقطت بيد داعش في الانبار ، وكانت اصابته بليغة وخطيرة جدا لولا لطف الرحمن جل في علاه حيث نجى من الموت باعجوبة .

ونودّ قبل كل شيء ان نشكر المقاتل البطل أ . ر (ابو رقية) ونحيّي فيه الروح الرياضية والثقة العالية التي تحدث بها وكذلك نشكر صديقه الاستاذ (ابو دانيا) الذي تعرفنا من خلاله على البطل (ابو رقية) وسهل لنا كتابة هذه السطور من حكاية بطل عراقي .

ان الخدمة في صفوف الجيش العراقي لسنوات طويلة وان كانت سهلة باللفظ لكنها في الواقع تحمل أنبل المعاني في التضحية وقوة التحمّل والتفاني ومواجهة الموت بأبشع صوره في أية لحظة ، ليس من السهل ان يتخلى الانسان عن حياته وذويه ومن يحب ويرتحل في سفر طويل يملأ محطاته الموت المعلن سواء في النصر أوالهزيمة .. هذه المحطات نقشت في ذاكرة بطلنا بكل تفاصيلها وكما يرويها لنا حيث قال : على مدى السنوات الماضية شاركت في معارك عامرية الفلوجة التي كان تنظيم داعش الارهابي قد حشد عناصره واسلحته الثقيلة على محيطها حيث تعرضت السرية الى هجوم من جهة زوبع تمكنا من صده بعد ان خضنا مواجهات واشتباكات عنيفة مع عناصر التنظيم الارهابي .. وكذلك معركة تحرير منطقة المجر جنوب الحبانية شرق الرمادي حيث قام العدو الداعشي بعمليات هجومية عشوائية من ضمنها سيارات مفخخة خاصة بعد الانكسار الكبير الذي حدث في صفوفهم نتيجة الانتصارات المتتالية التي حققتها قواتنا المسلحة .. ثم معركة حصيبة الشرقية اكبر بلدات الرمادي والتي كان العدو الداعشي قد تغلغل وعاث فيها فسادا وقد تم تنفيذ عملية عسكرية استباقية واسعة النطاق لتطهير منطقة حصيبة الشرقية شرقي الرمادي من عناصر داعش الوهابية .. وكذلك معركة تحرير منطقة السجارية الواقعة شرق مدينة الرمادي وحدثت اشتباكات بيننا وبين داعش في اكثر من محور بالمنطقة .. وفي كل هذه المعارك كنا نزف الشهداء والجرحى من شبابنا الشجعان المخلصين ورغم مشاعر الالم والحزن لكننا كنا نخرج من كل معركة اكثر صلابة وأشد عزما .. اما عن معركة الانبار 16/3/2015 والتي اصيب فيها البطل (أ . ر) ابو رقية تحدث بمعنويات عالية رغم انها كادت ان تكون القاضية على حياته مع رفاقه حيث تبناها مجموعة من الضباط الابطال بين رتبة مقدم ونقيب ونائب ضابط وكانت مهمتهم اخلاء شهداء سرية كانت قد سقطت في وقت سابق بيد تنظيم داعش الارهابي ويقول (أ . ر) يبدو ان عناصر التنظيم الارهابي زرعوا المكان بالعبوات وانسحبوا متوقعين عودتنا ورغم اننا توقعنا حدوث ذلك لخبرتنا بتفكيرهم العفن لكننا عزمنا على اخلاء جثث الشهداء باعتبار ذلك اقل مايجب ان نقدمه لمن ضحوا بحياتهم وكذلك تقديرا للجانب النفسي وربما نستطيع تسليم جثثهم لعوائلهم وذويهم.. كنا نعلم انها مجازفة وقد تبدو حماقة لكننا كنا مؤمنين بأننا نفعل الصواب تجاه أنبل هدف ولم يهن علينا ترك شهدائنا هكذا في العراء وربما يقوم العدو المتوحش بالتمثيل بجثثهم ..

كان ابو رقية من ضمن سبعة جرحى والاصابات بليغة كما ذكرنا سالفا تقريبا اصيب في كل انحاء الجسم من الجانب الايسر.. في ذلك الوقت كان من الصعوبة اسعافهم عن طريق الجو بسبب حظر جوي للطيران من قبل الامريكان ولذا تم نقلهم برا على مراحل عبر طريق الحبانية – المسيب – الحلة ، بعد اربعة ايام في مستشفى الحلة وكمرحلة اولى ومؤقتا تم استخراج ما أمكن من الشظايا لتفادي المضاعفات .. !!!! وبعد ذلك غادر المستشفى بصحبة ذويه للعلاج خارج المستشفى وعلى حسابه الخاص !!!! رغم كل المبالغ وتكاليف الاطباء والعلاج على الحساب الخاص ومعاناة النقل والتنقل بين محافظته ومستشفيات العاصمة بغداد ولم يستلم أي مساعدة او تعويض مادي من الدولة !!!!!! بعد عام تقريبا كانت النتيجة فقدان إحدى عينيه وإعاقة دائمية في اليد اليسرى وربما أشياء اخرى لم يفصح لنا عنها !!!! ولأن بطلنا يعتبر ذلك وسام شرف ناله في الدفاع عن الوطن وانه قام بواجبه وهو يشكر الله لأنه منحه فرصة أخرى للحياة بعد أن رأى الموت قريبا منه ولم يترك اطفاله لليتم والكسران وهذا بحد ذاته نعمة كبيرة .. تمنى البطل ابو رقية لو انه يلبي طلبنا في صورة له من المعارك التي شارك بها للتوثيق لكنه لايملك اي صورة .. اعتذر كونه فقد هاتفه في ذلك اليوم المشؤوم وكان يحتفظ بكل الصور في جواله ..

وفي سؤالنا عن ما يسمى نسبة الاعاقة التي خلفتها الاصابة التي من المفترض ان تذكر في التقارير الطبية اتضح ان المقاتل البطل الذي خدم البلد وعايش الموت وقدم هذا الكم من التضحيات لايعلم نسبة العوق او العجز لأن اللجنة الطبية المسؤولة عن ذلك لحد الان لم تقرر الحالة مما اثار استغرابنا لكن ابو رقية شرح لنا آلية عمل اللجان الطبية في الوزارة المعنية وانهم تعودوا على اعطاء موعد مراجعة وتسييرالمعاملات لفترة زمنية متباعدة تتراوح بين 6 اشهر- سنة !!!!!!!!!!

ملاحظة اخيرة أكد عليها بطل حكايتنا المقاتل (أ . ر) ابو رقية استخلصها خلال مدة عام وهي الفترة التي قضاها في مراجعة المستشفيات والوزارة واللجان الطبية وهي طلب ومناشدة انسانية وجهها الى وزارة الدفاع لتوفير وتخصيص مندوبين لمعاينة الحالات الحرجة والصعبة وتسهيل الاجراءات لترويج عشرات بل مئات المعاملات ... ففي حال توفر مندوب الوزارة لايضطر ذوو المقاتل الجريح لحمله ونقله على الكرسي او السرير المتحرك فقط من اجل تسجيل حضوره او كشف الحالة كي يجري صرف الصك لهم ، خاصة اولئك الذين يعانون من اوضاع مأساوية او لايوجد من يتولى امر تنقلهم وحملهم وقد يؤدي ذلك الى مضاعفات كثيرة وخطيرة مما يضطرهم الى اهمال الحالة ليس بطرا وانما هو الشعور والاحساس بالاهانة .

ونحن بدورنا ومن هذا المنبر (شبكة النبأ المعلوماتية) ندعو الوزارة المعنية للاهتمام بموضوع جرحانا الأبطال من ابناء الحشد والجيش العراقي وتوفير مندوبين للوصول الى محل سكناهم وهذا اقل مايمكن ان نقدمه لمن قدموا ارواحهم فداءا للوطن، ومناشدة اخرى لنا وهي الايعاز الى اللجان الطبية والدوائر المعنية العائدة للوزارة تسهيل التعامل وعدم تعقيد الاجراءات او اعاقة المعاملات بحجة أو أخرى بحيث يشعر المقاتل بأنه يستجدي، وهذا اقل مايمكن ان نقدمه لمن ضحوا بارواحهم ودمائهم من اجل الحفاظ على عزتنا وكرامتنا ومقدساتنا والله من وراء القصد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا