استطلاع: لماذا تتوسع فجوة الجفاء بين الموظف والمواطن؟

حسين علي حسين

2021-07-26 07:51

مراجعة دوائر الدولة أمر قام به أغلب المواطنين بل كلهم، وذلك من اجل الحصول على المستحقات المتعددة، ومعظمها يمثل حقّا من حقوق أفراد الشعب بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم، ولكن قد يضطر المواطن إلى البحث عن معقبين لمعاملاتهم، أو دفع رشوة للموظف المعني أو الوسيط، أو استخدام طرق أخرى من اجل إكمال المعاملة من دون زيارة الدائرة الحكومية.

هناك أسباب كثيرة تجعل المواطن يكره مراجعة الدوائر الحكومية، بعضهم يتركها بشكل كلي، وبعضهم يتررد في إكمالها، ومن الأسباب التي جعلت الناس تسلك هذا الطريق هو التعالي والتكبر والنرجسية الكبيرة التي يتعامل بها الموظف الخدمي مع المراجعين، ولهذا السلوك المتبع من قبل الموظف أثاره الآنية والمستقبلية، منها يقع في دائرة الأمراض النفسية ومنها الفكرية أيضا.

الموظف بعد أن يحصل على الوظيفة يضمن حقوقه في راتب مستمر يشكل مصدر رزق رئيس له ولعائلته، ويضمن له راتبا تقاعديا بعد انتهاء خدمته في الدوائر الرسمية، كل هذه الأمور تجعل منه شخصا يفكر بطريقة أنانية، ويقول ما دام الراتب يصلني شهريا وبشكل مضمون، فليقف الناس في الطابور إلى الأبد.

هذه الأفكار البيروقراطية أصبحت قائمة في مجتمعنا وتنتشر فيه بصورة واضحة، لأنه أصبح مجتمعا ماديا استهلاكيا يهتم بالمظاهر ومتشبع بالعنف ولا يمتلك أي رؤية جيدة للواقع والمستقبل، وهناك من أهمل القيم التي تزيد من المودّة والتقارب بين الناس، مثل التسامح والمحبة واللاعنف، وقد يكون احد أسباب قيام الموظف بهذا السلوك السيّئ هو شيوع الأنانية الفردية، حيث لا يفكر الإنسان إلا بنفسه ومصالحه، وضمان مستقبله وعائلته وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

هذه النظرة الأنانية والتفكير الأحادي له تأثيره على السلوك الوظيفي أيضا، مع شيوع ظاهرة مؤسفة أخرى، وهي أن لا تعمل شيئا ذا فائدة لصالح الآخر إلا مقابل منفعة مجزية، وفق مبدأ (شيلني وأشيلك)، ليس بمعنى الفائدة المتبادلة، وإنما بمعنى الابتزاز، ومحاولة الاستفادة من المركز الوظيفي.

كل ما ورد سابقا لا يعني عدم وجود مجموعة من الموظفين الأكفاء والمتعاونين والمتسامحين والمنتجين في الدوائر الحكومية، فما أن يكون الإنسان مدركا لما يصنع، ويبتغي مرضاة الله من عمله، فسوف يكون موظفا جيدا مساعدا لغيره، فيقيمهُ الآخرون وفقا للحديث الشريف: (خير الناس من نفع الناس).

شبكة النبأ المعلوماتية، استطلعت آراء مجموعة من الأشخاص حول ظاهرة الاستخفاف بالمواطن من قبل بعض الموظفين والدوائر الحكومية، وعدم الإهتمام به، وتعطيل الإجراءات الإدارية وتعقيدها، بالإضافة إلى قلة خدمات (الراحة) كقاعات الانتظار المكيفة والمريحة أو توفير الماء الصالح للشرب، وفوق هذا وذاك التعامل الفوقي للموظف مع المراجعين.

مَنْ يخدمُ مَنْ الموظف أم المواطن؟

الأستاذ حسين الدايني عراقي يدرس خارج العراق يقول: لو تمعنا أكثر في تفاصيل الموضوع، لوجدنا اسبابا كثيره تصل بالموظف الخدمي للتعامل بصوره سيئة مع المواطن المراجِع، او بتكبر وكأنما الامر معكوس والمراجِع هو من يعمل في خدمة الموظف، وهذا ما نشاهده في اغلب الدوائر الحكومية، وبصوره اقل بكثير لدى موظفي القطاع الخاص، لكون الموظف الحكومي يكون اقل رقابه من موظف القطاع الخاص، اضافة الى الحوافز والمكافئات، فهنا كلما كانت خدماتك افضل كلما كان مستوى رضى المراجعين عنك مرتفعا، بالتالي يصب في مصلحة الموظف في المقابل يحصل على زيادة في الراتب او مكافئات تحفيزية، على عكس الموظف الحكومي فامتيازات عمله جميعها تذهب لمدير عمله. ولأن اغلب مراجعاتنا تكون لدوائر حكوميه، حيث عادة تكون مكتظة بالمراجعين فسوف نركز على الموظف الحكومي.

توجد مجموعة أسباب تقف وراء سوء معاملة اغلب الموظفين للمراجعين، من الأسباب الرئيسة هو رأس الهرم عندما يكون متسلطا، ويتعامل مع الموظفين الذين يعملون تحت يده بطريقة مسيئة، فتتحول هذه المعاملة السيئة تدريجيا من بين المدير وموظفه، إلى بين الموظف والمراجع.

السبب الثاني هو عدم وجود قوانين حقيقيه تجعل الموظف على إدراك بأن خدمة المراجع هي الأولوية، مهما كانت ظروفه وان يعزل نفسه عن عالمه الخارجي ويركز في تقديم واجبه بأفضل ما يكون.

متى ولماذا يشعر الموظف بالإحباط؟

الدكتور علي ياسين أكاديمي في جامعة كربلاء المقدسة يقول: أرى المسألة نسبية غير مطلقة فبعض الموظفين يتعاملون بمنتهى الذوق والأخلاق، وبعيدا عن ترجيعات التربية المنزلية وما يتعلق بها، فالموظف هو عضو خدمي ضمن منظومة حكومية كبيرة، وعندما يشاهد هذا الموظف ممارسات الفساد، او عندما تضخم الماكنة الإعلامية وتهول هذه الممارسات تبدأ ثقة الموظف تتزعزع بالحكومة وبنفسه وبالمجتمع، مما يولد عنده شعورا بالإحباط سيؤثر في طبيعة سلوكه عموما وفي عمله خصوصا، وستتأثر بذلك علاقاته مع المراجعين، فبدلا من أن يسود هذه العلاقة الاحترام والرغبة في تقديم أفضل الخدمات لشركائه في الوطن والمجتمع سيسودها التكبر واللامبالاة والغطرسة، ولهذا مردود سلبي على النظام الاجتماعي برمته.

عدم الاحترام ظاهرة شعبية

جاسم كماش رئيس دائرة حكومية شارك برأيه في هذا الاستطلاع فقال: بداية اعتقد بأن كل الموظفين كانوا مراجعين قبل تعيينهم كموظفين.. وعاشوا تجربة إهمال الموظفين لهم اثناء مراجعتهم، وعانوا الأمرّين لغرض انجاز معاملاتهم.. لكن للأسف لم يتعلموا درسا واحدا من تجاربهم المريرة السابقة.. هذه الصورة أيضا تنطبق على المراجعين حاليا لو تبادلوا الأدوار مع الموظفين.

(بالتأكيد هذه الصورة البشعة من التعامل لا تنطبق على جميع الموظفين.. فهناك موظفون يتميزون بأخلاق رفيعة وتعامل إنساني كبير).

أنا اعتقد بأن عدم الاحترام والتعالي ليست ظاهرة وظيفية فقط، وإنما ظاهرة شعبية عامة لدى غالبية الشعب العراقي، نتيجة لظروف اجتماعية مستمرة، أبرزها الحروب والاقتتال المستمر، الوضع الاقتصادي غير المتوازن، الفقر، انعدام او سحق الشخصية ومحاولة إعادة الهيبة إليها.. العشائر وتركيبتها غير النظامية، الأمراض النفسية المستشرية دون وجود علاجات لها، محاولة إثبات الذات على حساب الآخرين، انعدام الثقة بالنفس وبالآخرين، كذلك لا وجود لتطبيق حقيقي وواضح للقوانين التي تحمي الجميع.

لا وجود لرفاهية روحيه تنقل بعض من جمالية الحياة بجميع فنونها المريحة، كي تجعل من الموظف عامل جذب للآخرين إنسانيا.. كذلك نتيجة لتراكمات الحزن والكبت والروتين جعل من الموظف عبارة عن آله أو جماد...

ولا أنسى أن هنالك موظفين غاية في اللطف والإنسانية.....

معوقات تصنعها الدولة العميقة

يقول الكاتب إبراهيم الخفاجي: الدوائر الحكومية، هي صورة مصغرة للسلطات والسلطويين. وبحسب علوم التحقيق وعلوم الإدارة وعلوم السياسة وعلوم القانون، أن ما يجري في البلد هو بأمر وتوجيه السلطات والسلطويين أو برضاهم أو بإهمالهم ولا مبالاتهم.. فالروتين والفساد والمحسوبية والواسطة والابتزاز هو مرآة للّجان الاقتصادية للجهات السلطوية النافذة والجهات التي تمثل الدولة العميقة.

ينبغي أن يكون التعامل في المؤسسات، من قبل جميع العاملين فيما بينهم أو مع الآخرين، يجب أن يكون مبنيَّاً على التعاون والثقة والتكاتف والتشارك حتى يكون هنالك تجانس مشترك بينهم بحيث يخرج العمل متقناً وفي أبهى صوره، لأن التعامل الطيب هو أصل الحياة ولا شيء أعظم من ذلك، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله: «الدين المعاملة» وقال ««إن لله عباداً اختصَّهم الله بقضاء حوائج الناس»، لذلك لا بُد من أن نعامل الناس معاملة طيبة وكريمة سواء في الدراسة أو العمل أو في المنزل أو الشارع، لننعم بحياة سعيدة ومستقرة وهادئة من أجل التقدُّم والإنتاج الوافر، والتعامل الطيب يبدأ بالكلمة الطيبة فهي كالثمرة الطيبة.

وإن الشخص إذا كان لا يحب أو يرضى لنفسه المعاملة السيئة وغير اللائقة فهو يرضاها للآخرين، وعلى الموظفين داخل أية مؤسسة حكومية أو خاصة أن يكون بينهم الإخاء وروح الجماعة من أجل الإبداع والوصول إلى الهدف المنشود.

مشكلة الروتين في إنجاز المعاملة

عباس سالم وهو يبحث الآن عن وظيفة يقول: قد يعاني اغلب الناس من مشاكل المعاملات وخصوصا في دوائر الدولة، ولعل أهم الاسباب هي الروتين الممل لإنجاز المعاملة، وصعوبة التعامل مع بعض الموظفين الإداريين الذين يكون عليهم جزءا كبيرا او صغيرا من انجاز المعاملة، وهذا بسبب الخطة الموضوعة من الدولة وكثرة الزخم الحاصل على الموظف، وأيضا كثرة المستمسكات الثبوتية للفرد العراقي وهذا لا يعني أن الموظف على حق، ففي إطار الشركات والأسواق فإن الزبون دائما على حق، ويجب أن لا تختلف الفكرة كثيرا بين ما يجري للمواطن في الدائرة الحكومية وفي دوائر القطاع الخاص.

الاعتماد على الرشوة سبب آخر يدفع الموظف إلى تأخير انجاز معاملة المراجِع، وهذا بسبب الإهمال الحكومي والجهات الرقابية وتفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي. إضافة إلى تفسيرات بعض علماء الاجتماع الذي يؤكدون بأن الموظف هو ابن الحاضنة الاجتماعية، ويأخذ قيمه وأخلاقه وسلوكه منها.

من جهة أخرى تُفسر هذه الظاهرة على أنها ضعف شخصية الموظف ومحاولة سد النقص الحاصل فيه.

أخيرا لابد من توجيه رسالة إلى الحكومة وإلى الوزارات ومدراء دوائر الدولة، مفادها أن ما يجري من إهمال للمواطنين ليس صحيحا، وأن تردّي الخدمات ظاهرة يجب الحد منها ومعالجتها عبر اتخاذ القرارات المهمة، وأهمها الرقابة الدورية العلنية والسرية، ومعاقبة من تثبت إدانته من الموظفين بأي تقصير كان، فتحضّر الموظف وعلوّ أخلاقه ورفعة سلوكي دليل على دولة مستقرة ومجتمع حضاري.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي