في عيد الفطر المبارك: أيها تفوق العادات الإيجابية أم السلبية؟
حسين علي حسين
2018-06-19 06:04
في البلدان الإسلامية أوجدَ المشرعون الدينيون والحكوميون أعيادا كثيرة، توزّعت على نوعين، ديني ووطني، على الصعيد الديني لدينا مناسبات مهمة، منها عيد الفطر الذي يلي شهر رمضان مباشرة، ومن ثم عيد الأضحى المبارك، وكثير من الأعياد التي قد تكون أقل أهمية من هذه العيدين.
ويعدّ عيدُ الفطر أول أعياد المسلمين حيث يحتفل فيه المسلمون في أول يوم من أيام شهر شوال، ثم يليه عيد الأضحى في شهر ذي الحجة، وعيد الفطر يأتي بعد صيام شهر رمضان ويكون أول يوم يفطر فيه المسلمون بعد صيام شهر كامل ولذلك سمي بعيد الفطر، أول عيد فطر احتفل فيه المسلمون في الإسلام كان في السنة الثانية للهجرة حيث أن أول رمضان صامه المسلمون كان في السنة الثانية.
في العراق لدينا أعياد ومناسبات قد تمتد لتشمل مسلمين خارج العراق، ومن هذه الأعياد والمناسبات عيد الفطر، عيد الأضحى، ذكرى عاشوراء، ذكرى أربعين الإمام الحُسين (ع)، عيد الغدير، رأس السنة الهجريَّة، ذكرى الإسراء والمعراج، إحياء ليلة القدر، ذكرى المولد النبوي، إحياء ليلة منتصف شعبان، وتوجد أعياد أخرى منها عيد الأم والمعلم ونوروز وغيرها من الأعياد.
الأيام القليلة الماضية عشنا تفاصيل عيد الفطر المبارك، بعد ثلاثين يوما من الصيام في شهر رمضان، وكالعادة هناك مخلفات لمثل هذه الأعياد منها إيجابية، وأخرى قد تذهب بالضد من ذلك، وربما تتسبب بمخلفات تثقل كاهل الناس والدولة معاً، من إيجابيات عيد الفطر، أنه يلمّ شمل الناس، فالأهل المتباعدون يتزاورون ويلتقون في مكان واحد، ولمّ الشمل عادة ما يؤدي إلى زيادة اللحمة الاجتماعية، وكثيرا ما تنتهي القطيعة والزعل بين الأفراد الأقرباء والأصدقاء وحتى الغرباء، بالتراضي في مثل هذه الأعياد.
وقد تكون حالات الصلح التي تشجع عليها مثل هذه الأعياد، عيد الفطر نموذجا، والأجواء العامة التفاؤلية التي تسود في مثل هذه الأيام، من أهم القضايا والمخلفات الايجابية لعيد الفطر المبارك، فكثير من المشكلات العائلية يمكن حلّها في هذه المناسبة السعيدة، وقد تنتهي مشكلة كبيرة بين فردين أو عائلتين في عيد الفطر، وتعد هذه الحالة من أهم ما تفرزه أيام عيد الفطر.
كذلك تسود حالة من الرضا والوئام والسعادة بين الناس، فالعائلة تكون أكثر سعادة، والناس في الشوارع والحدائق العامة والمتنزهات أيضا تظهر عليها علامات السعادة والفرح، ومن حسن الحض أن الإنسان بطبيعته يتأثر بالأجواء التي تحيط به، فإذا كانت حالة الانسجام سائدة، فهذا سوف يشمل الجميع، لذلك ترى حالات الفرح والسعادة طاغية في الأعياد.
ولكن هل ينتهي الأمر عند هذا الحد، وهل تنتج الأعياد أفراحا ومسرات فقط؟، كلا هناك جانب مضاد تماما، فمثلا أعلنت مصادر صحية أن عشرات الأطفال أصيبوا إصابات بالغة ومتوسطة نتيجة الألعاب النارية، وعلى الرغم من أن التشريعات الرسمية منعت استيراد بعض الألعاب الخطرة، كالأسلحة والمفرقعات لكن بعض التجار لم يلتزم بذلك، بالإضافة إلى التراخي في المتابعة والمحاسبة والعقاب، هذه الحالة تعد من أسوأ مخلفات الأعياد، وهي حصلت في هذا العيد (السعيد).
جانب إيجابي يقابله آخر سلبي، فكثرة الناس وتواجدها في مراكز المدن والمتنزهات، ومدن الألعاب وسواها، تمثل فرص عمل للعاطلين وخصوصا الشباب والطلاب، وبعضهم يجمع موارد مالية جيدة تعيله لمدة شهر أو أكثر على الرغم من أنه يعمل في أيام معدودة قد تكون ثلاثة أيام.
لكن ما يقابل هذا الزحام وزيادة فرص العمل، زيادة في الفوضى وكثرة النفايات وزيادة حوادث المرور وغيرها، قد تكون مثل هذه المخلفات الجانبية أمر متوقّع وطبيعي نتيجة شدة الزحام في عيد الفطر، ولكن ما يجعلها أشد وطأة في مخلفاتها السيئة، غياب التنظيم، بالإضافة إلى جهل الناس أو تقاعسهم في قضية ترك النفايات وعدم جمعها أو رميها هنا وهنا بشكل عشوائي.
عن مخلفات العيد الجيدة والسيئة سألنا بعض المعنيين والمواطنين وأخذنا عينة من هؤلاء لكي نسلط الضوء على الأسباب والنتائج.
في متنزّه الزوراء بالعاصمة، اكتظت العائلات في الحدائق والمساحات الخضراء، وكثير منهم جلب طعامه معه، وفرش سفرته واجتمع أفراد العائلة حولها وهم يتناولون طعامهم في وجبتي الغداء والعشاء، ولكن ما تترك العائلة مكانها للتجوال في المتنزه أو مغادرته حتى تترك كل شيء في مكانها، مما يعطي انطباعا غير جيد عن وعي وثقافة الأفراد والعائلات، وربما تكون هذه الحالات ظاهرة في العديد من المنتزهات حتى في المحافظات الأخرى.
المواطن ياسين (أبو محمود) من منطقة الحبيبية، سألناه عن هذه الظاهرة فأجاب: عيد الفطر السعيد فرصة لإعادة الأمور والعلاقات الاجتماعية إلى ما هي عليها، أو بالأصح إلى ما يجب أن تكون عليه، فالعيد دائما يعيد المياه إلى مجاريها، وينتهي الزعل بين الأخوان والأقارب والأصدقاء، كذلك تسود السعادة وأجوائها في هذه المناسبة الطيبة، لكن من جانب آخر ينسى الناس خصوصا العائلات واجباتهم خاصة بالنسبة للنظافة، فالعائلة تجلس ويأكل أفرادها ما لذ وطاب وتُسعَد كثيرا في المكان العام، لكنها بعد أن تنتهي تترك مخلفاتها وترمي بالأوساخ في الحدائق العامة، في حين أن جمعها في أكياس نايلون ليست صعبة ولا مستحيلة، فأقل ما يجب أن يقوم به المواطن هو رفع مخلفاته ومساعدة عمال التنظيف في التخفيف من هذه المشكلة.
وعن الأسباب يقول أبو محمود، مطلوب تطوير وعي الناس بالإعلام، ومنابر التثقيف والتوعية، ويبدأ هذا من البيت والعائلة، حتى يتربى الصغار على هذا السلوك الحضاري.
الدكتور قيس الخفاجي أكد من جانبه على تكرار حالات الإصابة التي تلحق بالأطفال والمراهقين وحتى بعض الكبار، بسبب استخدام المفرقعات، والأسلحة البلاستيكية مختلفة الأشكال والاستخدام، وأضاف إلى ذلك بعض الحوادث التي تعرض لها روّاد المتنزهات والأماكن الترفيهية بسبب بعض الألعاب غير المتقنة وغير المؤمنة، حيث تعرض بعض مستخدميها إلى إصابات بعضها قد يكون حرجا، فالهدف ليس جمع المال أولا وإنما سلامة المواطن تأتي بالمقدمة أو يجب أن يكون الأمر كذلك، ولابد أن يكون هناك متابعة لتطبيق القوانين لحفظ سلامة المواطنين، وخصوصا الأطفال في مثل هذه المناسبات السعيدة والكبيرة.
حوادث المرور هي الأخرى من المشكلات التي ترافق المناسبات الكبيرة، فنحن نفتقر إلى ضبط حركة المرور وتنظيمها بشكل جيد، هذا ما تفوّه به المعلم المتقاعد (أبو طيبة)، ويضيف أننا ننتظر العيد بفارغ الصبر، لكننا بدأنا نخشى من ذلك، صحيح أن الزحام يرافقه أخطاء تمس السلامة، ولكن الثقافة والوعي تقلل الإصابات إلى أدنى حد، حتى حركة المشاة غير منظّمة بشكل جيد، خاصة أن الأرصفة لم تعد للمارة، بسبب استيلاء أصحاب المحال والدكاكين والمطاعم عليها بشكل كامل، فقلما تجد رصيفا فارغا من البضائع أو الأشياء التي تعيق حركة المشاة على الأرصفة التي تم تخصيصها حصريا لحركة البشر وليس الاستيلاء عليها من أصحاب المحال والمطاعم وسواها.
وأخيرا نحن بحاجة إلى المناسبات الكبيرة لأنها تجمع الناس والعقول على هدف واحد، الأعياد أو المناسبات الدينية والوطنية، فهي تزيد من لحمة الشعب، وتقرّب فيما بينهم وتوحد المشاعر اللطيفة، نعم يرافقها مخلفات قد يكون بعضها خطيرا، ولكن بالتنظيم والوعي والتثقيف المستمر، يمكن أن تقل هذه المخلفات المؤذية إلى أدنى حد.