المقاهي الشعبية: من ملتقى ثقافي الى مشكلة اجتماعية
وصال الاسدي
2018-01-15 05:24
يجتمعون في كل مساء على طاولة مستديرة او مستطيلة، يجلسون على اريكة خشبية وضعت عليها افرشة مصنوعة بأيد معطاء لتكون مجلسا للمفكرين والادباء وقراء الصحف وهاوي السياسة هي المقاهي التي تعد تراث وطني ومدارس تزيد من تعدد الخبرات والتجارب كان الابناء يذهبون مع ولدهم الى المقهى يستمعون الى قصص ادبية واشعار وحكايات مختلفة، كانت بالنسبة لهم دروس في التنمية وتطوير القدرات والقابليات التي ما اكثرها اليوم وما اقل المستفيدين منها.
ماضي ابعدتنا عنه عاصفة العولمة والنهضة التكنولوجية التي بدأت تسيطر على العراق بعد 2003، المقاهي قديما كانت معدودة ومحددة ومنظمة وهادفة كانت تحت ادارة تفهم وتعرف من هم روادها وكيف تتعامل مهم وماذا يريدون عند ارتيادهم للمقهى، اذ يجتمع فيها وجهاء الحي لمناقشة احتياجات كل فرد في المحلة وحل المشاكل التي كانت تحدث انذاك بطريقة مقبولة من جميع الاطراف. اما الان نجد ان هناك عدد كبير تم افتتاحه من المقاهي والكوفي شوب واغلبها لم يتستحصل الموافقات الرسمية والقانونية والصحية مما شكلت جذبا للشباب وباعمار مختلفة.
نحاول من خلال هذا التحقيق التعرف اكثر عن ما كانت عليه المقاهي في الماضي، والى اين وصلت الان في ضل التطور والتكنلوجيا.
كانت الحل واصبحت المشكلة
ابو مهند رجل خمسيني، اب لشابين في مقتبل العمر وزهرة الشباب، مهند يتعامل مع ابويه بشدة وبعنف مع أخوه الاصغر محاولا اثبات رجولته عليهم، لكنه لا يدرك انه يسلك الطريق الخطأ في ذلك يشكو ابو مهند من ظاهرة انتشار المقاهي غير المرخصة وعدم وجود قانون يحاسب المخالفين او ينظم عمل هؤلاء ويذكر ان هناك ما يقارب ست الى سبع مقاهي فقط على الطريق الرئيس لمنطقة سكنه وهي غير مرخصة ولا تتبع المعايير المجتمعية، اذ انها بين المنازل وغير محكمة وغير صحية لمرتاديها، لافتا الى انه يشاهد عدد من الشباب يدخنون النارجيلة الواحدة مما يسبب انتقال الامراض فيما بينهم .
مستدركا في حديثه، لم يمكن مهند بهذه الاخلاق السيئة قبل دخوله دراسة الاعدادية حينها تعرف الى مجموعة من الشباب عرفت فيما بعد انهم من مدخني النارجيلة وهم من مرتادي المقاهي بشكل مستمر ومستوى علمي متدني اثروا بشكل سلبي على مهند حيث تغير نحو الاسوء وحتى تسببت هذه المقاهي بضعفه في الدراسة.
استشارة طبية واحصائيات رسمية
حاولنا معرفة الاضرار التي تسببها النارجيلة لمتعاطيها من ذوي الاختصاص، فقال مدير مركز صحي الحسن العسكري الدكتور ستار جبار ابراهيم، قد سجلنا خلال العام الماضي ما يقارب (400) حالة، واضاف الى ان استخدام النارجيلة لعدة اشخاص يمثل خطرا كبيرا يماثل الخطر الذي يسببه دخانها على رئة المدخن او قد يزيد عنه احيانا اذ انها تمثل بيئة مثالية لنمو البكتريا والعفن الان ان رائحة المعسل تطغي مما يسبب عدم اكتراث المدخنين وان انتقالها من شخص الى اخر ينقل الامراض عن طريق اللعاب منها امراض الجهاز التنفسي و الانفلونزا التدرن وغيرها من امراض التهاب الكبد الوبائي، واشار الى ان اصابة الجهاز التنفسي من الربو وحساسية القصبات 70% منهم من فئة الشباب فيما سجل المركز اربع حالات عدوى تدرن وقد تكون هذه الاحصائيات هي ضئيلة بالنسبة للعراق والعالم اذ تعتبر النارجيلة ظاهرة عامة لمناطق العراق ولمجتمعات الدول كافة.
موضحا الى انه اخر احصائيات المركز التخصصي لأمراض الصدرية والتنفسية في وزارة الصحة قد بينت ان هناك 7000 حالة اصابة في العراق بمرض السل الرئوي (التدرن) فيما تشير الاحصاءات الدولية الى ان واحد من كل ثالثة اشخاص في العالم يحملون عصيات هذا المرض اي ان ملياري شخص في العالم يحملون هذه الجرثومة في اجسامهم الى انها التنشط بعد مرور سنوات بسب نقص المناعة.
مقاهي ام اماكن للتجارة بالممنوعات، إن أعادوا لك المقاهي القديمة، فمن يعيد لك الرفاق؟، حقا استفهامك موجع يا درويش، إن عادت بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة من طاولة الشطرنج حتى ذاك المصباح الخافت الذي يضيء حينا وينطفئ حينا، تعيدهم هدنة مع الذاكرة هدنة مع عقلي الباطن هدنة تنص أن أسترجع رفاقي خيالا أحدث هذا أضحك مع ذاك أمازح من بجانبي وألقي بعلبة السجائر لمن يجلس بآخر الطاولة، أتكلم فيجيبون ولو ظن الجميع بأنني قد جننت، هدنة أسترجع بها الرفاق خيالا يحتل واقعي لساعات ومن ثم تغلق الذاكرة أبوابها.
محمد علي (شاب بعمر 30عاما) يسكن في كربلاء منزله قريب على احد المقاهي، يذكر ان اغلب المقاهي في منطقتهم هي غير مرخصة ولا تهتم بالجانب الصحي اذ تم اغلاقها مرات عدة من قبل فرق الرقابة الصحية الان انهم يعيدوا فتحها فيما بعد، ويضيف الى انه شاهد لأكثر من مرة انهم يتاجرون بالممنوعات تحت غطاء المقهى وتم الابلاغ عنهم الى الجهات الامنية لوجود حالات ، مؤكدا على انك تجد كثيرا منهم يدل صاحبه الى هذا الطريق او التدخين وغيرها ويبقى العقل هو الذي صاحب القرار والمفارقة هنا ان على مقربة من كل مقهى هناك دورية شرطة وفي رده على سؤالنا ما لوقوفكم بالقرب من المقاهي ان
كنتم لا تستطيعون منعهم من المتاجرة بحياة الناس؟
اجاب ضابط الدورية س.م.ع لنا الحق في القاء القبض على اي مشتبه به بخصوص هذا الامر بشرط ان يكون هناك بلاغ عنهم بالاضافة الى انه كثيرا ما تحدث مشاجرات بين الشباب هنا قد تصل الى استخدام ادوات حادة ومؤذية جدا فيكون هنا تدخل سريع من قبل افراد الدورية لحل النزاعات بينهم.
بين التربية والتطور تنضج الافكار
الفلسفة التربوية جزء مهم من الفلسفة الاجتماعية وتشمل الفلسفة التربوية على الغايات التربوية الكبرى اي الاهداف العامة حسب ما يسميه بعض المفكرين، وعليه فان الدول العربية لها غايات تربوية تشتق من منطلقات عدة اهمها الدين الاسلامي والثقافات العربية وتبقى سمة العقل هي التي تسيطر على تلك المبادئ والاهداف والغايات، فالمجتمعات الاسلامية اليوم تعاني عجزا في كيفية تطبيق الدين بالواقع اذ تجد اغلب الناس والشباب بالتحديد يتنافى مع الاسلام مع رغباتهم واهوائهم.
وبما اننا مجتمع يحكمنا العرف والدين بالدرجة الاساس فيجب الالتفات الى احتواء الطاقات الشبابية وعدم ترك الفراغ لدى الشاب العراقي وانتشاله من التخبط بوحل التكنلوجيا ورفقاء السوء الذين يعتبرا من اشد الفايروسات فتكا بالمجتمعات
هذا ما قاله امام احد جوامع في كربلاء السيد جميل الموسوي، واضاف الى ان اغلب الاحاديث بخصوص التربية اكدت على اهمية الابتعاد عن الصحبة السيئة الخلق ، كما هو متعارف بين الناس من احاديث النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ، اذ قال (الجليس الصالح كحامل المسك اما ان يجذيك اما ان تبتاع منه اما ان تجد منه ريحا طيبة).
معا الى ايجاد الحلول
اننا بحاجة ماسة اليوم لتفعيل الدور الوقائي من قبل المجتمع والدوائر والمؤسسات التعليمية والصحية والرياضية وكذلك دور رجال الدين وتاثيره الفعال داخل المجتمع، فيما يرى الباحث الاجتماعي عزيز كاظم نايف، ان السبل الكفيلة للتخلص من هذه الظاهرة هو ايجاد دراسة ميدانية للوقوف على اسبابها بدقة بالاستعانة بالمختصين بهذا المجال وتفعيل دور الرقابة المجتمعية وايجاد فرص عمل للشباب فكثرة اوقات الفراغ يعتبر العامل الاساس الى ارتياد المقاهي وحتى تعاطي المخدرات، واضاف الى انه يجب السيطرة على الحدود ودخول المواد المخدرة مع الوافدين سبب في انتشارها.
وفي تصريحات سابقة تمت متابعتها للاجهزة الامنية حول قضية مكافحة المخدرات، كونها افادت انه تم اغلاق اكثر من مئة مقهى غير مرخص ويتاجر بالممنوعات العام الماضي حسب بلاغات من اهالي المناطق والمتضررين، وتؤكد حرصها على الشباب من الضياع.
ويبقى ابو مهند وامثاله الكثير من الاباء في قلق وخوف على مستقبل فلذات اكبادهم بسبب ما استوردناه من الخارج واستخدمه بطريقة خاطئة من العادات التي يدعون انها تطور فيما اصبحت في مجتمعاتنا تدهور، وتبقى الحلول في العراق معلقة على حبل مشنقة اما يتم اعدامها بين سطور الورق والمزايدات الحزبية واما ان يتم العفو عنها وترفع للجهات العليا للمصادقة عليها من اجل التنفيذ.