بين الغيرة والشك: كيف تسببت مواقع التواصل الاجتماعي في انهيار الثقة بين المتزوجين؟
اخلاص داود
2017-05-14 04:33
في زحمة الكلام عن مساوئ التواصل الاجتماعي التي ألقت بظلالها على مجتمعات العالم كافة، بسبب سوء الاستخدام ولعل من ابرز مساوئها ارتفاع حالات الطلاق التي ذكرتها احصائيات الدول، فالخيانات الزوجية عن طريق (الفيس بوك، والواتس اب) احتلت المرتبة الاولى كمسبب للطلاق، ومعها ارتفعت نسبة الشك والغيرة بين الشريكين، فما يدور حولنا او نسمعه عن الخيانات والمشاكل الأسرية لا تمر على مداركنا ومفاهيمنا ونظرتنا للاخر مرور الكرام، بل أسقطت الوانها القاتمة لتغطي بها على الحب وعفته وتشوه الصداقة والزمالة وتساهم بزعزعة الثقة بين الشريكين أو هدمها.
ونحن نتساءل كم حالة طلاق او فراق بين محبين او فسخ خطوبة كان سببها سوء الظن او الشك الذي تولده الهفوات او الاخطاء الصغيرة والتي كان باستطاعة المرء ان يعفو عنها ويتجاوزها، لهذا استطلعت (شبكة النبأ المعلوماتية) آراء وتجارب بعض الأشخاص لمعرفة مدى تأثير ما تبثه وسائل الاعلام وما يدور على السنة الناس الصادق منها والكاذب بهذا الخصوص، وآثاره الهائلة على البيت العراقي وما هي الحلول.
الأزواج المنقبون
بدأنا مع أستاذ علم النفس (فلاح المسعودي) الذي قال: هناك فرق بين الغيرة والشك فالاولى: هي فطرة من الله موجودة عند كل البشر مع تفاوت النسب، فتكون الغيرة على الزوجة والام والاقارب فيدافع عنهم الرجل بكل الطرق وتبين معدنه، وقد جاء ذكره في حديث للرسول محمد (ص): من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد".
وفي الحياة الزوجية تعتبر من اللمسات الهامة التي تجعلها سعيدة ومستقرة وتولد الاهتمام والحرص لكن هناك الغيرة الشديدة وغير المنطقية التي تجعل الزوج يمنع زوجته من الاختلاط مع أي رجل غريب او التكلم معه وكذلك المرأة تغار على زوجها من النساء الأخريات وتخاف من أن ينجذب لهن فتحاول بقدر الإمكان ان تبعده عنهن، وهذا يسبب الاختناق ويولد المشاكل وسوء الظن ويقتل الحب.
وأردف قائلا: وقد سبب التعلق والبقاء لساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي في ارتفاع الهواجس والظنون السيئة والغيرة الشديد والشك داخل البيت العراقي, فأصبح الازواج ينقبون ويبحثون في كل (حوار او تعليق او لايك) يثير الريبة والشك في قلوبهم فتثار الانفعالات والعصبية والتأنيب والكلام الجارح ومنها ما يتحول الى الابتعاد والكره وكثيرا منها ينتهي بالانفصال.
أما الشك فمنه السوي: أي التيقن من الأمور قبل تصديقها وهذا أمر طبيعي ويساعد الانسان على تلافي الأخطاء التي ربما يقع فيها عندما يصدق كل شيء وهناك الشك غير السوي: فتكون أغلب شكوك الشخص من الأوهام فيكون عديم الثقة بنفسه وبكل من حوله ويعتقد انهم يريدون إيذاءه، لكن هذه الأحاسيس تكون مخفية ولا يبوح بها فتدفعه بشكل لا إرادي للعدوانية والعنف وتهويل المشاكل التي تصيبه وتفسير أفعال الآخرين بطريقة خاطئة .
ومنهم من يصيبه الوسواس القهري: وهو مرض يحتاج لمراجعة الأطباء النفسيين، لان المريض يبقى في دائرة التوتر والقلق وعدم الارتياح ويصيبه الارق بسبب الافكار التي تلازمه ولا يستطيع الفكاك منها حتى لو كان مقتنع بعدم صدقها، وبهذه الحالة تكون العقاقير المهدئة التي يصفها الطبيب له خير علاج.
وكل هذه الأنواع من الشكوك تؤدي الى تدهور العلاقة الزوجية وانقطاع التواصل فيما بينهم والتفكك الاسري والطلاق وتصل أعلى حالاته للقتل او الانتحار.
حذاء السندريلا غيّر حياتي
المدرسة وصاحبة الروح الطيبة (ف، ن) قالت مبتسمة وهي تستذكر تجربتها المريرة التي غيرت مجرى حياتها وتفكيرها حين قالت: منذ ان رايته اول مرة وقعت بحبال حبه، كان المدرس الجديد في الثانوية التي ادرس بها وبادرني بنفس المشاعر لكن ما كان ينغص علينا حياتنا ويثير عصبيته هي الغيرة الشديدة التي لازمتني حتى بعد انا تزوجنا واصبح لي، فانا أراقبه في العمل والبيت، وحين جاء امر نقله لمدرسة اخرى احسست بخوف وحزن شديدين ان افقده وبقيت أتتبع كل شاردة وواردة عنه وفي يوم راسلتني احدى صديقاتي ولمحت لي ان هناك شبه علاقة بين زوجي واحدى الموظفات معه، فجن جنوني ولم افاتحه بالموضوع لانني أعطيته عهدا مسبقا بسبب المشاكل الكثيرة بيننا ان اترك حالة الغيرة ولا اتتبع اخباره، فرحت ابحث في جواله خلسة وصفحات التواصل خاصته فلم اعثر على أي اشارة او دليل، فلمعت في بالي فكرة ان اذهب اليها وأواجهها وأحببت ان أريها كم انا جميلة وكم أحبه، فوضعت المكياج الصارخ وكان عندي فستان اصفر فاقع اللون اشتريته في حفل زفاف أخي لبسته مع حذاء بلونه ولا اعرف كيف وافق عقلي على هذه الفعلة، وعندما دخلت عليها وجدتها إنسانة محترمة جدا ومؤدبة تكلمت معي قليلا ثم انصرفت معتذرة مني لان خطيبها كان ينتظرها أمام باب المدرسة، ففهمت أنني وقعت ضحية لكذب صديقتي ومكرها، وبينما كنت اهم بالخروج خوفا من ان يراني زوجي، فاجئني بدخوله ورمقني من فوق الى تحت وعيونه تشع شررا وقال بغضب: (لابسة حذاء السندريلا ومخلية مكياج عرائس وجاية شسوين)؟.
فأحسست ان كل حرف خرج من فم زوجي فيه كره وعتب لا ينتهي، فشعرت ان الدنيا دارت بي وغاصت الارض تحت أقدامي، وانا في طريقي الى البيت وخجلي من المارة الذين يرمقوني بنظرات مريبة، توسلت الى الله ان ينزل الرحمة في قلب زوجي ويسامحني وعاهدت الله ونفسي ان اثق بزوجي ولا اشك به مدى الحياة.
واردفت قائلة: الغيرة خنجر في القلب ونار تشب في الضلوع هذه حقيقة، لكن لا يجتمع الحب والشك في بيت واحد فيموت واحد وينتصر الثاني، وانتصار الشك يكون بالفرقة والكره والطلاق.
وللأسف ان نسب حالات الطلاق المرتفعة والتي تصل الى 5000حالة في الشهر الواحد حسب احصائيات السلطة القضائية في المجتمع العراقي قد غير مفهومنا اتجاهه، وبالتالي تغيرت نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، ففي السابق كانت تعتبر مخالفة وشاذة، ولهذا المرأة تتردد كثيرا في طلب الطلاق رغم ان المشاكل كبيرة مثل حالات العنف الزوجي او تعاطي المسكرات وغيرها، لكن الطلاق اليوم يتم لأسباب مغايرة تماما، مثل الشك والغيرة والخيانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقد ان تعديل مسار الحياة الزوجية مهما كانت تشوبها المشاكل ليست بالمستحيل وتبدأ بقرار يتخذه المرء دون قوة او جبر مثلما فعلت أنا.
هذا هو المتهم الأول
المدربة في التنمية البشرية (وفاء غالي) لها رأي قالت فيه: الغيرة الحميدة كوخزات الشوك لكنها تشعر كل من الطرفين بمدى حب وحرص الطرف الاخر عليه، وتنتهي بالتفاهم والمصالحة والاعتذار، لكن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت خللا كبيرا وهائلا في نفوس البشر، فقد سهلت الخيانة الزوجية، فكانت النتيجة ارتفاع حالات الطلاق يقابلها ضعف وانخفاض بنسبة الثقة .
وانا اتفق تماما مع الرأي القائل ان "الفيسبوك" يعد المتهم الأول والرئيس في إضعاف الروابط الأسرية، بمن فيهم الزوجان، فكل اصحاب النفوس المريضة والباحثين عن المتعة وسد الفراغ يظهرون للوهلة الاولى كأنهم ملاك عندما يبدأون علاقتهم ثم ما ان يحصلوا على غاياتهم حتى يتحولوا الى شياطين، مع ذلك لا نريد ان نتأثر سلبا بما نسمع او نرى ونفقد ثقتنا بمن حولنا ونترك الشك يسلب راحتنا، ومن ابتغى حياة زوجية ناجحة عليه ان يعلم ان الزواج ليس عقد احتكار وملكية خاصة وانما هو رابط مبني بالدرجة الاولى على الحب والاحترام وشروط نجاحه ان يكون لكل واحد منهم كيانه وحريته الخاصة في حدود التعاليم الاسلامية والقيم الأخلاقية وبنائه لا يتم إلا بالثقة والعفو والتسامح.
ختاما على الشريكين أن لا يجعلا الغيرة تتجاوز حدودها الطبيعية وتتحول الى شك ليعمل على هدم وانهيار الرحمة والمودة التي تجمع اثنين، والمثل يقول: (ومن إبتغى زوجةً أو زوج بلا نقص عاش أعزباً) فنحن لسنا معصومين عن الخطأ، والذكاء والعبرة تكمن عندما يتفاهم الطرفان بهدوء وليونة وكل يوضح وجهة نظره ليصلوا الى النتيجة المرضية لهم مع احترام الوعود والثقة التي تمنح بينهم.