كيف تحمي طفلك قبل دخوله إلى غمار العالم الرقمي؟
مروة الاسدي
2023-10-24 07:35
على الرغم من الجوانب الإيجابية للعالم الرقمي غير أنه لا يخلو من المخاطر وخصوصاً على الأطفال الذين باتت حياتهم أسيرة التقنيات الحديثة. فكيف تحمي عائلتك وأطفالك من مخاطر الإنترنت وما هي الإرشادات التي على الأهل اتباعها؟
يعد التعليم الإعلامي مجالاً تزداد أهميته يوماً بعد يوم نظراً لحقيقة أن وسائل الإعلام تتغلغل بشكل كبير في الحياة اليومية للأطفال والأسر. يتطلب التثقيف الإعلامي الناجح فيما يتعلق بالتلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والإنترنت وألعاب الكمبيوتر من الآباء امتلاك كفاءة إعلامية خاصة بهم، إلى جانب المعرفة الكافية حول كيفية تعلم الأطفال لاستخدام وسائل الإعلام.
ويبدو أن المدارس لا تقدم التعليم الإعلامي اللازم للأطفال خلال استخدامهم الإنترنت، لذا تقع هذه المسؤولية على عاتق الأهل.
وترى الخبيرة باتريشيا كاماراتا أنه رغم أن الأطفال حالياً قد نشأوا على العالم الرقمي وألفوه وهم على ارتباط وثيق به، غير أن ذلك لا يغني عن التوعية الإعلامية وولا يعفي الأهل من مسؤولية تعليم أطفالهم وتحذيرهم من المخاطر التي تحيط بهذا العالم وكيفية التعامل معها. على سبيل المثال فيما يتعلق بحماية البيانات ومعلوماتهم الشخصية، أو الأخبار المزيفة وكيفية تمييزها والتعرف عليها، والتعامل مع اتصالات الغرباء في الشبكة العنكبوتية، وحمايتهم من التنمر والاستغلال فهذه الأشياء لا يكتسبها الصغار بمفردهم، لذا من الأفضل تجنب التجارب المؤلمة التي قد يواجهها الأطفال من خلال تعليمهم وتوعيتهم. بحسب ما نشره موقع "مايكروسوفت نيوز".
ونظراً لتقدم العالم الرقمي والتقنيات بسرعة وبشكل مستمر، يجب على الأهل إيجاد آلية معينة للبقاء على إطلاع ومواكبة التحديثات بقدر المستطاع، إذ أن المجالات كبيرة جداً لهذا السبب ينصح بالبدء بوقت مبكر وليس فقط عندما يبلغ الأطفال سن المراهقة، ليكونوا حاضرين لأي سؤال قد يطرحه الطفل.
ووفقاً لأحدث الأبحاث، فإن تشجيع أطفالك على التفكير النقدي في الوسائط التي يستهلكونها أكثر أهمية من مجرد مراقبتهم ومعرفة ما يستخدمون. كما ينصح الخبراء بتثبيت الأجهزة التقنية في الغرف المشتركة لتظل تحت معاينة الأهل، ووضع قوانين وأوقات محددة لتحقيق التوازن في حياة الطفل. كما يمكن استخدم التكنولوجيا لبناء علاقة مع أطفالك، كإرسال رسائل نصية عبر الفيسبوك إليهم لخلق حوار معهم بين حين وآخر. إذ يحب الأطفال اليوم التواصل عبر التكنولوجيا. والأهم قضاء وقت مع الأطفال وممارسة نشاطات بعيداً عن الشاشات برفقتهم.
المرحلة العمرية الآمنة لامتلاك هاتف شخصي
يجد عدد من الآباء والأمهات وأولياء الأمور أنفسهم في حيرة من أمرهم، حين يطالبهم أبناؤهم بضرورة تمكينهم من هاتف شخصي أو حاسوب يسمح لهم بولوج عالم التكنولوجيا والاتصال والإعلاميات إسوة بأقرانهم؛ وهو ما يستجيب له البعض أملا في مساعدة أطفالهم على مواكبة هذا العصر الرقمي، في حين يحرص آخرون على تأجيل تلبية هذا النوع من الطلبات، مستعينين في ذلك بسلبيات ومخاطر الشبكة العنكبوتية.
وفي هذا الإطار، تُثار بين الفينة والأخرى نقاشات بين الآباء والأمهات حول المرحلة العمرية المناسبة لربط الطفل بعالم التكنولوجيا والرقمنة، متسائلين عن السن المناسب لتمكين فلذات أكبادهم من هواتف شخصية أو حواسيب مرتبطة بشبكة الأنترنيت، دون أن يتسببوا في إلهائهم عن دراستهم فيُفسدونهم من حيث يريدون الإصلاح.
عياد أبلال، باحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة، قال إن “العالَم، منذ بداية الألفية الثالثة، دخل عصر التكنولوجيا والرقمنة بامتياز، وصار العالم عبارة عن مجتمعات مرقمنة فائقة خاصة في الغرب؛ وهو ما ينطبق بشكل كبير على المجتمعات النامية، ومن بينها المغرب. لذلك، من الصعب جدا وقف زحف هذه الرقمنة التي تحمل مخاطر كبيرة على الصحة النفسية للأطفال، كما هو الحال بالنسبة إلى الشباب”.
وأضاف أبلال، في تصريح لهسبريس، أنه “يجب الاقتداء بتوصيات منظمة الصحة العالمية، وخاصة الجمعية الأمريكية لعلم النفس، والتي توصي بضرورة منع الرضيع إلى حدود 18 شهرا من الجلوس أمام شاشة التلفاز، مع منح الآباء أكبر وقت ممكن للأبناء إلى حدود السنتين، ومن سنتين إلى خمس سنوات يجب ألا يتجاوز وقت النظر إلى شاشة التلفاز ساعة واحدة، وفي هذه الحالة ينصح بعدم تمكين الطفل نهائيا من أي هاتف أو لوح ذي شاشة الكترونية إلا بوجود الآباء، على ألا يتجاوز الساعة يوميا”.
وأكد الباحث ذاته أنه “ما بين سن السادسة إلى 15 سنة، يجب ألا يتجاوز الوقت المخصص للأنترنيت الساعة ونصف الساعة في اليوم، وإلى حدود ساعتين ما بعد سن 18، مع الحرص في كل مراحل نمو الطفل على ضمان النوم الكافي والراحة الكافية للطفل، مع نظام غذاء متوازن ونشاط حركي رياضي مناسب”، منبها إلى أن “ما تعيشه مجتمعاتنا يشي بالكثير من المخاطر النفسية والبصرية، خاصة أن تأثير شاشات وألواح الأجهزة الإلكترونية بات معروفا”.
وذكر عياد أبلال بـ”ضمور الرابط الاجتماعي وجمود العواطف الأسرية، وفق ما نسميه عزلة مجتمعات الرقمنة”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر يتضح من خلال الإدمان على الأنترنيت، وخصوصا شبكات التواصل الاجتماعي في البلدان النامية، ومنها المغرب؛ وهو ما يتجلى من خلال الشعور الدائم والمزمن بالقلق والتوتر، والميل إلى العزلة والوحدة، وعدم التواصل مع الآخرين، وهي أعراض قد تؤدي إلى الاكتئاب والاضطرابات النفسية التي تمس الشخصية”.
عن السن المناسب لتمكين الطفل من حاسوب أو هاتف شخصي، قال الباحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة إنه “حسب الجمعية الأمريكية لعلم النفس، وتبعا لعدد من الدراسات، ينصح بتمكين الطفل من حاسوبه في سن ما بعد العاشرة، مع مراعاة ضرورة إعداد الطفل ثقافيا ومعرفيا لولوج عالم الأنترنيت، مع اقتصار برامج الحاسوب على برامج تعليمية وتربوية تراعي الجوانب العاطفية، والحس حركية، والمعرفية، تناسب سن الأطفال بالتدرج”.
وشدد أبلال على أن “الهاتف الشخصي يجب أن يستعمل لأغراض وظيفية ترتبط بالتواصل الإيجابي، دون السماح للأطفال بولوج منصات التواصل الاجتماعي”، موردا أن “هناك اختلافات في الدراسات بخصوص السن المناسب لامتلاك الهاتف الشخصي والحاسوب الشخصي المزود بالأنترنيت؛ لكن كل الدراسات تجمع على ضرورة تربية المتعلمين والأطفال على عالم التكنولوجيا، وتوضيح السلبيات والإيجابيات”.
وفي السياق ذاته، دعا الباحث في أنثروبولوجيا الثقافة المجتمعات النامية، من بينها المغرب، إلى “إدخال مناهج ومقاربات للتربية والتعليم على الأنترنيت، حتى يكتسب المتعلمون مناعة ضد كل السلبيات، ويتهيؤون لولوج التكنولوجيا دون خوف على صحتهم الجسدية والنفسية والجنسية، مع ضرورة الحرص على تحصين الأطفال ضد التحرشات والاضطرابات الجنسية التي ترتبط ببعض برامج الأنترنيت الجنسية”.
بشأن سلبيات التعجيل في تمكين الطفل من هاتفه الشخصي، أكد عياد أبلال أنها كثيرة، مضيفا أن “أكثرها ترددا هو القلق والتوتر والانعزال والجمود العاطفي، دون أن نسيان تراجع دور الأسرة والتربية الوالدية في التأثير في الطفل الذي يصبح أكثر انبهارا وتأثرا بعالم النماذج الرقمية، سواء تعلق الأمر بنماذج القدوات في عالم الحياة أو الغناء أو الرياضة…”.
ونبه الباحث في علم الاجتماع إلى أن “التأثر بعالم النماذج الرقمية يجعل الفضاء الأسري فاقدا للتأثير الوجداني والمعرفي والعاطفي، وهو شيء خطير بالنظر إلى بروز شخصية قاعدية جديدة تتغذى على النماذج الموجهة، وهي نماذج افتراضية بعيدة كل البعد عن الواقع، مما يُسقط الطفل، كما هو حال بعض الشباب، في الاحتراق العاطفي والنفسي، ناهيك عن تأثير ذلك على المسار الصحيح للتعلم والتربية”.
وفي السياق ذاته، سلط الباحث في علم الاجتماع وأنثروبولوجيا الثقافة الضوء على “خطورة تشكيل المجتمع التلصصي- الفضائحي الذي يتغذى على اختراق الخصوصيات والحياة الحميمية للناس، والتشهير والفضائح، بحيث يصبح الطفل مهيأً، بفضل التعود والتطبيع مع شبكات التواصل الاجتماعي، على تمثل واستبطان قيم المجتمع الفضائحي”.
دور الإعلام لتوجيه الأطفال في العصر الرقمي
لاشك أنه في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي في حياة كل فئات المجتمع، بات يشكل خطرا داهما على حياة أطفالنا الجسمية والعاطفية والنفسية، وعلى مستقبلهم، وهذا استدعى إلى ضرورة تفعيل دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتربوية والإعلامية لتحقيق تربية صحية متكاملة للطفل وحمايته من مخاطر العالم الافتراضي الذي يتسبب في القضاء على أهم مرحلة من مراحل التطور العمري للإنسان.
إن ما نشاهده يوميا على مدار العقدين الأخيرين من تفشي الكثير من الجرائم الإلكترونية خاصة تلك التي تتعلق بابتزاز القصر عبر الفضاء الإلكتروني، والتي أثرت بشكل سلبي عليهم وجعلتهم يعيشون مرحلة مرضية قاسية قد توصلهم إلى درجة الانتحار، إن هذا يدعونا إلى ضرورة دراسة هذا الموضوع والاهتمام به على مستوى كل المجالات وعلى رأسها المجال الإعلامي لما له من أهمية كبيرة في التأثير على الأنا الباطني للأطفال.
نظرا لأهمية الإعلام في التأثير على الأفراد والمجتمعات، فهو يلعب دورا مهما في توجيه الطفل من خلال الكثير من برامج الأطفال المتخصصة في تربية الطفل والتي تساهم في تغذية وتنمية القدرات العقلية والذهنية والنفسية له، فإننا نجد من المهم جدا التركيز على دور الإعلام في تفعيل رؤية تربوية متوازنة لتوجيه الأطفال في العصر الرقمي، لتحقيق هدفين:
-1 دعوة المؤسسات الإعلامية إلى ضرورة التركيز والاهتمام بالمواضيع المتعلقة بالتربية الرقمية للطفل، من خلال تخصيص برامج خاصة، وتقديم افلام كرتونية تخدم الموضوع وانيميشن هادف يتعلق بكيفية تعامل الطفل مع العالم الرقمي.
-2 اضطلاع المؤسسات الإعلامية بمهمة توعية الأسر والمؤسسات التربوية بشكل متواصل بكل من خلال برامج تحسيسية تقوم بالتعريف بكل التحديثات الحاصلة على مستوى العالم الرقمي وتبيين الجانب السلبي والإيجابي منها وكيفية التعامل معها لضمان تربية رقمية وفق المعايير التربوية الصحية.
تقع على الإعلام مهمة مشتركة مع القطاع التربوي والأسري في إيجاد رؤية مشتركة لحماية الأطفال من التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، وهنا لابد من الاشارة إلى أن العالم الافتراضي يفرض وجوده بل أصبح أمرا واقعا، المطلوب كيفية التعامل معه وليس الهروب منه وإبعاد الأطفال عن هذا العالم بل لابد من معرفة طبيعته للتأقلم معه، ولا أحد ينكر أن هناك مؤسسات إعلامية تقدم الكثير من البرامج سواء ترفيهية أو اجتماعية أو أسرية حققت نقاطا فارقة بما يتعلق بتربية النشأ ووضعهم في المسار الصحيح في ظل الصخب الحاصل من تطور كبير في المجال التكنولوجي المخيف والمحفز والذي أسس لمرحلة العصر الرقمي الذي يسيطر على كل جوانب الحياة المختلفة، مرحلة تتطلب من المؤسسات الإعلامية إلى التكيف مع الواقع الجديد بما يخدم أفراد المجتمع، لذلك ينبغي على القنوات الإعلامية بكل أنواعها وأشكالها أن تخصص نوعا خاصا من البرامج الموجهة للأطفال لتعليمهم بطرق سلسلة دون تعقيد أو تخويف أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في عصرنا الراهن، لكن هذا العالم وإن كان افتراضيا فهو لا يخلو من عيوب معروفة ومجهولة تتسبب في إيذاء من تجاوزوا الخطوط الحمراء ولم يحترموا ضوابط هذا العالم.
وهنا تتجلى أهمية الإعلام في استضافة خبراء ومختصين لتوضيح ما يجب توضيحه من معلومات بطرق شتى لوضع الضوابط المناسبة للولوج في هذا العالم بثقة عالية دون ارتباك، لأن الطفل في مرحلة الفضولية لا ضوابط له، فقط يحتاج إلى أسلوب تربوي يتناسب مع فهمه حتى يتم تلافي الكثير من الأخطاء التي يقعون فيها.
الأطفال في مرمى التسونامي الرقمي يتعلمون لكنهم يدمنون
اختصرت التكنولوجيا الرقمية المسافات والوقت وسهّلت على الناس الكثير من الأمور في حياتهم اليومية، لكن يبدو أن الأطفال يدفعون ضريبة الاعتماد المكثف عليها، حيث تحولت كل مراحل الطفولة إلى إدمان على الأزرار والشاشات بدل ألعاب من قماش وورق، وشيئا فشيئا سيستبدل الكراس والقلم أيضا بالكمبيوترات.
تغيرت العادات داخل المجتمعات في العصر الحديث، ولم يعد من المستغرب أن تمنح معظم الأسر أطفالها الصغار هواتف ذكية وكمبيوترات لوحية للّهو بها، بدلا من تركهم يلعبون في الهواء الطلق.
وبحسب بعض الدراسات التي أجريت في السنوات الأخيرة يقضي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 سنوات و16 عاما حوالي ست ساعات يوميا أمام الأجهزة الإلكترونية، وكلما كبروا ارتفع عدد هذه الساعات، ليزيد مع ذلك انغماسهم في العالم الافتراضي وتعلقهم بالأجهزة الرقمية.
ولا يبدو أن التكنولوجيا الرقمية ستختفي قريبا من حياتهم، فقد ظهرت لتبقى، خاصة أن العديد من المدارس قد أدمجتها ضمن المناهج العلمية التي يدرسها التلامذة، بل حتى الروضات أصبحت تقدم للأطفال أجهزة آيباد، لتسهل عليهم عملية التعليم.
ويرى البعض من الخبراء أن تلك الأجهزة تعد مصدرا مهما للمحفزات الحسية لدى الأطفال، ومن شأنها أن تساعدهم على تطوير مهاراتهم المختلفة، فبإمكانها أن تكسبهم مهارة الكلام بطريقة أسرع وتساعدهم على استيعاب قدر أكبر من المعلومات، إذا تم استخدامها لغرض التعليم.
وترى هيلين مويليت، رئيسة جمعية التعليم المبكر -وهي جمعية خيرية أميركية تهدف إلى تطوير ممارسات التعليم والجودة لمن هم دون سن الخامسة- أن الأجهزة الإلكترونية يمكن أن تكون أدوات مساعدة على التعلم، إذا تم استخدامها في المكان المناسب لغرض التعليم، ولا يجب أن تكون بديلا عن وسائل التعليم التقليدية كالورقة والقلم.
إلا أن قلق مويليت الأكبر سببه الأولياء الذين لا يكونون دائما قدوة جيدة يحتذي بها أطفالهم. وأكدت أنها شاهدت بعض الآباء والأمهات يكتبون الرسائل النصية حتى أثناء المشي. كما أن انشغالهم باستخدام أجهزتهم تلك قد يتحول إلى حاجز يحول دون التواصل مع أطفالهم.
وبيّن استطلاع للرأي أن ما يقارب نصف الآباء البريطانيين اعترفوا بأن أطفالهم يقضون الكثير من الوقت أمام الشاشات، فيما لا يرى 43 بالمئة منهم أن الوقت المطول الذي يقضيه أطفالهم أمام أجهزة المحمول والكمبيوترات والتلفزيون، يمكن أن يؤثر على سلوكياتهم.
بيد أن بعض الخبراء لا يتفقون مع ذلك، ودائما يكررون تحذيرهم من أن الأطفال قد أصبحوا يشاهدون الآن الوسائط التي تستخدم فيها الشاشات أكثر من ذي قبل، مؤكدين على أن تلك العادة يجب كبح جماحها، إذ أنها قد تؤدي إلى إدمان الطفل على مشاهدة الشاشات أو إصابته بالاكتئاب، بالإضافة إلى جملة من المخلفات الصحية الخطيرة.
ولا يستبعد ماثيو ووكر، أستاذ علم الأعصاب وعلم النفس بجامعة كاليفورنيا، أن تتسبب هذه الأجهزة في الأرق والحرمان من النوم.
ويحتاج كل شخص إلى حوالي 30 دقيقة أو ساعة كاملة من الهدوء والاستعداد للنوم، من أجل إعطاء العقل فرصة للاسترخاء والتخلص من ضغوط اليوم، وبالتالي فإن أشياء مثل قراءة كتاب أو تناول مشروب ساخن، أو ممارسة لعبة عقلية، تساعد على ذلك.
لكن عندما يلتقط أحدهم هاتفه فإنه يلغي بذلك عملية التحضير التي يحتاج إليها الدماغ من خلال تمديد ساعات اليقظة إلى وقت متأخر، ومن شأن ذلك أن يجعله يتأثر بكل أنواع التوتر والقلق الناتجة عن تلك الأجهزة، وتوصلت مراجعة بحثية لعشرين دراسة حول أنماط نوم الأطفال إلى أن الأطفال الذين يضعون الأجهزة المحمولة في غرفهم يكون نومهم أقل عمقا.
وعلى سبيل المثال، فإن الضوء الأزرق الذي ينبعث من الشاشات الإلكترونية يمكن له أن يغير عملية إطلاق هرمون الميلاتونين، الذي يساعد على تنظيم النوم، وفي ذلك فقدان للسيطرة على ساعة الجسم البيولوجية الداخلية.
وشهدت السنوات الماضية دراسات مستمرة ركزت بالأساس على “الإدمان الرقمي”، الذي أصبح يعد من أخطر قضايا الصحة التي تواجه المجتمعات الحديثة، وعلى الرغم من أن “الإدمان الرقمي” لم يُصنف رسميا كـ”خلل مرضي” من قِبل معدي كتب التصنيف الطبي، مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الذي تصدره الرابطة الأميركية للطب النفسي، والذي يشكل المعيار المُعترف به على نطاق عالمي لتصنيف مثل هذه الاضطرابات، إلا أن هناك من الباحثين من ينظر له على أنه لا يقل خطرا عن قضايا الإرهاب والمخدرات والمناخ والطاقة، بل وصفه البعض بـ”التسونامي الرقمي” الذي يهدد أجيالا بأكملها.
وأكد عالم النفس الأميركي نيكولاس كارداراس أن إدمان الشاشة اضطراب إكلينيكي مماثل لإدمان المخدرات، وأن علاج مدمن الهيروين قد يكون أسهل بكثير من علاج مدمن الشاشات، فيما شددت مديرة عيادة هارلي ستريت المختصة في علاج الإدمان ماندي ساليجاري على أن الكثير من مرضاها فتيات لم تتجاوز أعمارهن 13 سنة، مشبهة إعطاء الطفل هاتفا ذكيا أو آيبادا بإعطائه قنينة من النبيذ، أو غراما من الكوكايين.
وبينت تجارب إكلينيكية أن ألعاب الواقع الافتراضي، على سبيل المثال لعبة “عالم الثلج”، تساهم بشكل فعال في تخفيف آلام ضحايا الحروق البليغة أفضل مما تفعله مادة المورفين المخدرة، وهذا يؤكد أن المنتجات التكنولوجية تستهدف العوامل البيولوجية، وتحاكي بذلك التحفيز المقدم من الكحول والمخدرات، وقد يؤدي الإفراط فيها إلى خلق عدة أعراض كسوء النوم، ونوبات الذعر والصداع، وتخلق أعراضا مزاجية سلبية قد تؤدي في مجملها إلى الإصابة بالاكتئاب.
وتدعم الدراسات الحديثة التي تقوم على التصوير المغناطيسي للدماغ هذه النظرية، وتظهر تلك الدراسات أن الشاشات تؤثر على قشرة الدماغ الأمامية التي يطلق عليها علماء النفس “فرامل الشخص العصبية”، والتي تتحكم في الوظائف التنفيذية، ولذلك من الصواب ترك أدمغة الأطفال تنمو بشكل كامل وتكتسب قدراتها الفكرية والإبداعية من خلال نوافذ تنموية طبيعية قبل تعريضها لهذه “العقاقير الرقمية”.
ولا يستبعد الخبراء أن تكون التطبيقات التكنولوجية، وخاصة الحديثة منها التي قد صممت بدقة عالية، سببا في تدمير الكثير من المهارات عند الأطفال، والتأثير بشكل مباشر على وتيرة تفاعلهم مع أقرانهم، وهذا من شأنه أن يعيق تطوير شخصيتهم ومشاعرهم، فلا ينخرطون اجتماعيا مستقبلا.
بالإضافة إلى أن الاهتمام المستمر للأطفال بالأجهزة الرقمية قد يأتي في غالب الأحيان على حساب أنشطة أكثر قيمة وأهمية من الناحية التنموية، كالأنشطة الرياضية والبدنية التي تعود بالفائدة على الجسم والعقل، وكذلك القراءة التي تعتبر نشاطا إيجابيا، يخلق خيالا واسعا وذاكرة مميزة، ويطور القدرة على التحليل والتفكير النقدي، فيما قد تعيق الوسائط الرقمية جميع هذه المهارات.
وهكذا، فبدلا من الانتظار حتى يعاني الطفل من مشكلة “السموم الرقمية”، من المهم تعليمه كيفية التعامل الصحي مع العالم الرقمي.
مَن يربّي أبناءنا؟
يجلب العالم الحديث كثيراً من التحديات إلى مهمة تربية الأطفال في الأسرة، التي تُعد أصعب وظيفة على الإطلاق. من السهل إعطاء الأطفال أجهزة «آيباد» ليلعبوا بعيداً ويبقوا صامتين. وفي هذا العصر، يمكن للأطفال في كل مكان تقريباً الوصول إلى الإنترنت - في أغلب الأحيان عبر الهاتف الجوال. في العديد من الأماكن أيضاً، يشعر الأهل بالتحديات التي تواجه كفاءتهم ودورهم وسلطتهم في التربية.
لقد فتح عصرنا الرقمي الجديد عالماً لا يُصدق من الفرص، خاصة للأجيال القادمة التي تتمتع بأسرع وتيرة للتقدم التكنولوجي في التاريخ، ولكن بالنسبة للأهل، لا تزال هناك بعض التحديات الجادة والحقيقية للغاية. لم تكن الأبوّة والأمومة سهلة في أي وقت من الأوقات، لكن التربية في العالم الرقمي أثبتت أنها من بين أعظم التحديات التي واجهها الأهل على الإطلاق.
في العصر الحديث، أصبح الأطفال يمتلكون الأجهزة الرقمية بشكل واسع. وفقاً لبيانات من مركز «بيو للأبحاث»، يمتلك ما يقرب من 1 من كل 5 أطفال دون سن 12 عاماً في الولايات المتحدة هاتفاً ذكياً خاصاً بهم، وقد حصل أكثر من نصفهم على هواتفهم بين الأعمار 9 و11 سنة. على الرغم من أن هؤلاء الأطفال لا يشكلون الأغلبية، فإن هذا الواقع يمثل تغييراً كبيراً عما كان عليه الأمر حتى منذ عقد مضى فقط، كما أنه يمثل بعض التحديات الجادة للأهل.
باختصار، يتعرض الأطفال للمعلومات أكثر من أي وقت مضى بفضل أجهزتهم، ويتطلعون بشكل متزايد إلى أجهزتهم لتوفير جميع احتياجاتهم الاجتماعية والعاطفية والترفيهية، الأمر الذي يؤدي في حد ذاته إلى عواقب عديدة، منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي.
من بين التحديات التي يواجهها الأهل في العصر الرقمي، هو الوقت الطويل الذي يقضيه الأطفال في استخدام الأجهزة الإلكترونية. وتبين الدراسات أن متوسط «وقت الشاشة» - وهو الوقت الذي يقضيه الأطفال في استخدام الأجهزة الإلكترونية - للمراهقين كان نحو 8 ساعات في اليوم قبل جائحة «كورونا». ويمكننا أن نتخيل ما فعلته الجائحة وحالات الإغلاق بهذا المتوسط! لكن هذا يعني أنه حتى في الظروف العادية، يقضي الأطفال ما يقرب من ثلث يوم كامل وهم ملتصقون بشاشاتهم. عندما نضع في الاعتبار الحاجة المطلوبة إلى النوم 8 ساعات في اليوم، وما لا يقل عن 6 - 7 ساعات في المدرسة، فهذا يعني أنه لم يتبق أي وقت تقريباً لأي شيء آخر؛ لذلك يواجه الأهل تحدياً خطيراً في جعل أطفالهم أكثر نشاطاً لممارسة التمارين في الهواء الطلق، أو العمل على شيء أكثر إبداعاً وإنتاجية.
التحدي الآخر الذي يواجهه الأهل هو الإدمان على استخدام الأجهزة الإلكترونية. كان الأهل في السابق قلقين باستمرار من أن أطفالهم قد يقعون فريسة لبعض الإدمان الرهيب على أمور مثل المخدرات أو الكحول. أما الآن، فإن هناك نوعاً آخر من الإدمان ينتظرهم، وهو إدمان الأجهزة الإلكترونية. في البدايات، كان الأهل يعتقدون أنه من الأفضل لأطفالهم أن يكونوا على الشاشات بدلاً من مواجهة المشكلات في الشوارع. ومع أن هذا قد يكون صحيحاً من ناحية، إلا أن الأطفال يتعرضون لجميع أنواع الأضرار النفسية والتهديدات على الإنترنت.
حتى قبل جائحة «كورونا»، كانت التقنيات الرقمية قد دخلت بعمق في حياة الأطفال، على الرغم من مجموعة متزايدة من الأبحاث التي توضح بالتفصيل أضرار الانغماس المفرط في عالم صناعة «تكنولوجيا الأطفال» غير المنظم، والمغري بقوة، والمدفوع بالربح. في كتاب «مَن يربّي الأطفال؟» («نيو برس»، 2022)، تستكشف الكاتبة سوزان لين، وهي خبيرة في اللعب الإبداعي وتأثير وسائل الإعلام والتسويق التجاري على الأطفال، جذور وعواقب هذا التحول الهائل نحو طفولة رقمية تجارية، مع التركيز على قيم الأطفال وعلاقاتهم وتعلمهم. منذ الولادة، أصبح الأطفال مصدراً مربحاً لمجموعة من شركات التكنولوجيا والإعلام والألعاب. تشير الكاتبة إلى أن كثيراً من نخب «وادي السيليكون» لا يسمحون بتعريض أطفالهم للتقنيات ذاتها التي يطلقونها لأطفال الآخرين.
وتبين الكاتبة كيف تتظاهر شركات التكنولوجيا، مثل «يوتيوب» و«تيك توك» و«سناب شات»، بأنها تقدم الرعاية، وتزرع المودة لدى الأطفال، وتساعدهم على التغلب على نقاط ضعفهم، في حين تنظر هذه الشركات في الواقع إلى الأطفال على أنهم مصادر ربح، وتشجع الأطفال على قضاء أوقاتهم على الشاشة بدلاً من تقوية الروابط الأسرية. وتؤكد الكاتبة أن هذه الشركات لا تهتم بالأطفال خلال أهم أوقات النمو في حياتهم بقدر اهتمامها بأرباح الإعلانات. والكاتبة ليست معادية للتكنولوجيا، بل تمتدح قدرتها على التواصل وتوفير تجارب جديدة. الكاتبة ببساطة تعارض الإعلان للأطفال، وهدفها هو حماية هذه الفئة الضعيفة من الاستغلال من قبل الشركات الإعلانية.
وتظهر دراسة أجرتها شركة «ميتا» («فيسبوك» سابقاً)، أن تطبيق «إنستغرام» قد يتسبب في تدني احترام الذات لدى الفتيات، والأفكار الانتحارية لدى المراهقين في أميركا والمملكة المتحدة. كان الاكتئاب عند الأطفال أمراً غير معتاد، لكنه أصبح الآن شائعاً. وتقول سوزان لين إن على الأهل تقرير ما إذا كانوا سيتخلون عن مسؤولية التربية والتنمية البشرية لمجموعة من التقنيين الأغنياء الذين لا يكترثون كثيراً بالتداعيات الأخلاقية لمنتجاتهم.
وفي نهاية المطاف، علينا أن نعترف بأهمية التكنولوجيا ودورها في نشر المعرفة والتقدم، ومن ثم لا يمكن للمجتمع المعاصر أن يحلم بالاستغناء عنها. عِوضاً عن ذلك، علينا أن نستفيد من الجوانب الإيجابية التي توفرها التكنولوجيا لأطفالنا في حال استخدامها بشكل جيد. وفيما يلي بعض هذه الجوانب الإيجابية:
الفائدة الأولى هي زيادة مستوى ذكاء الطفل. أجرت جامعة كورنيل الأميركية بحثاً علمياً في تسع مدارس لمجموعات من أعراق ومجموعات اجتماعية مختلفة. وفقاً لهذه الدراسة التي أجريت على ما يقرب من 9000 طالب، فإن مستوى الذكاء للجيل الحالي أعلى من الجيل السابق. يربط الخبراء هذا التأثير مباشرة بالتكنولوجيا. إن الزيادة في عدد المنتجات التكنولوجية في حياة الأطفال، ومن ثم زيادة المحفزات، بمثابة تمارين لتمكين الأطفال من حل مشكلات أكثر تعقيداً.
كما تساعد التكنولوجيا على تنمية المهارات العقلية بالمحتويات التعليمية. يمكن أن تكون الآثار الإيجابية للإنترنت على التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة مفيدة للغاية. تُعد الممارسات التعليمية، مثل الألعاب والتطبيقات التي تعمل على تحسين المهارات المعرفية، من بين هذه الفوائد. ألعاب الذاكرة للأطفال الذين يرغبون في تحسين ذاكرتهم، وألعاب الانتباه للأطفال الذين يرغبون في تحسين انتباههم، وألعاب الرياضيات للأطفال الذين يرغبون في تحسين مهاراتهم الرياضية، وأكثر من ذلك بكثير، في متناول الأطفال اليوم؛ لذلك يمكن أن يكون استخدام الإنترنت الآمن للأطفال مفيداً مع التطبيقات المناسبة، مما يسمح لهم بلعب ألعاب العقل بدلاً من ألعاب سباقات السيارات.
كما يمكن أن تساعد التكنولوجيا على تطوير مهارات حل المشكلات. ينجح الأطفال المبدعون في التكيف مع العالم المتغير. وبالمثل، فهم ينجحون عادة في إيجاد حلول جديدة لمشكلات جديدة. سيسمح تعزيز مهارات حل المشكلات في مرحلة الطفولة بالتغلب على العقبات بشكل أسهل في المستقبل.
كما يمكن أن تلعب التكنولوجيا في بعض الأحيان دور المنقذ للطفل ومن يحيطون به. يجب أن يتمكن أطفالك من الوصول إليك في حالة الطوارئ، حتى لو لم يكونوا كباراً بما يكفي لاستخدام الهاتف الجوال. يتم إنتاج أجهزة محمولة بسيطة، مثل الساعات الذكية، لتلبية هذه الحاجة بطريقة صحية. في المدارس، يتم تعليم الأطفال الأرقام التي يجب عليهم الاتصال بها في حالات الطوارئ. يمكنك إضافة أرقام سيارات الإسعاف وخدمات الإطفاء إلى قائمة جهات الاتصال الخاصة بهم.
كذلك توفر التكنولوجيا للطفل إمكانية الوصول السهل إلى المعلومات. يشعر جميع الأطفال بالفضول في سن مبكرة، ويريدون دائماً التعرف على العالم الخارجي، ويمكن لشبكة «الويب» العالمية أن تساعدهم على فهم ما يريدون تعلمه.
وحيث إن تعلم لغة أجنبية أصبح من متطلبات التعلم الأساسية في هذا العصر، فإن الإنترنت توفر مساعدة قيمة في هذا المجال. يمكن للأطفال تعلم لغة أجنبية في وقت قصير باستخدام أدوات الإنترنت، والألعاب الممتعة والتدريبات، دون الشعور بالملل. يمكن للأهل تزويد أطفالهم بالمصادر الصحيحة وتطوير مهاراتهم اللغوية.
من ناحية ثانية، تساعد التكنولوجيا الرقمية الأطفال على تطوير التفكير النقدي. بفضل الألعاب التفاعلية والتمارين الذهنية عبر الإنترنت، يبدأ الأطفال في تطوير مهارات التفكير النقدي في وقت مبكر. تساعد هذه الألعاب والتمارين التعليمية الأطفال على النمو فكرياً، من خلال تعزيز مهارات التفكير الاستراتيجي لديهم.
وفوق هذا كله، توفر التكنولوجيا عالماً ترفيهياً رائعاً للأطفال والكبار على حد سواء. يمكن للأطفال الاستفادة من ألعاب الفيديو الممتعة، والألغاز والأحاجي، وغيرها من الأشياء، لقضاء أوقات فراغهم، ولكن بشرط أن تكون هناك رقابة وثيقة من الأهل في هذا المجال.
وهكذا يمكن القول إن التكنولوجيا، رغم آثارها السلبية المحتملة التي لا يمكن إنكارها، والتي لم يتم ذكرها بشكل مفصل في هذا المقال؛ يمكن أن تكون عاملاً مساعداً ممتازاً في تربية الأطفال وتطوير قدراتهم إذا استخدموها بشكل جيد، تحت رقابة الأهل في البيت، والمختصين في المؤسسات التعليمية.
تطبيقات الرقابة الأبوية لحماية الأطفال في العالم الرقمي
يسعى غالبية الآباء إلى مراقبة نشاط الأطفال عبر الإنترنت لضمان سلامتهم، من خلال تطبيقات الرقابة الأبوية، وذلك بهدف حماية أطفالهم في العالم الرقمي.
يتّسِم الأطفال المعاصرون بالوعي التقني منذ سن مبكرة مقارنة بأطفال الأجيال السابقة، بسبب تمتعهم بالقدرة على الوصول إلى الإنترنت منذ نعومة أظفارهم. لكن هذا لا يعني أن الأطفال يجب أن يكونوا ملمّين بجميع قواعد السلوك الآمن عبر الإنترنت، التي يتعلمونها في الغالب تدريجاً. وأظهرت دراسة نشرتها كاسبرسكي مؤخراً أن معظم الآباء يشعرون بالقلق حيال السلوك الرقمي لأطفالهم، ويبدون الرغبة في مراقبته والسيطرة عليه من خلال استخدام تطبيقات الرقابة الأبوية، لمراجعة سجلات الإنترنت الخاص بأطفالهم بانتظام.
يرغب غالبية الآباء في مراقبة مقاطع الفيديو التي يشاهدها الأطفال، والمواقع التي يزورونها والألعاب التي يمارسونها، كما يفضّلون تحديد الوقت الذي يقضيه الأطفال على الإنترنت وعلى أجهزتهم خلال اليوم. لكن في الواقع، يناقش فقط 54 % من الآباء العادات الرقمية السليمة مع أطفالهم، ويستخدم 39 % تطبيقات الرقابة الأبوية، ويتحقق 38 % آخرون منهم من سجل تصفح الإنترنت لدى أطفالهم. أما 27 % فيبدون ثقتهم بأطفالهم ولا يراقبونهم بأي شكل من الأشكال.
نعلم جميعاً أن الأطفال يبحثون دائماً عن مساحات جديدة للاستمتاع بتجارب خالية من الرقابة الأبوية، وهذا الإستقلال مهم ويجب السماح به اعتماداً على عمر الطفل. لكن في الوقت نفسه، من المهم أن يناقش الآباء أطفالهم بشأن القواعد، حتى لو كانت هذه النقاشات صعبة في بعض الأحيان. وسوف يحترم الأطفال القواعد والحدود إذا تمكنوا من فهمها وفهم العواقب المتصلة بها. ولهذا السبب نوصي الآباء باستخدام تطبيقات حماية الطفل ومرافقته خطوة بخطوة لمساعدتهم على قضاء وقت مناسب وبأمان على الإنترنت. فبحسب نتائج الاستطلاع، يتحمّل الوالدان والأسرة المسؤولية الأولى عن تنظيم سلوك الأطفال في الفضاء الرقمي، لكن نحو نصفهم يرى أن المعلمين والمدارس يجب أن يتولوا مسؤولية هذا الأمر، فيما يشعر بعض الآباء أن الأطفال يجب أن يتحمّلوا بدورهم مسؤولية شخصية. لكن للفضاء الرقمي أيضًا قواعده الخاصة للسلوك الآمن، والتي يجب إطلاع الأطفال عليها مثل عدم التواصل مع الغرباء أو الذهاب إلى أماكن غير أخلاقية في المواقع الإلكترونية لحمايتهم من المحتوى غير اللائق ومساعدتهم على تعلّم الشعور بالأمان في البيئة الرقمية. كذلك من المهم تشجيع الأطفال على اتّباع عادات رقمية معينة في نطاق الأسرة أو استخدام تطبيقات الرقابة الأبوية، والتي يمكن أن تساعد في فرز المحتوى المرغوب فيه وغير المرغوب فيه، فضلاً عن التحقق من نشاط الأطفال عبر الإنترنت.